يقول راوي القصه:كنت علي موعد مع صديق لشرب القهوة العربيه بعد صلاه العصر وصلت الي الفندق وتحديدا الي قاعه المقهي المكيف الجميل .............وذلك قبل الموعد بساعه.....
دخلت المقهي ولم اكن اعرف اين اجلس او انظر الا ان جمال المكان شدني للتجول في انحائه لرؤيه كل زاويه فيه وبالفعل تنقلت حتي وصلت الي زاويه في اخر المقهي حيث وضع اثاث جميل وهاديء الالوان ......واضاءة خفيفه جدا
ولا يري الانسان هناك الا صفحه الوجه ....شدني ذلك ....وتقدمت قليلا وبهدوء شديد الي الجالس علي تلك الاريكه فقط لكي اهنئه علي حسن اختياره لتلك الزاويه .....ولكنني رايت رجلا في الخمسينيات نحيف الوجه. قد خط فيه الزمن خطوطه ....وعيناه غائرتان ومليئتان بدمعتين من الحجم الكبير جدا ....وكان يجاهد لكي يمنعها من التدحرج عل خديه....
تقدمت اليه فرأيته غارقا في فكر بعيد جدا .......يخترق بنظرته الخمسيبيه ما وراء الفندق بل ما وراء الكره الارضيه كلها.....
فقلت له : السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
فنظر الي نظرة استغراب لانه لايعرفني ولا اعرفه.....
وقال:والسلام عليكم .وسكت.
فقلت:هل يمكنني الجلوس علي الاريكه المقابله ام انها محجوزة؟
فقال:كالمنزعج لانقطاع حبل افكاره:لا...نعم ....تفضل........تفضل
فجلست وانا ساكت....ولكن كيف للثرثار بأن يجلس دون تعذيب لسانه.....
فقلت :عفوا...ولكن لماذا تعذب عينيك وتمنع دمعتيك من التدحرج علي خدك...لوكنت مكانك لارحت عيني من تحمل حراره الدمع الحزينه وارسلتها علي خدي...
فما ان سمع كلامي حتي تدحرجت الدموع علي خديه وسلكت التقاطيع الكثيره في وجهه ....ولكنه لم يمسحها بمنديل ...
قلت:لابد انك تذكرت اناسا اعزاء عليك
قال: وما يدريك ؟
قلت: اري معزتهم في عينيك ومحياك...
قال: نعم اعزاء جدا جدا...
قلت: ومتي ستلتقيهم؟
قال: والله اتمني في كل لحظه السفر اليهم ولكن المسافه بعيده جدا........
قلت: واين سكانهم؟
قال: اخر لقائي بها كان في امريكا قبل ثلاث سنوات ولكننا افترقنا فلم نكن نلتقي الا في المنام او الاحلام.......
قلت: ايها العاشق اخبرني بقصه عشقك ان لم يكن في ذلك تدخل شخصي في حياتك.....
قال: وبابتسامه صغيره: لا ابدا .....ليس هناك بيني وبين ياسمين ايه اسرار بل وستكون سعيده حسب ظني بها لو انني قصصت عليك قصه حبنا الكبير ولكن دعني اصحح لك معلومه صغيره وهي ان ياسمين ابنتي التي كانت تبلغ من العمر عشر سنوات......ففوجئت بالمعلومه.....ثم استطرد قائلا:هل تحب ان تسمع قصه حبنا الكبير؟
قلت متحمسا نعم وبكل شوق
قال:عشت في الدمام عشر سنين ورزقت بابنه واحده اسميتها ياسمين وكان قد ولد لي من قبلها ابن واحد اسميته احمد وكان يكبرها بثمان سنين وكنت اعمل هنا في مهنه هندسيه .........فانا مهندس وحائز علي درجه الدكتوراه .......
كانت ياسمين ايه من الجمال لها وجه نوراني وملائكي زاهر ومع بلوغها التاسعه من عمرها رايتها من تلقاء نفسها تلبس الحجاب ....وتصلي........وتواظب علي قراءة القرآن بصورة ملفته للنظر ....
