تري: ما الذي يمكن أن يحدث إذا عاد صدام حسين إلي موقعه الشرعي رئيسا لجمهورية العراق؟!
هذا السؤال لا يدخل في باب الأماني التي تراود بعض العرب والعراقيين، ولكنه واحد من احتمالات قليلة مطروحة في أوساط عربية وغربية تحاول التوصل إلي السيناريو الأفضل لمستقبل العراق. والاحتمال في ذاته ليس جديدا، فقد سبق لصدام حسين أن تحدث من خلال الخطابات الصوتية التي وجهها للشعب العراقي قبل اعتقاله في ديسمبر الماضي، عن الخطوات المقرر اتخاذها بمجرد عودة النظام الشرعي إلي الحكم، كما سبق لجبهة المقاومة والتحرير العراقية التي تمثل القوة الاساسية في مواجهة الاحتلال الأمريكي أن جزمت بتحقيقه فور تحرير العراق. الجديد في الأمر هو قيام مسئول أمريكي سابق، ومن المحسوبين علي تيار اليمين الحاكم حاليا، بالدعوة الي ترجمة هذا الاحتمال عمليا، وإعادة صدام حسين إلي السلطة في أسرع وقت.
وقد عدد جيمس بنكرتون المستشار السابق للرئيسين رونالد ريجان وبوش الأب الدواعي التي تجعل من عودة صدام عملا واجبا، فالعراق يحتاج علي حد قوله إلي 'رئيس قوي وجاد وقادر علي استعادة الأمن والنظام'، 'صدام حسين هو أكثر العراقيين المؤهلين للمنصب'. زيادة علي ذلك قام بنكرتون بوضع تصور لما يمكن أن تكون عليه علاقة واشنطن مع الرئيس العائد موضحا أن 'ثمن العودة سيكون كبيرا وغاليا، لكننا قادرون علي تأسيس علاقة قوية معه، مثلما كان الحال قبل حرب الخليج'، ملمحا بذلك الي الدور الذي لعبته ادارة ريجان في دعم العراق أثناء حربه مع ايران. وقد استطرد المسئول الأمريكي السابق ليقول إن 'وجود دونالد رامسفيلد والذي كان وزيرا للدفاع في ادارة ريجان، في الموقع نفسه داخل الادارة الحالية سيساعد كثيرا علي تنفيذ هذا التصور'.
ومما يلفت النظر فضلا عن وزن المسئول السابق، وعلاقته بالادارة الحالية أن هذا الاقتراح نشر في مجلة امريكان كرنسيرفتف أمريكا المحافظة، وهي مجلة كما يشي اسمها تعبر عن التيار الأمريكي المحافظ، الأمر الذي يؤكد ان الموضوع بات مطروحا في الاوساط القريبة، والمؤثرة علي مركز صنع القرار، وما يزيد المعني وضوحا أن تلك الأوساط ظلت وحتي وقت قريب لا تقيم وزنا للمقاومة العراقية، وتعتبرها مجرد فلول تابعة للنظام السابق، ورافضة لما تطلق عليه 'الديمقراطية' التي تتولي الولايات المتحدة اقامتها في العراق.
وعلي ما يذكر الجميع فإن التيار الأمريكي المحافظ كان الأكثر سعادة باعتقال الرئيس صدام حسين إلا أن تنامي أعمال المقاومة وزيادة معدل الخسائر الأمريكية إلي جانب اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية دفعت الأمور باتجاه آخر، وهو البحث عن مخرج من العراق الذي تحول من بلد 'محرر' إلي 'مستنقع' لأقوي جيوش العالم. ومن المتوقع أن تتزايد قوة هذا الاتجاه في الفترة المقبلة سيما اعلان عدد من الدول الحليفة عن رغبتها في سحب قواتها من العراق استجابة لمطالب الرأي العام داخلها، وخوفا من تعرضها لانتكاسات انتخابية كتلك التي أطاحت برئيس الوزراء الاسباني خوزيه ماريا أزنار من منصبه.
ومن المهم في هذا السياق التأكيد علي أن احتمال عودة صدام للحكم عن طريق الاحتلال قد قوبل برفض صريح من قبل المقاومة العراقية عموما، وحزب البعث علي وجه الخصوص. حيث رأت المقاومة أن مسألة حكم العراق سيتم حسمها بعد خروج المحتل وليس بارادته، في حين أكد البعث أنه يرفض من حيث المبدأ أية مفاوضات مع الادارة الأمريكية حول عودة النظام الشرعي إلي السلطة، معتبرة ان هدف واشنطن من طرح هذه الفكرة هو شق صفوف المقاومة ومنح الرئيس بوش الفرصة للخروج من المأزق الذي أوقع نفسه فيه.
وغني عن الذكر أن الولايات المتحدة قد لجأت إلي سيناريو مشابه بعد احتلالها لليابان في عام 1945، ذلك أنها أعلنت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية واقرار الامبراطور الياباني بالهزيمة عن احالة كبار الوزراء والعسكريين اليابانيين إلي محاكم مجرمي الحرب التي عاقبتهم بأحكام قاسية، غير أن الأمور تغيرت لاحقا، فاضطرت الي اعادة هؤلاء جميعا الي السلطة بهدف توظيفهم في مواجهة المد الشيوعي في جنوب شرق آسيا من جهة، ولضمان سيطرتها علي الداخل الياباني من جهة ثانية. ساعدها علي ذلك أن اليابانيين أنفسهم كانوا علي استعداد لقبول هذا التحول تأثرا بشعورهم الطاغي بالانسحاق أمام القوة الأمريكية، وهي حالة غير موجودة بين العراقيين الذين يملكون خيارات عديدة، منها بالطبع اعادة صدام حسين إلي موقعه كرئيس للجمهورية، بشرط أن يتم ذلك بارادتهم، وبعد طرد المحتل.
شبكة البصرة
الاثنين 21 ربيع الثاني 1426 / 30 آيار 2005
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس