العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام العامة ]:::::+ > ۞ مكتبة الــوٍد الإسلامية ۞
 
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 27-03-2008, 01:15 AM   رقم المشاركة : 1
king-abdullah
( ود فعّال )
 
الصورة الرمزية king-abdullah
 





king-abdullah غير متصل

اعشقك واموت فيك !!!!!!

الحمد الله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن العشق مسلكٌ خَطِر، وموْطِئٌ زَلِقٌ، وبَحْرٌ لُجِّيٌّ.
وعالم العشاق مليء بالآلام والآمال، محفوف بالمخاطر والأهوال.
وأهل العشق يعانون من ويلاته، ويلاقون العناء من مراراته; ذلك أن العشق داءٌ دويٌّ، تذوب معه الأرواح، ولا يقع معه الارتياح; فمن ركب بحره، وتلاعبت به أمواجه كان إلى الهلاك أدنى منه إلى السلامة.
هذا وإن البلاء بهذا الداء قدْ عمَّ وطم; ذلك أن محركاته كثيرة، والدواعي إليه متنوعة متشعبة; فلا غرو أن يكثر ضحاياه، والمبتلون به; فحق علينا_إذاً_أن نرحم أهل هذا البلاء، ومن الرحمة بهم إراءتُهم هذا البلاءَ على حقيقته، والبحث في سبل علاجه والوقاية منه.
وليس من الرحمة بهم أن نذكي نيران عشقهم بذكر أخبار العشاق، وتصويرهم على أنهم أبطال; فنحرك بذلك الكامن، ونبعث كل ساكن; بدعوى تسلية العشاق، وتزجية فراغهم، والتوسعة عليهم.
فليس هذا من الرحمة; فأي رحمة ترجى وهي على حساب زيادة البلاء?
فمن بلاء المريض رِفْقُ الطبيب به، وترك علاجه; خوفاً من تكديره وإزعاجه.
إن رفقَ الطبيبِ على هذا النحو خيانة لِفنِّه، وقدح في أمانته، وزيادة في البلاء على مريضه.
وما خير رفقِ ساعةٍ يتجرع المريض بسببه آلام السنين ?!
ثم إن الغالب على من يتكلمون على الحب أنهم يحصرونه في زاوية ضيقة هي أضيق معاني الحب، ويغيب عن بالهم مفهوم الحب الواسع كما سيأتي في الصفحات التالية.
فهذا ما استثار الهمة، وأخذ برأس القلم يجره إلى الكتابة في هذا الباب، والله المستعان، وعليه التكلان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
محمد بن إبراهيم الحمد
الزلفي
الرمز البريدي 11932 ص.ب: 460
www.toislam.net

قال ابن فارس×في مادة عشق: =العين، والشين، والقاف أصل صحيح يدل على تجاوز حدِّ المحبة.
تقول: عَشِقَ يَعْشَق، عِشْقاً وعَشَقاً+(1).
وقال ابن منظور×: =العشق فرط الحب، وقيل: هو عُجْبُ المحبِّ بالمحبوب يكون في عفاف الحبِّ، ودعارته، عَشِقه يَعْشَقه عِشْقاً، وعَشَقاً، وتعشَّقه.
وقيل: التَّعَشُّقُ تكلُّف العشق، وقيل: العِشْق الاسم، والعَشَق المصدر+(2).
وقال: =ورجل عاشق من قوم عُشَّاق، وعِشِّيق مثال فسِّيق كثير العِشق، وامرأة عاشق بغير هاء وعاشقة.
والعَشَقُ، والعسق بالشين، والسين المهملة: اللزوم للشيء لا يفارقه.
ولذلك قيل لِلْكَلِف: عاشق; للزوم هواه+(3).
وقال: =وسئل أبو العباس أحمد بن يحيى عن الحب والعشق أيهما أحمد?
فقال: الحبُّ; لأن العشق فيه إفراط، وسمي العاشق عاشقاً لأنه يذبل من شدة الهوى كما تذبل العَشَقَةُ إذا قطعت.
والعَشَقَةُ شجرة تَخْضَرُّ، ثم تَدِقُّ، وتَصْفَرُّ+(4).
وقال ابن عبد البر×: =سئل بعض الحكماء عن العشق، فقال: شغل قلب فارغ+(5).
وقال أفلاطون: =العشق حركة النفس الفارغة+(6).
وقال أرسطو: =العشق جهل عارض صادف قلباً خالياً لا شغل له من تجارة، ولا صناعة+(7).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية×: =قيل: العشق هو فساد الإدراك، والتخيل، والمعرفة; فإن العاشق يُخَيَّل له المعشوق على خلاف ما هو به حتى يصيبَه ما يصيبُه من داء العشق+(8).

هناك أسماء عديدة ترادف العشق، وتدل عليه، ويعبر بها عنه، وإن كان هناك فروق دقيقة يختص بها كل اسم على حدة.
وقد ذكر ابن القيم×في كتابه روضة المحبين خمسين اسماً للعشق، وهي:
=المحبة، والعلاقة، والهوى، والصَّبْوة، والصبابة، والشَّغف، والمِقَة، والوَجْد، والكَلَف، والتَّتَيُّم، والعِشْق، والجوى، والدَّنَف، والشَّجو، والشَّوق، والخلابة، والبلابل، والتباريح، والسَّدم، والغَمرات، والوَهَل، والشَّجَن، واللاعج، والاكتئاب، والوصب، والحُزْن، والكَمَد، واللَّذْع، والحُرَق، والسُّهْد، والأرَق، واللَّهف، والحنين، والاستكانة، والتَّبالة، واللوعة، والفُتون، والجُنون، واللَّمم، والخَبل، والرَّسيس، والداء المخامر، والود، والخُلَّة، والخِلْم، والغرام، والهُيام، والتّدْليه، والوَله، والتَّعَبُّد+(9).
ثم شرع×في شرح كل اسم على حدة(10).
ولما وصل إلى اسم العشق، قال: =وأما العشق فهو أمرُّ هذه الأسماء، وأخبثها، وقلَّما ولعت به العرب، وكأنهم ستروا اسمه وكَنَّوا عنه بهذه الأسماء، فلم يكادوا يفصحون به، ولا تكاد تجده في شعرهم القديم، وإنما أولع به المتأخرون، ولم يقع هذا اللفظ في القرآن، ولا في السنة إلا في حديث سويد بن سعيد(11)+(12).
العشق يقع بين طرفين: عاشقٍ ومعشوق، وقد يكون كلُّ واحدٍ منهما عاشقاً لصاحبه، وقد يكون العشق من أحد الطرفين دون الآخر.
وأنواع العشق التي تقع لا تكاد تخرج عن أربعة أنواع وهي:
1_عشق الرجال للنساء: وهذا هو الأعم، والأغلب، وإذا ذكر العشق انصرف إلى هذا النوع.
2_عشق النساء للرجال: وهذا النوع يقع، ولكنه دون الأول; إذ النساء وصفهن الحياء، والتخفُّر، والتمنُّع.
3_عشق الرجال للرجال: وهذا يقع كثيراً، ولكنه شذوذ، وانحراف، وارتكاس، كحال من يَتَعَشَّق المردان، ويتعلق بهم.
4_عشق النساء للنساء: وهذا لم يكن يعرف في السابق إلا على وجه الندرة النادرة، ولكنه شاع، وانتشر في هذا العصر الذي فتحت فيه الأبواب على مصاريعها; فأصحبتَ تسمع أن هذه الفتاة تعلقت بزميلتها وعشقتها، وتلك أخرى قد هامت بمعلمتها وشغفت بها، وثالثة متيمة بتلميذتها مستهامة بها، وهكذا دواليك.
فتجد الواحدة تَكْلَف بمن تحبها غايةَ الكلَف، وتراعيها أشد المراعاة، وتتمنى الظفر منها بابتسامة، أو نظرة، أو محادثة.
وتجدها تؤمل بالحصول على هدية منها، أو تتمنى لو ظفرت بشيء من مقتنياتها، بل ربما تعمدت الجلوس في مكانها إذا قامت منه، وتسارع إلى المرور في الطريق الذي مرّت به.
والأخبار والوقائع في هذا الباب يطول ذكرها، ويصعب حصرها.
والحديث في هذا الكتاب يتناول هذه الأنواع كلها.

العشق مسلك خطر، وموطئ زلق، غوائله لا تؤمن، وضحاياه لا تحصى، وأضراره لا يحاط بها.
وأهل العشق من أشقى الناس، وأذلِّهم، وأشغلهم، وأبعدهم عن ربهم.
قال ابن تيمية×: =فإن الذي يورثه العشق من نقص العقل والعلم، وفساد الدين والخلق، والاشتغال عن مصالح الدين والدنيا أضعاف ما يتضمنه من جنس المحمود.
وأصدقُ شاهدٍ على ذلك ما يعرف من أحوال الأمم، وسماع أخبار الناس في ذلك; فهو يغني عن معاينة ذلك وتجربته، ومن جرب ذلك أو عاينه اعتبر بما فيه كفاية; فلم يوجد قط عشق إلا وضرره أعظم من منفعته+(13).
وقال×: =وهؤلاء عشاق الصور من أعظم الناس عذاباً، وأقلهم ثواباً، فإن العاشق لصورة إذا بقي قلبه متعلقاً بها مستعبداً لها اجتمع له من أنواع الشر والفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد، ولو سلم من فعل الفاحشة الكبرى; فدوام تعلق القلب بها أشد ضرراً عليه ممن يفعل ذنباً ثم يتوب، ويزول أثره من قلبه.
وهؤلاء يُشَبَّهون بالسكارى والمجانين كما قيل:
سكْران: سُكْرُ هوىً وسُكر مدامةٍ
ومتى إفاقةُ مَنْ به سكران
وقيل:
قالو: جننت بمن تهوى فقلت لهم:
العشق أعظم مما بالمجانين
العشق لا يستفيق الدهر صاحبه
وإنما يصرع المجنون في حين(14)
وقال×متحدثاً عن حقيقة العشق:=قيل: العشق هو فساد الإدراك، والتخيل والمعرفة; فإن العاشق يخيل له المعشوق على خلاف ما هو به، حتى يصيبه ما يصيبه من داء العشق.
ولو أدركه على الوجه الصحيح لم يبلغ إلى حد العشق وإن حصل له محبة وعلاقة+(15).
وقال: =وقيل: إن العشق هو الإفراط في الحب حتى يزيد على القصد الواجب; فإذا أفرط فيه كان مذموماً فاسداً مفسداً للقلب والجسم+(16).
ولقد تظاهرت أقوال أهل العلم، والشعراء، والأدباء، ومَنْ وقعوا في العشق في بيان خطورته، وعظيم ضرره.
=قالوا: وإذا اقتحم العبد بحر العشق، ولعبت به أمواجه_فهو إلى الهلاك أدنى منه إلى السلامة+(17).
وقال بعض الحكماء: =الجنون فنون، والعشق من فنونه+(18).
وقالوا: وكم من عاشق أتلف في معشوقه ماله، وعرضه، ونفسه، وضَيَّع أهله، ومصالحَ دينِه ودنياه+(19).
وقالوا: =والعشق هو الداء الدوي الذي تذوب معه الأرواح، ولا يقع مع الارتياح، بل هو بحر من ركبه غرق; فإنه لا ساحل له، ولا نجاة منه+(20).
* قال أحدهم:
العشق مشغلةٌ عن كل صالحةٍ
وسكرةُ العشق تنفي لذة الوسنِ(21)
* وقال أبو تمام:
أما الهوى فهو العذاب فإن جرت
فيه النوى فأليم كل عذاب(22)
* وقال ابن أبي حصينة مبيناً ضرر العشق، غابطاً مَنْ لم يقع في أشراكه:
والعشق يجتذب النفوس إلى الردى
بالطبع واحسدي لمن لم يعشق(23)
* وقال عبد المحسن الصوري:
ما الحب إلا مسلك خطر
عسر النجاة وموطئٌ زَلَقُ(24)
قالوا: =والعشق يترك الملك مملوكاً، والسلطان عبداً+(25).
إن الله نجاني من الحب لم أعُدْ
إليه ولم أقبل مقالة عاذلي
وممن لي بمنجاةٍ من الحب بعد
رمتني دواعي الحبِّ بين الحبائل(26)
قالوا: =ورأينا الداخل فيه يتمنى منه الخلاص، ولات حين مناص+.
