العودة   منتديات الـــود > +:::::[ أقسام الأسرة والمجتمع ]:::::+ > عالم الأسرة والطفل
 
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 09-09-2003, 04:54 PM   رقم المشاركة : 1
العبدلي
( ود متميز )
 
الصورة الرمزية العبدلي
 






العبدلي غير متصل

من حديث السيدات

علي الطنطاوي



لست أدري ماذا تقول السيدات والآنسات حين يقرأن هذه الكلم! أيشكرنني إن مدحتهن ونوهت بهن، أم يذممني لأني نقدتهن ونبهتهن إلى خلة ذميمة من خلالهن؟ إني أسارع، فأرفع الراية البيضاء، وألقي السلاح، وأقر بأن النساء أذكى منا جماعة الرجال، وأوعى قلوباً وأحَدّ أذهاناً، لأن الرجال الأغبياء ... لو اجتمع منهم عشرة في مجلس لما تكلم إلا واحد، والباقون ساكتون يستمعون، أما النساء فكل واحدة تتكلم بلسانها، وتصغي بقلبها، وتسمع بأذنيها، ولا تجتمع أربع نسوة في سهرة أو استقبال، إلا ملأن الحارة كلها بأصواتهن الحلوة، وأحاديثهن المفيدة .... يستوي في ذلك السيدات المهذبات في بهو الاستقبال في المنـزل، والمعلمات المثقفات في غرفة الاستراحة في المدرسة، والنساء المتنـزهات على شط النهر في صدر الباز، أو على حافة البستان في شارع بغداد ....
أما الذي دفع بي إلى هذه الكلمة، فهو أني بقيت في الدار، وبسطت على المكتب أمامي كتباً ومراجع، وأقبلت على عمل لي، وكان في الغرفة الأخرى عائدات يعدن زوجتي الناقهة من مرض أَلَمَّ بها: قريبة لها نَصَف، وفتاة نالت الشهادة الثانوية، وعمتي العجوز وأختي، ونشب الحديث واحتدم، حتى أحسست أن الموضوع يتطاير من جوانب رأسي لم يبق منه شيء، ثم شعرت أن رأسي نفسه يكاد يتفجَّر، فأغلقت الباب بيني وبينهن، فوصل الحديث من النجران والقفل، ثم نفذ من صفائح الباب، وقرب سمعي، وهربت إلى المطبخ والقبو، والصوت يلاحقني، فما كان مني إلا أن حملت ثيابي وحذائي ولبست في الدهليز، وفررت من المنـزل ...

بدأت الزائرة تسأل المريضة عن مرضها، فانطلقت تحدثها، فلم تبدأ حديثها حتى سألت الفتاة عن نجاحها، فراحت تصف لها وقوفها أمام الراد في انتظار النتيجة، وذكرت العجوز شهادتها الرشدية التي نالتها سنة ألف وثلاثمئة (فقط)، أي والله ! والشهادة عندي، ومع ذلك لم ينشر اسمها مع من لهن حق الانتخاب من النساء، فجعلت هي أيضاً تتحدث عن أيامها الماضيات، وانبثق خلال ذلك حديث عن الثوب الذي تلبسه الزائرة.. وانطلقت هذه الأحاديث معاً، فكنت تسمع :
" وأتينا بثلاثة أطباء – وكنا أنا وأهلي حافين بالراد- ولكني لما رأيت (الكسم) أول مرة- أعطاني ( أوبوبيل) لأنه جزم أن الداء في الكبد- وحبسنا أنفاسنا، فلم نكن نسمع إلا زفرات محموم، وجاء الطبيب الثاني – ولم يعجبني لأنه مزموم الخصر، وذيله طويل – وصرنا نعد الثواني والثوالث، والإذاعة تقدم ليلى مراد – فاختصمت معها، ولكنها أكدت أن هذه هي (الموضة)- وقال: إن أصل الداء – مدير الإذاعة الذي كلفنا هذه المشقة لئلا يبدل النظام- وتبين أنه لا يصلح لشيء، ولم أستفد من دوائه- وكان ثوباً جميلاً، لأنه- أعطاني ( بربيدون) ونجحت – ولكن لم أنجح، بل تخرّق جسمي بالإبر- وأخذت الخيّاطة خمسين ليرة، وأخذ الأطباء، وشعرت أني أطير من غيظي من هؤلاء الأطباء".
وكان هذا كله يتخلله عشرات الضحكات والصرخات- يخرج بنفس واحد، وبين ذلك أصوات غير مفهومة، وثلاثة أحاديث أخرى لم أشر إليها، فكأن الموضوع قصة من قصص الجن التي لا أول لها ولا آخر، أو أغنية الشيطان التي لم أسمعها، ولكني سمعت الناس يتحدثون عنها، وكانت أوركسترا طمأنينة عجيبة متنافرة الألحان، متضاربة الأنغام، كأنها الموسيقا الفرنجية التي كانت تتحفنا بها الإذاعة، ليثبت القائمون عليها أنهم يفهمون بـ ... الأفرنجي .
أفهذه هي أحاديثكن يا سيداتي، ويا آنساتي ؟!







التوقيع :

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

 

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:42 PM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية