أسافر عبر القلوب ، وأتدارك ضيافة العقول ، تعجبني الكلمة ، وتأسرني الحروف ، وتهيم في فكري آيات المعاني ، لأسمع جرس تصويرها ، بنغمات من حس روعتها ، ربما تغمرني بصمتها ، وتهزني ببلاغتها ، لأعيش تحت هيام الحروف ، وفي عرش الكلمات ، تحيط بي معانيها ، فأنظر إلى أبعادها ، فأكسوها طلاوة في سحرها ، لأتذوق حلاوة مذاقها .
.......................................
أرحل مع الكلمة من مكان إلى زمان ، ومن مقالة إلى حوار ، ومن قصائد إلى خواطر ، وكأنها جزر من البيان الناصع ، وتستقبلني في كل ساعة ضيفا عندها ، أحاول الهروب من غرامي للكلمات ، ومن هيامي إلى الحروف ، فترسل الكلمات إلي باقات من الورود محملة بأجمل الكلمات .. تناشدني بالعودة إلى أحضانها ، وكيف أتركها وأنا من ترعرعت في كنف جمالها ، ولبست ثوب حروفها ، ومع ذلك فأنا لازلت أحاول الهروب ، وتتركني الكلمة يوم أو يومان ، فأتعذب لوعة لحنانها ، وكيف لا أتوق إليها وأنا من طلاب مدارس الحنين ، وفلسفة السنين .
ربما اهجر القلم ، فتدهمني أطياف الكتب والمجلدات ، وأهجر الكتب والقواميس ، فتعتقلني الكلمة الشاردة .. وكأني أراها سائرة مزهوة ببلاغتها على ألسن البشر ، أسمع جرسها ليتخيلها فكري المتواضع فيرسمها لخيالي ، وأكسوها بيدي أبهى المعاني ، لتكون مشروع عنوان لمقالة ما .. ، ولا أعرف كيف رسمتها في فكري البسيط .
.................................
أمسك معزوفتي هذا القلم ، لتلامسه أناملي ، فيعزف لحنا لم أسمعه من قبل ، ليتفنن في كساء الكلمات نغمات لا أعرف من أين جاءت ، وربما .. أرفض سماعها .. ولكني أتوق إلى رضاها ، تتجمع الكلمات أمام القلم ، وكأنها بستان من الزهور الجميلة ، وهذا القلم ما هو إلاّ كالقائد يقوم بصف الزهور ، وكأنهم جنود أمامه ، فيرتبها لتصبح جملا ، فيقدمهم هذا القلم إلى الورقة ، وكأنها ميدان بطولاتهم ، ليقدموا التضحيات لأجل أن يصلوا إلى مرتبة الإبداع ، فيمتعون الحضور ، لينالوا رضاهم ، وبعد ذلك يشقون طريقهم إلى الأمام ، لكي ينشدوا روعة الجمال في ساحة الكمال .
................................
وبعد هذه الصداقة مع الكلمة ، وهذه الزمالة مع القلم ، وبعد كل هذه السنين ، من السفر سويا والاجتماع سويا ... أقولها كلمة .. وأطرحه سؤال.. أيـن أنــا ! هل أنا ساكن هناك في أحضان الكلمات ، ومتاهات الحروف ، وجمال المعاني .
هل أنا ساكن هناك .. حيث توجد المقالة الرائعة ، ذات البلاغة المبدعة ، والتصوير المدهش ، تحت مظلة البيان الناصع .
هل أنا ساكن بجوار هذا القلم .. الذي ضيع حياتي ، حينما عرفني على الكلمات ، وجعلني أرافق الحروف ، في منازل الكتب ، وفنادق المجلدات .
آه يا كم ضيعت نفسي .. كم أحترق على ضياع عمري ، مر رفقة تلك الكلمة وذاك القلم الذين لم يسعدوني في يوم من الأيام .
آه كم خدعت نفسي بتتويج فكري الزائف على عرش الوهم ، حينما تصورت أن القلم يدعوني ، والكلمات تحتفل بي ، والحروف ترسل أطيافها لمناجاة قبول دعواتهم على مائدة الفكر .
أه كم أنا بعيد عن عقول البشر ، حينما تخيلت أنني بانتظار تلك الشمس ، ولكني لم أجد لذاتي مقر ، فأين يا ذاتي .. أين المفر ..
آه كم ستدفع نفسي ضريبة الخداع على ذاتها ، وكم ستدفع من ضريبة لضياع تلك السنين منها ، دونما فائدة سوى الغرق في ملذات الكتب ، والعزف على أحرف الأقلام ، والنتيجة .. ضياع هوية .. وتنازل إجباري عن كافة الحقوق ، لعدم وجود شمس تنير لي طريقي ..
آه كم تصورت وحلمت أنني سأصل يوما إلى مرتبة الإبداع عن طريق ثقافتي وبقيادة قلمي ، ولك أن تتخيل يوما أن أكون في مقبرة الضياع ، فقد ضيعت نفسي ، حينما جعلت من مكتبتي جنة حياتي ، وفي الأخير .. وبعد هذه السنين .. أفكر في إحراق جميع هذه الكتب من مجلدات ومراجع ، لأن الثقافة هي من أضاعتني ، وجعلتني أهيم في البحث عن همتي عن طريقها ، ولم أكن أعلم أن النتيجة النهائية هي الرسوب مع مرتبة الشرف الأولى في مدرسة الحياة ، وديوان الهمم ، ولم أكن أعرف أنني دفنت هناك في معاقل الوهم .
............................
نعم هكذا جاءتني الليلة الكاذبة بالأمس ، جاءت تحمل في حقيبتها حقيقة الواقع الذي لسعتني بمرارته ، وعصفت بجوانحي شهادته ..
يا الله .. على حقيقة الذات ، ألهذه الدرجة وصلت نفسي دونما أعلم .. ألهذا المستوى خدعتني ثقافتي من دون ما أن أعي حقيقة نفسي .
ضيعتني يا قلمي .. قتلتيني يا ثقافتي .. حملتي جنازتي يا كلماتي .. دفنتيني أيتها الحروف ..
هذه هي حقيقة التتويج على عرش الوهم .
وتقبلوا فائق أمنياتي
لـورانس