العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام الثقافية والأدبية ]:::::+ > الإبداعات الأدبية
 
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 03-10-2003, 02:10 AM   رقم المشاركة : 1
الكفاح
( ود فعّال )
 





الكفاح غير متصل

الغريبة (قصة)

الغريبة
لـ وفاء الشلبي



زغاريد المدعوات وهي تودع العروس اخترقت أذنيها بقسوة، فتحولت إلى صراخ وعويل.. دقات الدفوف انهالت كمطارق فوق رأسها الصغير..الحفل يودع العروس إلى بيتها الجديد، وهي تودع آخر آمالها بأن تحتفظ بأبيها لها فقط.. دون غيرها من نساء العالم!!..

طالما استلقت بين ذراعية هانئة سعيدة، تستمد من صدره الحنون ما افتقدته من عطف أمها، إنه المحور الذي تدور حوله كل حياتها وكيانها ومشاعرها.. فكيف ستفقده اليوم؟ وكيف ستضم ذراعاه القويتان امرأة أخرى غيرها؟؟..

لا.. لا مستحيل.. أدارت رأسها كيلا تلحظ دمعتها واحدة من الحاضرات أسرعت إلى مائدة الطعام.. ابتلعت لقمة عريضة علها تزدرد معها غصة أليمة.. كادت تغص ثانية.. شربت عصيراً.. امتزجت دموعها القانية بلونه الوردي.

أفكار متزاحمة تطرق رأسها الصغير.. كيف ستعيش مع امرأة أخرى غريبة في بيت واحد؟.. كيف وافق أخوها وببساطة على فكرة زواج أبيه من ثانية بعد أمها التي ماتت في شرخ الصبا؟.. لماذا لم يرفض؟.. هل هذا من باب الوفاء لذكرى أم جميلة.. إنه زمن الغدر!!

عادت بصحبة إحدى القريبات إلى بيتها.. بل إلى بيت تلك الغريبة التي دخلت حياتهم على حين غرة.. دخلت البيت الفسيح.. أنواره مضاءة.. رائحة البخور والعطور تنبعث من أطرافه.. لا تزال غرفة نوم أبيها مضاءة.. كيف يسمح لنفسه أن يشاطر امرأة غريبة حياته وفراشه؟.. ولماذا رفضت أن تعيش في بيت مستقل بعيداً عنهم؟ لماذا رفضت أن تسافر مع أبيها إلى ما يسمونه شهر العسل؟ كيف أقنعت والدها بأنها لن تسافر كيلا تتخلى عن مسؤولية البيت والأولاد، ولو لأيام قليلة؟. يا لتلك الكاذبة!! لا بد أن تلك الغريبة تخطط لتنغيص حياتهم من يومها الأول.. لذلك لم توفر تلك الفرصة وألغت مشروع السفر.. قالت في عناد: سأكون لها بالمرصاد!! لن اسمح لها إطلاقاً!!

اقتحمت غرفة أخيها الغارق في أحلامه السعيدة.. صرخت في وجهه.. هَبّ مذعوراً.. لمح في عينيها نظرات الرفض والاحتجاج.. سألها:

- ما بك؟.. ماذا دهاك؟..

ردت ساخرة: لا شيء .. لا شيء على الإطلاق.. أنت تنام قرير العين، وأمك تبكي في قبرها..

- ومن قال لك إنها تبكي؟.. إنها سعيدة لسعادة أبيك، أو ربما لوجود أمٍ ثانية تعوضنا ما افتقدناه طيلة سنوات..

- ماذا؟.. أم ثانية!! إنها غريبة.. جاءت تسرق منا سعادتنا وأحلامنا الوردية.

- إنها طيبة يا سارة.

- بل خبيثة.. عرفت كيف تسرق قلب أبيك!!

- لا يا سارة.. لا تظلميها.. لقد وافقت على الزواج من أبيك؛ لأنها لم تنجب في زواجها الأول، ولأنها وجدت فينا ما حُرمت منه طويلاً...

هذا ما قالته لنا مراراً...

- إنها كاذبة!! لا أصدق.. أنا لن أستسلم.. أنا قد أعلنت الحرب..

- أي حرب هذه؟! هل نحن في ساحة معركة؟ سارة.. أرجوك.. ادخلي غرفتك ونامي.. فالصباح رباح كما يقولون.

دخلت غرفتها ثائرة باكية.. أغلقت الباب بقوة شديدة. لا بد أن صفعة الباب أقلقت راحة زوجة أبيها في ليلة زفافها.. سوف لن تدعها ترتاح بعد اليوم!!

لم تنم سارة في تلك الليلة.. كوابيس مخيفة، أشباح سود ظللت مسرح أحلامها.. أصوات مخيفة رافقت أشباحها وكوابيسها.. صرحت صرخة قوية.. فتحت عينيها لتجد تلك الغريبة أمام سريرها.. أغلقتهما من جديد.. شعرت بحرارة يدها تلامس جبينها وتمسح عرقها البارد برفق وحنان.. سألت نفسها:

- كيف تحمل تلك اليد الغريبة ذلك الكم الهائل من الدفء؟

قالت لها بلهجة صادقة:

- سلامتك يا صغيرتي.. ما الذي أخافك؟ أهوَ كابوس؟

كادت أن تستسلم لرقتها وتبكي بين ذراعيها إلا أنها تذكرت فجأة من تكون؟.. أبعدت يدها بشدة.. ونظرت إليها نظرة ممزوجة بالسخرية والغضب ثم قالت:

- ابتعدي عني.. دعيني وشأني..

أخفت سارة رأسها تحت الغطاء.. لا تريد أن تبصر وجه غريمتها.. غرقت من جديد في نومها المتقطع القلق.. بينما ظلت يد زوجة أبيها ترسم فوق رأسها ألواناً من الحب والحنان.. وظلَ صوتها الدافئ يخالط سمع سارة حتى ساعة متأخرة من الصباح.. يسكب حولها أعذب التلاوة وأصدق الدعاء..

نظرت سارة إلى تلك الغريبة وقد سرقها النوم وهي جالسة على الكرسي إلى جانبها. حاولت أن تخترق ملامحها الهادئة إلى داخلها.. أن تقتحم كيانها وأعماقها.

سألت نفسها: هل يمكن أن يكون داخلها صادقاً كملامح وجهها؟.. هل يمكن لغريبة أن تعطيها ما افتقدته طويلاً؟..

هبت من سريرها ثائرة على ظنونها الساذجة، محاولة أن تستمر في معركتها ضد زوجة أبيها.. صاحت في وجهها:

- ماذا تفعلين في غرفتي.. هيا اخرجي..

تظاهرت زوجة أبيها بعدم السماع.. وقبل أن تخرج قالت بهدوء:

- الحمد لله.. أراك بخير..

أيام متتالية اعتصمت سارة في غرفتها.. رفضت دعوة الجميع للخروج أو دعوتهم إلى الطعام.. صوت أبيها المشغول بزوجته الجديدة يناديها.. ولكن أين هو ليقاسمها شقاءها ووحدتها!! إنه كطفل فرح بدمية جديدة!! لن تخرج من غرفتها.. لن تأكل.. لن تذهب إلى المدرسة.. لن تكلم أحداً.. لن يجبرها أحد على عمل لا تريده...

دخلت زوجة أبيها من جديد تحمل لها طعام العشاء.. رفضته بشدة .. صرخت.. ضربت الآنية بيدها فحطمتها.. أسرع الأب غاضباً يسأل عما حدث.. ردت زوجته بهدوء:

- أنا.. أنا السبب. كانت سارة نائمة.. سقطت الصحون من يدي فاستيقظت سارة فزعة وصرخت.. آسفة يا صغيرتي!

نظر الأب إلى سارة معاتباً وقال: "دلع بنات" ثم انصرف.

تمنت لو جلس إلى جانبها، لو سألها عن سبب تصرفاتها.. أو عن سبب عدم ذهابها إلى المدرسة.. ولكنه لم يفعل.. لقد أكلت تلك الغريبة عقله!! نظرت إليها فرأتها جاثية على الأرض تنظف ما تحطم من آنية الطعام.. شعرت بشيء من الندم يخالط مشاعرها الثائرة.. قامت من سريرها لتساعد زوجة أبيها، فقالت لها:

- لا عليك يا صغيرتي.. لا تهتمي.. سأحضر لك طعاماً غيره.. هل تقبلينه من يدي؟

هزت سارة رأسها موافقة.. ربما دفعها إلى ذلك صدق نظرات زوجة أبيها ولهجتها الحانية.. أو ربما دفعها إلى ذلك جوعها الشديد!!

في اليوم التالي ما زالت لمسات زوجة أبيها الحانية تلاحقها من جديد.. وصوتها الدافئ يقول لها: أستاذة منيرة تطلبك على الهاتف.. من المدرسة!!

- من؟ أستاذة منيرة.. من أين حصلت على رقم هاتفي؟..

رفعت السماعة بيد مرتجفة.. فكرت في حيلة تبرر بها سبب غيابها.. إلا أن أستاذة منيرة قالت لها:

- سلامتك يا سارة.. اتصلت بنا زوجة أبيك وأخبرتنا عن سبب غيابك.. أنفلونزا حادة.. ألف سلامة.. الفصل من غيرك لا طعم له ولا لون.. كلنا نفتقدك في المدرسة يا سارة!! نحن غداً في انتظار عودتك.. إلى اللقاء..

اقتحمت سارة بعينيها أسوار قلب زوجة أبيها.. يبدو أنها طيبة!! إنها الوحيدة التي تقف إلى جانبها في هذا البيت.. لم تيأس.. لم تفقد الأمل.. قالت في سرها: يا لتلك الغريمة!! كلما أشهرت سيفاً من الحقد والكراهية نحوها، قابلتني بتروس من الحب والحنان..

نامت ليلتها هادئة حالمة.. ما تزال تلك اللمسة الحانية تلاحقها من جديد:

- صباح الخير.. حان وقت المدرسة..

انطلقت سعيدة.. أين ثوبها المدرسي؟ لقد اشتاقت إليه.. أين حقيبتها؟.. ها هي زوجة أبيها تحملها لها.. كأنها حارسها الأمين.. نظرت إلى المرآة.. شعرها أشعث.. لم تمشطه منذ أيام..

امتدت يد تلك الغريبة تمسح شعرها برفق، قالت لها برجاء:

- هل تسمحين لي أن أمشط شعرك الجميل؟

ترددت سارة.. وقفت حائرة صامتة.. فقالت لها:

- أرجوك يا سارة.. أرجوك لا تحرميني من أمل انتظرته طويلاً.. لا تحرميني من مشاعر عشت عمري أحلم بها.. يا حبيبتي.. لا توصدي أمام أمومتي أسوار قلبك الصغير!!

وكشلال هادر طال انحباسه.. انطلقت سارة، فدفنت رأسها وغمرت نفسها وقلبها بين أحضان أمها الجديدة....







 

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:50 AM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية