اليوم أتقبل التعازي بوالدي الحبيب...
مات أبي..هكذا فجأة..اختطفه الموت من بيننا دون سابق إنذار..
لم يكن به أي علة’كان يتمتع بصحة جيدة...وإقباله على الحياة
كان أكثر من إقبال الشباب عليها..يجمع المال ويخطط للمستقبل
وكأنه يبدأ حياته من جديد...
بالأمس باع فلذة كبده لعجوز فى الستين وجرها لبيته جرابعد أن
أوثقها بقيد الزواج...تلك هي أنا..آه ياأبي!!ماذا أخذت معك وماذا
تركت لي؟؟ لم تأخذ معك المال ولم تترك لي حياتي ...
لتعلم ياأبي أنه لا فرق الآن بيني وبينك سوى أنك ترقد فى قبر سفلي
أما أنا فأرقد فى قبر يعلو التراب بطبقات وطبقات..!!
قبر يسمونه قصرا..! ذلك القصر الذي طالما وصفته لي قبل أن أراه
وصفت جدرانه وأثاثه وزخرفه وأنواره التي تخطف ببريقها الأبصار
قلت لي ان أترابي سيحسدنني عليه وعلى صاحبه الذي رغم أنه
تجاوز الستين إلا أنه يبدو فى العشرين..!
هذا طبعا من وجهة نظرك!! لكنك صدقت فى كلمة واحدة..
حين قلت بأني سأحسد عليه..فى الحقيقة لم أكن أنا المحسودة
بل أنت يا أبي..!! حسدك آباء مثلك تمنوا صهرك لبناتهم..
وتمنوا المال الذي قبضته ثمنا لي ووضعته فى خزانتك أن يكون
خزائنهم..
أثناء العزاء كانت النسوة يرثين لحالي...يحاولن مواساتي
بمصابي الأليم..سمعت إحداهن تحادث امرأة بجانبها وتقول:
- مسكينة..فقدت والدها وهي ماتزال عروسا...حسدوها!!
فتجيبها الأخرى: غدا تنسيها أموال زوجها مصابها..سمعت
أنه سيأخذها فى رحلة لقضاء شهر العسل فى أوروبا..
فترد الأولى: صدقت غدا تنسى والدها الذي كان سببا في نعيمها!!
نعيم..!!! يالسخرية الزمن..أصبح الجحيم فى عرفهم نعيما!!
صدق القائل: ياويحهم حتى على الموت حسدوني!!
الغريب فى الأمر أن الناس مجمعون على نعيمي وسعادتي فهل أنا
عمياء عن تلك السعادة؟ أين هى؟ لما لا أحسها؟!
أتخيل ردك ياأبي..أسمع صوتك تنعتني بالحمقاء التي لا تعرف
صالحها... كثيرة هى الأيام التي سمعت فيها هذا اللقب منك
والذي أصبح بديلا عن اسمي فيما بعد...
لن أنسى صوت قهقهتك فى ذلك اليوم الذي جاء فيه ابن خالتي
طالبا يدي...كانت فرحتي غامرة فمجيء الخطاب يرضي غروري
كأنثى..فكيف إذا كان الخاطب شاب تحلم به أي فتاة،،،يومها
سألتك أمي عن سبب ضحكك؟؟ فقلت لها والسخرية تملأ نبرات صوت:
- تصوري! ابن أختك أحمد ذلك الصعلوك الذي لايملك سوى ورقة مختومة من الجامعة تفيد بأنه أصبح مهندسا فى البترول والمعادن جاء طالبا يد
نهى..!!!! يظن بنات الناس لعبة..!!