قال الخرائطي: أنشدني أبو جعفر العبدي:
وقال منصور النمري:
وإن امرءاً أودى الغرام بُلُبِّه
لعريان من ثوب الفلاح سليبُ(27)
قال ابن القيم×مبيناً خطر العشق على الدين: =ومحبة الصور المحرمة وعشقها من موجبات الشرك، وكلما كان العبد أقرب إلى الشرك، وأبعد من الإخلاص كانت محبته بعشق الصور أشد.
وكلما كان أكثر إخلاصاً، وأشدّ توحيداً كان أبعد من عشق الصور.
ولهذا أصاب امرأة العزيز ما أصابها من العشق; لشركها، ونجا منه يوسف الصديق _عليه السلام_ بإخلاصه.
قال_تعالى _: [ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ] (يوسف: 24).
فالسوء: العشق، والفحشاء: الزنا; فالمخلص قد خَلُص حُبُّه الله، فخلَّصه الله من فتنة عشق الصور، والمشرك قلبه متعلق بغير الله، فلم يخلص توحيده وحبه الله_عز وجل_+(28).
وقال×في موضع آخر: =وهذا داء أعيا الأطباء دواؤه، وعزَّ عليهم شفاؤه، وهو_لعمر الله_الداء العضال، والسم القتال الذي ما علق بقلب إلا وعزَّ على الورى استنقاذه من إساره، ولا اشتعلت ناره إلا وصعب على الخلق تخليصه من ناره.
وهو أقسام; تارة يكون كفراً، كمن اتخذ معشوقه ندَّاً يحبه كما يحب الله; فكيف إذا كانت محبته أعظم من محبة الله في قلبه? فهذا عشق لا يغفر لصاحبه; فإنه من أعظم الشرك، والله لا يغفر أن يشرك به، وإنما يغفر بالتوبة الماحية ما دون ذلك.
وعلامة العشق الشركي الكفري أن يقدم رضا معشوقه على رضا ربه، وإذا تعارض عنده حقُّ معشوقه، وحظُّه، وحقُّ ربه وطاعتُه_قدَّم حقَّ معشوقه على حقِّ ربه، وآثر رضاه على رضاه، وبذل لمعشوقه أنفس ما يقدر عليه، وبذل لربه_إن بذل_أردأ ما عنده، واستفرغ وسعه في مرضاة معشوقه وطاعته والتقرب إليه، وجعل لربه_إن أطاعه_الفضْلَة التي تفْضُل عن معشوقه من ساعاته; فتأمل حال أكثر عشاق الصور تجدها مطابقة لذلك، ثم ضع حالهم في كفة، وتوحيدهم وإيمانهم في كفة، ثم زن وزناً يرضي الله ورسوله ويطابق العدل+(29).
وقال×متحدثاً عن أضرار العشق: =قالوا: وكم أكبَّت فتنة العشق رؤوساً على مناخرها في الجحيم، وأسلمتهم إلى مقاساة العذاب الأليم، وجرعتهم بين أطباق النار كؤوس الحميم، وكم أخرجت من شاء الله من العلم والدين كخروج الشعرة من العجين، وكم أزالت من نعمة، وأحلَّت من نقمة، وكم أنزلت من معْقل عزِّهِ عزيزاً فإذا هو في الأذلين، ووضعت من شريف رفيع القدر والمنصب فإذا هو في أسفل سافلين، وكم كشفت من عورة، وأحدثت من روعة، وأعقبت من ألم، وأحلّت من ندم، وكم أضرمت من نار حسرات أحرقت فيها الأكباد، وأذهبت قدراً كان للعبد عند الله وفي قلوب العباد، وكم جلبت من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء; فقلَّ أن يفارقها زوال نعمة، أو فجاءة نقمة، أو تحويل عافية، أو طُروق بلية، أو حدوث رزية; فلو سألت النِّعم ما الذي أزالك? والنِّقم ما الذي أدالك? والهمومَ والأحزان ما الذي جلبك? والعافية ما الذي أبعدك وجنَّبك? والستر ما الذي كشفك? والوجه ما الذي أذهب نورك وكسفك? والحياة ما الذي كدَّرك? وشمس الإيمان ما الذي كوَّرك? وعزة النفس ما الذي أذلَّك? وبالهوان بعد الإكرام بدَّلك_لأجابتك بلسان الحال اعتباراً إن لم تجب بالمقال حواراً.