فكانت ما ان تنتهي من اداء واجباتها المدرسيه حتي تقوم علي الفور وتفترش سجاده صلاتها الصغيره .....وتاخذ بقرأنها وهي ترتله ترتيلا طفوليا ساحرا
فكنت اقول لها :قومي العبي مع صديقاتك
فكانت تقول:صديقي هو قرأني وصديقي هو ربي ونعم الصديق ..ثم تواصل قراءه القرأن
وذات يوم اشتكت من الم في بطنها عند النوم
فاخذتها الي المستوصف القريب ....فاعطاها بعض المسكنات فتهدا الامها ليومين........ثم تعاودها......وهكذا تكررت الحاله
ولم اعط الامر حينها اي جديه وفتحت الشركه التي اعمل بها فرعا في الولايات المتحده الامريكيه وعرضوا علي منصب المدير العام هناك فوافقت ولم ينقضي شهر واحد حتي كنا في احضان امريكا مع زوجتي واحمد وياسمين......
ولا استطيع وصف سعادتنا بتلك الفرصه الذهبيه والسفر للعيش في امريكا......
بعد مضي قرابه الشهرين علي وصولنا الي امريكا عاودت الالام ياسمين فاخذتها الي دكتور باطني متخصص فقام بفحصها وقال: ستظهر النتائج بعد اسبوع ولا داعي للقلق ..ادخل كلام الطبيب الاطمئنان الي قلبي .....وسرعان ما حجزت لنا مقاعد علي اقرب رحله الي مدينه الالعاب "اور لاند" وقضينا وقتا ممتعا مع ياسمين بين الالعاب والتنزه هنا وهناك وبينما نحن في متعه المرح رن صوت هاتفي النقال......فوقع قلبي ....لا احد في امريكا يعرف رقمي ......عجبا اكيد الرقم خطأ...فترددت في الاجابه ........واخيرا ضغطت علي زر الاجابه :آلو من المتحدث؟ اهلا يا حضره المهندس ...معذره علي الازعاج فانا الدكتور ستيفن ...طبيب ياسمين هل يمكنني لقاؤك في عيادتي غدا ؟
وهل هناك ما يقلق في النتائج ؟في الواقع نعم ...لذا اود رؤيه ياسمين وطرح عددا من الاسئله قبل التشخيص النهائي
حسنا سنكون عصر غد عند الخامسه في عيادتك الي اللقاء
اختلطت المخاوف والافكار في راسي ولم ادر كيف اتصرف فقد بقي في برنامج الرحله يومين وياسمين في غايه السعاده لانها المرة الاولي التي تخرج فيها للتنزه منذ وصولنا لامريكا
واخيرا اخبرتهم بان الشركه تلريد حضوري غدا الي العمل لطاريء ما وهي فرصه جيده لمتابعه تحاليل ياسمين فوافقوا جميعا علي العودة بشرط ان نرجع الي "اورلاند" في العطله الصيفيه وفي العياده استهل الدكتور ستيفين حديثه لياسمين بقوله :مرحبا ياسمين كيف حالك؟
جيده ولله الحمد ولكني احس بالام وضعف لا ادري مم؟
وبدأ الدكتور يطرح الاسئله الكثيره واخيرا طأطأ رأسه وقال لي :تفضل في الغرفه الاخري وفي الحجره انزل الدكتور علي راسي صاعقه تمنيت عندها لو ان الارض انشقت وبلعتني قال الدكتور: منذ متي وياسمين تعاني من المرض؟
قلت:منذ سنه تقريبا وكنا نستعمل المهدئات وتتعافي..
فقال الطبيب :ولكن مرضها لايتعافي بالمهدئات انها مصابه بسرطان الدم في مراحله الاخيره جدا ولم يبق لها من العمر الا سته اشهر وقبل مجيئكم تم عرض التحاليل علي اعضاء لجنه مرضي السرطان في المنطقه واقروا جميعا بذلك من واقع التحاليل فلم اتمالك نفسي وانخرطت في البكاء وقلت:مسكينه والله مسكينه ياسمين هذه الوردة الجميله كيف ستموت وترحل عن الدنيا وسمعت زوجتي صوت بكائي فدخلت ولما علمت اغمي علها وهنا دخلت ياسمين وابني احمدوعندما علم احمد بالخبر احتضن اخته وقال :مستحيل ان تموت ياسمين
فقالت ياسمين ببرأتها المعهوده :اموت يعني ماذا اموت فتلعثم الجميع من هذا السؤال
فقال الطبيب يعني سترحلين الي الله فقالت ياسمين حقا سارحل الي الله ؟ وهل الله سيء الرحيل ؟ الم تعلماني ياوالداي بان الله افضل من الوالدين والناس وكل الدنيا؟وهل رحيلي الي الله يجعلك تبكي يا ابي وامي يغمي عليه
فوقع كلامها البريء الشفاف مثل صاعقه اخرى..........فياسمين تري في الموت رحله شيقه فيها لقاء مع الحبيب ........
وماذا ترى انت في لقائه