آه..صدقت ياأبي فبنات الناس لسن لعبة..فاللعبة رخيصة يمكنها يمكن
اقتناؤها بأقل ثمن..أما أنا فأساوي وزني ذهبا...ولا يستطيع دفع ثمني
شاب فى مقتبل عمره...لا يستطيع دفع ثمني إلا شيخ قد أكل عليه الدهر وشرب.....آه يا أبي.. لم ترحم ضعفي ...توسلاتي ذهبت أدراج الرياح
حاولت أن أوقظ فيك أبوتك...ارتميت تحت قدميك تحت قدميك أقبلها
رجوتك أن تقتلني ولا تقذف بي إليه..أتعلم ياأبي أن الآباء فى الجاهلية
كانوا أكثر رحمة ببناتهم منك؟؟! أجل...كانوا أرحم بهن فهم يئدونهن
فى المهد قبل أن يعين الحياة،،يقتلن مرة واحدة، أما أنا فقد قتلتني
ألف ألف مرة...
قتلتني يوم أن دفنتني حية مع عجوز ولى زمانه وأراد أن يستعيد بشبابي
شبابه البائد.. وكأنه يقول للموت ابتعد عني فما زلت شابا..عريسا
أمتلك الشباب والجمال....
كيف بربك يجتمع الربيع والخريف...؟؟كيف تجتمع الأزهار الندية
مع جذوع خاوية؟؟؟!!!
ترى..؟ هل أنت نادم الآن؟ أنا واثقة من ذلك.. لأنك بين يدي عادل يمقت الظلم... أتمنى أن يغفر الله لك ياأبي...سامحك الله ينبض بها قلبي قبل أن
يلفظها لساني......وهل أملك غير هذا...فأنت أبي وإن كنت قذفت بي إلى النار بيديك...إلا أن نار الدنيا أخف بكثير من نار الآخرة التي أدعو ألا تمسك..
أتمنى ألا يحاسبك الله بسببي...
ثق ياأبي أنني منذ اليوم سأنفض التراب عن جسدي...سأحطم قيودي..
سأقول لا لا لا لن أرضخ أبدا...
ذلك الما ل الذي قبضته ثمنا لي وعاجلك الموت قبل أن تخرج منه
قرشا واحدا...سأعيده لصاحبه وأطلب حريتي....
سأحظى بلقب (مطلقة)...ياله من لقب تشع من حروفه أنوار الحرية!!!
لأول مرة أتفحص حروف هذا اللقب وأنا ابنة اللغة العربية وأعرف
أنه مشتق من الإنطلاق...!!
سأصرخ بأعلى صوتي هذا اللقب الذي تخشاه النساء أنا فخورة به...
كيف لا وهو شهادة ميلادي...اليوم سأودع قبري..أقصد قصر من كان
زوجي.. سأنطلق مع السحاب وأنزل مع المطر لأزرع بيدي الورود..
لن أسمح لأحد بقطفها وغرسها في أرض بور الورد بها يموت...
لن تحد فرحتي حدود ولن أسمح لأحد بوأد سعادتي...
قال لي من كان زوجي: اذهبي..اخرجي من بيتي كما جئت بثوبك الذي
تلبسينه..لا تحملي معك أي شيء وأريني كيف ستعتادين الحياة بدون
أموالي...أما أنا فخلال أسبوع واحد سيكون في بيتي أصغر منك وأجمل..
وفعلا نفذ ذلك الشيخ المتصابي وعيده...
أحضرها وردة صفراء قضت الأطماع على أحلامها..نظراتها حائرة
تدور في الفضاء...وكأنها لا تعلم من أين أتت ولا أين يذهب بها؟؟؟
صغيرة جدا على هذا المصير..ماتزال فى الخامسة عشر ولكن ألبست
أحزان ثكلى فى التسعين...اختطفت براءتها وابتسامتها فقط لإرضاء نزوة وإشباع طمع....
كانت تسيربغير هدى...امتزج الحزن والألم والدهشة فى ملامحها
وبين شفتيها سؤال حائر:: ما ذنبي..؟؟؟؟!!!
فأجابها نبض قلبي.:
لا ذنب...... سوى أنك ولدت أنثى!!!!
أخي شقاوة:
أشكر لك مرورك
لكن ما قرأته لا علاقة له بحياتي الخاصة
انها مجرد قصة قصيرة رسمها خيالي....
ولا يمكن لإنسان أن يعرض تفاصيل حياته على الملأ
حتى تحت اسم مستعار...ألست معي فى هذا؟؟؟