يستيقظ الطفل على صراخ والديه وهما يطالبانه بالذهاب الى المدرسة ويقوم والده بتحضير حقيبة المدرسة, وتساعده والدته في ارتداء الزي المدرسي وتعد له السندويشات. وكل من في البيت يحاول مساعدته... وكذلك الحال بعد عودته من المدرسة الكل يساعده لإنهاء الواجبات, ولكن هل يصبح هذا الطفل اتكالياً يعتمد على الآخرين? وكيف نجعله يعتمد على نفسه بدلاً من الاعتماد على الاخرين?
هذه المشكلة يعانيها آباء وأمهات كثيرون مع أطفالهم, فالطفل يعتمد عليهم في كل شيء في حياته, ويريد دائماً أن يجلس معه والداه وهو يؤدي واجباته وفروضه بعد عودته من المدرسة, بل احياناً يطلب منهما القيام بواجباته بدلاً منه لأنه يخاف ان يخطئ , او لأنه اعتاد ان يقوم والداه له بكل شيء منذ سنوات عمره الاولى. والمشكلة الكبرى أن بعض الآباء لا يدركون ان اعتماد الطفل عليهم بهذا الشكل مشكلة حقيقية يصعب حلها إن لم يتنبهوا إليها منذ السنوات الاولى لأطفالهم.
المشكلة
ويوضح لنا مدى خطورة هذه الطريقة في التعامل مع الطفل الدكتور احمد حسين اختصاصي الطب النفسي قائلاً: "المشكلة سببها الأساسي الوالدان, فهما يجلسان بجواره لعمل الواجب ويجهزان له حقيبة المدرسة ويساعدانه في ارتداء ملابسه واحياناً في تناول الطعام, ويحاولان دائماً تلبية كل طلباته حتى لو كانت لا تفيده, فمثلاً يطلب الطفل أحياناً من والديه انهاء الواجبات المنزلية بدلاً منه, ويلبي والداه طلبه, وهكذا. وبهذه الطريقة يستمر الطفل دائماً منتظراً من كل من حوله ان يلبوا طلباته باستمرار".
* هل الطفل بطبيعته يفضل الاعتماد على الاخرين في سنوات عمره الاولى?
هناك مراحل يمرّ فيها الطفل, ففي اول عامين له يحتاج طوال الوقت الى رعاية كل من حوله فهو لا يستطيع الاعتماد على نفسه سواء في الغذاء او ارتداء ملابسه, لكن بعد ذلك يحاول الطفل دائماً أن يعتمد على نفسه. فهو يحاول تناول الطعام بمفرده حتى وإن لم يستطع في البداية ولكنه يحاول دائماً, فالطفل بطبيعته بداخله الاستعداد للاستقلال عن والديه, وهنا يكون دور الوالدين مهماً جداً في تنمية الرغبة في الاستقلال والاعتماد على النفس.
* هل هناك علاقة بين اعتماد الطفل على نفسه وترتيبه بين إخوته?
قبل اليوم, كان الطفل الاكبر يتحمل مسؤولية نفسه بمجرد ميلاد طفل آخر, لكن الآن اصبح الابن الأكبر يأخذ قدراً كبيراً من الحماية والتدليل وكذلك الأخ الأصغر. اما الطفل الثاني الأوسط فأعتقد أن أمامه فرصة أكبر لممارسة استقلالية اكثر من الاكبر والاصغر.
* هل اعتماد الطفل على والديه في شكل مبالغ فيه يمكن ان يصيبه في المستقبل بأمراض نفسية?
كلما كان اعتماد الطفل على والديه زائداً عن الحد, كان عرضة أكثر للاصابة باضطرابات الشخصية في المستقبل, وعندما يحاول الوالدان دائماً توفير كل شيء للطفل من الصغر سيصبح هذا الطفل شخصاً أنانياً. وفي المستقبل عندما يصبح بالغاً ينتظر دائماً من زوجته أن تلبي كل طلباته, بالاضافة الى انه سيصبح شخصاً متردداً في كل شيء في حياته غير قادر على اتخاذ قرار.
* كيف يوجه الآباء اطفالهم ليعتمدوا على أنفسهم منذ الصغر?
الطفل في عاميه الأول والثاني يحتاج إلى رعاية دائمة, ولكن بعد ذلك علينا ان نتركه يتعلم بمفرده ويكتشف الاشياء من حوله, هذا لا يعني اننا لن نوجهه وانما نرعاه عن بُعد. والشيء الثاني الذي يجب أن نتنبه إليه بعد دخول الطفل المدرسة هو ألا نؤدي نحن الواجبات المنزلية له وان يتقبل الوالدان اولاً فكرة الخطأ عند الطفل وحين يتقبلها الوالدان سيسمحان له بأن يخطئ ويتعلم من خطئه بالاضافة الى اننا كثيراً ما نزرع في داخلهم الاحساس بعدم المسؤولية تجاه الآخرين, فحينما يُسأل عن شيء تكون اجابتنا: "لا تسأل عن ذلك" فالمشكلة فعلاً تكمن في الوالدين وليس الطفل نفسه, فخوفنا الزائد عليه وحبنا الزائد وطموحاتنا الكبيرة فيه تجعلنا نربيه بطريقة تعوقه في المستقبل.
* هل يعتمد الطفل على والديه فقط داخل المنزل أم يمتد ذلك مع اصدقائه في المدرسة?
تجيب عن السؤال الدكتورة سهير دمنهوري أستاذة علم الاجتماع في كلية الآداب في جامعة حلوان قائلة: "الشخصية عموماً لا تتجزأ, فهي تشمل الجوانب النفسية والاجتماعية للطفل. الطفل في المدرسة يتصرف بالطريقة نفسها التي يتصرف بها داخل المنزل, فاذا كان يعتمد على إخوته ووالديه داخل المنزل فهو ايضاً يعتمد على زملائه في الفصل سواء في حل الواجب او استيعاب بعض الدروس, وفي اللعب ايضًا. وهكذا فهو طوال الوقت يصبح طفلاً أنانياً يحب الاعتماد على الاخرين, وإن كان في المنزل يعتمد أكثر على الأم لأنها بدافع أمومتها وحبها له تحاول دائماً تلبية كل طلباته. ويتشبث بالأشياء اذا اخذت منه, ويحاول دائماً أخذ كل اللعب له حتى ولو كانت ملك أخته.
* ما هو دور المدرسة في توجيه الطفل للاعتماد على نفسه?
يمكن أن يكون للمدرسة دور مهم في تقويم سلوك الطفل ومحاولة اكسابه الاعتماد على النفس بدلاً من الاعتماد على الاخرين, وذلك بإقامة أنشطة ثقافية مختلفة تجعل الطفل يقوم بأدوار مؤثرة فيها, فتختاره قائداً لمجموعة النشاط أو مخططاً للنشاط, وبهذه الطريقة يتعود الطفل على تقديم الخدمة للاخرين ويحقق علاقات اجتماعية مميزة مع الاخرين. وبذلك ننمي المحبة والعطاء في داخله بدلاً من الانانية
والاعتماد على الاخرين. والطريقة نفسها يمكن ان تطبقها الأم داخل المنزل بأن تقسم المهمات بين الإخوة داخل المنزل وبذلك يشعر كل منهم بالمسؤولية أمام الاخرين, فدور الأم مهم جداً خصوصاً في مرحلة ما قبل المدرسة وإن كان دورها يصبح اقل تأثيراً بعد دخول الطفل المدرسة, لكن هي التي تغرس فيه من البداية الاعتماد على النفس.
ملاحظه : منقول