كعادتي أملاّ الدنيا بغروري ، وأستلهم صفحات الأيام من جموح حياتي ، فأقطف أوراق أمنياتي ، لأهديها إلى كل صباح تشرق به همتي ،لأن حديقة فكري كلها بهجة ونظرة ، لأخطف الأضواء ، ببريق موهبتي ، بكلمات قوية ، وحروف باهرة ، ومعاني تأسر العقول بعد القلوب ، وكأن قلمي هو عنوان الكتاب ، لأنه يطرق السمع ، ويصل إلى مسامع القلوب ، فهو خبير بكمال الحروف ، ومجرب لخيال الكلمات ، ليصحوا على إبداع زائف .. وإمتاع تالف .. لأن قلمي ظاهره سحر جذاب .. وباطنه عشق كذاب .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أفكر في الكلمة .. فتسحرني أبعادها ، وتأسرني بابتعادها ، فلا أقف أمامها ضعيفا أو متخاذلا .. بل احتفل بأول إلهام بها ، فأمنحها رشاقة في عبارتها ، وحلاوة في لفظها ، وطلاوة في سحرها ، كي تكون سائرة على الألسن ، شريدة بخيالها ، طريدة في بهائها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كثيرا ما أجتمع مع قلمي .. فأراه متوجعا أمامي ، متفجعا من قرائه ، فربما لأنهم خذلوه ، أو انني انا من خنته في كلماته ، وسطور خياله ، أو أنه ربما يشتكي من خصومه ، فحساده في كل يوم يزيدون ، وتبقى المصيبة في يدي .. كيف سابدأ معه كتابة أول حرف .. وهو بهذه النفس الحائرة .. وهذه الهمة المتوجعة .. كيف و .. كيف ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتبت أول حروفي عن الغزل .. فاستشاط قلمي من فكري غضبا .. فهدأته بتمزيق الورقة .. لأنه يعرف بأن صاحبه قد أقفل عن قلبه بوابة الحب منذ زمن ليس باليسير .. فكيف أخونه وأكذب عليه بمجاملتي له عن طريق الغزل الساحر ..
ثم حاولت أن أكتب عن الوفاء .. وكيف تصرف هذه الخصلة النادرة من مصارف القلوب .. فسكت قلمي .. ولم يعد يكتب حرفا واحدا .. ربما جف حبره .. ولكن الحقيقة تؤكد .. أنه لم يرضى بالكتابة عن الوفاء لأنه معدن نفيس في هذا الواقع المر بحضارته ..
وفي الأخير .. كتبت عن مباراة التحدي .. وكيفية الوصول إلى طرق الصدارة .. ففرح قلمي .. وأرتاح كثيرا .. لأنه يحب هذه الهمة .. ليقهر حساده ، ويجرح خصومه .. وفعلا كتبت وكتبت .. حتى أرضيت قلمي قبل أن أغطيه بغطاء الحب والحنان ، لأودعه في غرفته الخالدة .. في درج مكتبي .. لينام قرير العين .. هادئ البال .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد ذلك حاولت أن أخلد إلى النوم .. وإذا بي أتلوى على فراشي مثل الأفعى ، وكأني أسمع صرخات قوية .. تلهب مسامعي ، وكأنها صيحات شاردة لا أعرف من أين أتت ! ولا كيف أتت ! ولا أعرف سبب مجيئها !
أين أذهب .. أين أنتي يا ذاتي .. لا أعرف كل شيء فقدته في تلك الليلة الكئيبة في أطوارها ، والعنيدة في مسلسلها .. ومن البطل .. ذاك الضحية الذي هو أنا ..
تعبت من همها ، وتعبت هي من تعبي بسببها .. وبعد ذلك بقليل .. غادرت الأصوات .. وكأني جثة من بين أموات .. أفقت من فراشي ، ونظرت إلى صورتي في المرآة .. فقلت هل هذا أنا ؟ ماذا أصابني .. وماذا حدث لي ..
هل هي أمطار وهم خالية .. هل هي سحابة عز آتية .. هل هي أحلام خاوية .. ولكن تبقى الحقيقة أمام الخيال .. ليبسطها على الواقع .. بكلمة واحدة .. وهي [ أنت لا شيء ] قالها لي هذه الكلمة .. فاستوى فؤادي .. وتشنج فكري .. فألغيت همتي من عالم الإبداع ، وسماء التضحية .. لأني لا شيء .. نعم لاشيء .. أين الإبداع .. انتهى .. أين الإمتاع .. مات .. أين فخامة الحضور .. انتهى .. كل شيء أصبح لاشيء .. لأني بالفعل .. لاشيء .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
آه يا نفسي .. كم خدعتيني .. بطموحك التواق لكل همة عالية ..
آه يا نفسي .. كم زيفتي واقعي المر .. حينما قلتي أن الإبداع سأحصل عليه في يوم ..
آه يا نفسي .. كم صعدتي بي إلى ملذات التفوق ، ودرجات النبوغ ، ومراتب الناجحين ..
كل هذا .. أصبح لا شيء .. كله خداع على فكري .. خداع على قلمي .. خداع على حياتي ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد حاولت جاهدا أن اكتب كلاما ولكنه .. ليس مثله أي كلام .. حاولت أن اصنع الكلمة قبل كتابتها ، وأرسم الحرف قبل أن أعرف معناه .. لأجعل طعم الكلمة في فمي كقطعة من الشهد ، وأراها بعيني كمتعة الدرّة في اليد .
ولكن .. خسارة كل هذا كان خيالا .. وانتصارا فاشلا ، وهزيمة انتصرت على الخيال .. لتهزمها الحقيقة المرة .. التي لا تعرف شاهدا أو .. معين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيتها الليلة المتمردة .. أي صدق اعتراك في مجيئك ! وأي أصوات غزت فكري قبل نومي .. وأي ساعة إنتحرت فيها همتي امام مجيئك ..
قد اوقفتي روعة شموخي ، لأنك إشتريتي قيمة غروري .. ففصاحة قولي داهمها الموت .. حينما كسرتي قلمي قبل أن يداهم الموت فصاحتي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيتها الليلة الكاذبة .. كم نسفتي أحلامي .. وحطمتي أسواري .. وأقتلعتي من قلبي كل عناد وتمرد زاملني طوال حياتي .. حاولت أن أطوف بك في عالم المعاني الخلابة فبي جمال الكلمات .. فلم أستطيع .. وحاولت أن اكتب إليك بقلمي تحفا من الحروف النادرة .. ولكنك قد أعدمتي قلمي بعيدا عني .. فما ذا أفعل .وما العمل .. لا شيء .. أعرف ماذا تقولين .. ابتعد عن قلمك يالورانس .. فأنت لست بحاجة لأوهام تبعثرها .. وأحلام تكتبها .. وأماني تستعذبها .. ابتعد .. وأرحل عن عالم الحروف وحدائق الكلمات ..
إن رفضت أوامرك .. فستأتيني في ليلة أخرى .. وإن أطعتها فسأهزم أمام كلماتي وحروفي .. فما العمل .. ما العمل ..
ولكن أيتها الليلة الكاذبة .. لا أقول إلا سمعا وطاعة لك ذلك .. ولكن أريحيني من زيارتك .. وابتعدي عن حياتي .. وكوني بعيدة عن ذاتي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وذهبت تلك الليلة الكاذبة .. بعدما أنارت لي درب حياتي .. وهو هذا القلم .. الذي كنت أنشده فاتن جذاب ، ولم أعرف أنه ساحر كذاب .. ولكن تلك الليلة حفرت في ذاكرتي أن الطموح لا يصرف عبر ألاماني ، ونقشت في ضميري أن الأغنية لا بد وأن تموت ، ولكن الهمة لن تموت أبدا ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه حكايتي مع ليلتي .. تلك الليلة التي تمردت على نفسي ، هذه قصتي مع قلمي .. هذه فصول همتي .. هذه عواطف أمنيتي .. هذه أمطار غيمتي ..
لن انتظرك أيتها الشمس الغالية عند بوابة قلمي فحسب.. ولكني سأعمل جاهدا لإيجادك بعيدا عن قلمي .. لأن قلمي يصنع الكلمات الفاخرة .. ويرسم الحروف الباهرة .. ولكن فعلي هو من يجدك .. وهو من يستطيع البحث عنك .. وسوف أجدك .. إن شاء الله .. عندها .. سأهديك ذاك القلم البسيط .و الذي كتب حروف البحث عنك .وكلمات التحري عن وجودك .. فانا في ذلك الوقت لم أعد بحاجة له .. لأنني قد وجدتك .. عندها سيموت القلم .. وترحل تلك الليلة إلى الأبد .
[ سأجــدك همّتــي .. عند عرش أكذوبتي .. في أحضان ليلتــي ]
وتقبلوا فائق أمنياتي
لورانس