يبدو كثير من الأطفال غير متجانسين مع أنفسهم، مفتقدين إلى الشجاعة الكافية التي تؤهلهم للتعامل مع الآخر دون خوف، أو رعب، من سلطة التسكيت التي كثيراً ما تمارس عليهم.
تغلفهم الحيرة، وما أكثر الحيرة، عندما يرغبون في طلب شيء أو التحدث عن شيء آخر، أو شرح فكرة، أو وجهة نظر معينة تختلف مع تفكير الأب أو الأم، أو المدرس.
تضيق طرقات الحديث أمام الطفل وهو يحاول البحث عن مخرج، أو طريق يسلكه، ويتحرك من خلاله للتعبير عن وجهة نظره، أو طرح ما يريد.
الصورة السابقة تتضح كثيراً لكل مهتم بشؤون الأطفال، ومشاكلهم وهمومهم. وكثيراً ما أكدت ذلك الدراسات التي تفتح الباب أمام قضايا الأطفال الخاصة التي تغيب عن كثير من الناس وآخرها ما نشرته (إحد الصحف ) منذ أيام عن الدكتورة ميرفت جودة المعيدة بكلية البنات من ان الطفل يشعر بالغربة في اسرته لانعدام الحوار المفتوح، ولأن الحوار غير محدد الملامح بمعنى الحوار المفتوح لمناقشة كل الأمور الحياتية وهذا الحوار، هو الذي يعطي للابن أو الابنة إحساساً بأن مشكلته الخاصة هي مشكلة عامة داخل الأسرة، وان اهتماماته، وأحلامه هي مثار اهتمام من كل أفراد الأسرة وانه ليس بحصان سباق للتحصيل الدراسي أو التفوق الرياضي، أو الاجتماعي لمجرد التباهي به وقالت أنادي كل أب وأم «كفوا عن التعامل مع أولادكم كدمى تشكلونها وفق أحلامكم لتحقيق رغباتكم أنتم دون الاهتمام برغباتهم أو أحلامهم.
ما طرحته الدكتورة سابقاً يعكس التساؤل المتكرر وهو: لماذا نريد أطفالنا كما نريد نحن لا كما يريدون هم؟
لماذا نشعر الطفل ان دوره الأساسي أن يذاكر، ويجتهد، ويذهب إلى المدرسة، وينجح ويحقق مراكز متقدمة فقط، ونحن نحقق له غطاء هذه النجاحات، مع التركيز أنه الغطاء المادي فقط، وليس النفسي، أو الانساني.
حيث ان الأسر تنطلق هنا من مفهوم انها المسؤولة الأولى عن أطفالها، وعن دراستهم وعن تحقيق أمانيها من خلالهم، والخوف ألا يتحقق ذلك، إذا بدأ الطفل في الحوار أو المناقشة، أو البحث عن ذاته من خلال الحديث، والتفكير بشكل مسموع.
واذا تم ذلك تثور الأسرة، و تغضب، وتتصور أن الطفل قد بدأ يخرج عن السياج الذي وضع داخله، ويتمرد على طريقة الحياة التي رسمت له، ولا ينبغي له تخطيها من خلال الثرثرة، او ما يسمى بالحوار، وتعتبر الطفل ملقوفاً و يتدخل فيما لا يعنيه .المشكلة هنا تكمن في انعكاس هذا الشعور على الطفل، واتهامه أنه يخرج عن النص، هذا النص الذي صاغته ا لأسرة، وصاغته المدرسة.
أعرف معلمة تشتكي من طالبة لديها، وتتهمها باللقافة، والتدخل فيما لا يعنيها وعندما سألتها عن ماذا تفعل، أجابت انها كثيرة السؤال، والمداخلات تخترق المعلمات دائماً برغبة جادة في الحوار، بذكاء شديد، لكنه يفسد عليّ وقت الحصة، تمتلك وجهة نظر جريئة وخاصة، وأتوقع لها مستقبلا باهرا، رغم القمع الذي تتعرض له، بالرغم من ان والدتها عندما حضرت أشارت إلى أنها كثيرة الكلام، محبة للحوار، أو الفلسفة، وإجادة فك حروف الخوف والصمت التي تكتنف من هن في سنها.
لم أعلق على ما قالته المعلمة لأنني أعرف تصورها للعلاقة بين الطالبة والمعلمة ورسميتها، وهشاشة علاقتها الانسانية بالتلميذات، التي تشعرهن بالاغتراب الحقيقي داخل الفصل، وتوسع من المسافة بين الاثنين، وتفتح جبهات واسعة من اللاحوار والتحريض على تشكيل العلاقة بصورة لا تمت الى الفهم المشترك بين الطرفين.
وانعدام الحوار داخل الأسرة مع الأطفال، يكشف ما نعيشه اليوم من التمرد الذي يمارسه الأبناء، وانعدام اللغة الواضحة، وعدم الوعي بمشكلات الآخر، والتعايش الهامشي مع هموم الأمة، والتفاعل مع كل ما هو سطحي، واختزال الحوار للآخرين من الأصدقاء بعيداً عن الأسرة، التي لا يشعر بفهمها له أو استيعابها لقضيته، ومن خلال ذلك نظل مطالبين بتفعيل الحوار مع الابناء داخل الأسرة واحتضانهم، وضمهم بهمومهم، ومشاكلهم، مهما كانت في نظرنا تافهة، او صغيرة، لأنها في المحصلة تظل بالنسبة لهم قضايا عاجلة، وهامة وحيوية.
منقول