هذه_والله_بعض جنايات العشق على أصحابه لو كانوا يعقلون، فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون+(30).
وقال×في موضع آخر متحدثاً عن مكايد الشيطان ومصايده: =ومن مكايده ومصايده ما فتن به عشاق الصور.
وتلك_لعمر الله_الفتنة الكبرى، والبلية العظمى التي استعبدت النفوس لغير خلاَّقها، وملكت القلوب لمن يسومها الهوان من عشاقها، وألقت الحرب بين العشق والتوحيد، ودعت إلى موالاة كل شيطان مريد، فصيَّرت القلب للهوى أسيراً، وجعلته عليه حاكماً وأميراً، فأوسعت القلوب محنة، وملأتها فتنة، وحالت بينها وبين رشدها، وصرفتها عن طريق قصدها، ونادت عليها في سوق الرقيق فباعتها بأبخس الأثمان، وأعاضتها بأخس الحظوظ وأدنى المطالب عن العالي في غرف الجنان، فضلاً عمّا هو فوق ذلك من القرب من الرحمن; فسكنت إلى ذلك المحبوب الخسيس الذي ألَمُها به أضعاف لذتها، ونيلُه والوصول إليه أكبر أسباب مضرتها; فما أوْشَكَهُ حبيباً يستحيل عدواً عن قريب، ويتبرأ منه مُحِبُّه لو أمكنه حتى كأن لم يكن له حبيب، وإن تمتع به في هذه الدار فسوف يجد به أعظم الألم بعد حين لا سيما إذا صار [الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ] إلى أن قال×: =فيا حسرة المحب الذي باع نفسه لغير الحبيب الأول بثمن بخس، وشهوة ذهبت لذتها، وبقيت تبعتها، وانقضت منفعتها، وبقيت مضرتها; فذهبت الشهوة، وبقيت الشقوة، وزالت النشوة، وبقيت الحسرة; فوارحمتاه لصبٍّ جُمع له بين الحسرتين: حسرة فوت المحبوب الأعلى والنعيم المقيم، وحسرة ما يقاسيه من النصب في العذاب الأليم.
فهناك يعلم المخدوع أي بضاعة أضاع، وأن مَنْ كان يملك رقه وقلبه لم يكن يصلح أن يكون له من جملة الخدم والأتباع; فأي مصيبة أعظم من مصيبة مَلِكٍ أُنزل عن سرير ملكه، وجُعل لمن لا يصلح أن يكون مملوكَه أسيراً، وجُعل تحت أوامره ونواهيه مقهوراً? فلو رأيته وهو في يد محبوبه لرأيته:
كعصفورة في كف طفلٍ يسومها
حياض الردى والطفل يلهو ويلعب
ولو شاهدت حاله وعيشه لقلت:
وما في الأرض أشقى من محبٍّ
وإن وجد الهوى حُلْوَ المذاقِ
تراه باكياً في كل حين
مخافةَ فرقةٍ أو لاشتياقِ
فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم
ويبكي إن دنوا حذرَ الفراقِ
ولو شاهدت نومه وراحته لعلمت أن المحبة والمنام تعاهدا أنْ ليس يلتقيان، ولو شاهدت فيض مدامعه، ولهيب النار في أحشائه لقلت:
سبحان ربِّ العرش مُتقنِ صُنْعه
ومؤلِّفِ الأضداد دون تعاند
قطر تولد عن لهيب في الحشا
ماء ونارٌ في محل واحد
ولو شاهدت مسلك الحبِّ في القلب، وتغلغله فيه_لعلمت أن الحب ألطف مسلكاً فيه من الأرواح في أبدانها.
فهل يليق بعاقل أن يبيع هذا الملك المطاع لمن يسومه سوء العذاب? ويوقع بينه وبين وليه ومولاه الحق الذي لا غناء له عنه، ولا بد له منه_أعظم الحجاب?
فالمحب بمن أحبه قتيل، وهو له عبد خاضع ذليل، إن دعاه لَبَّاه، وإن قيل له: ما تتمنى? فهو غاية ما يتمناه، لا يأنس، ولا يسكن إلى سواه; فحقيق به ألا يُمَلِّك رقَّه إلا لأجلِّ حبيب، وألا يبيع نصيبه منه بأبخس نصيب+(31).
ومن الأضرار الناجمة عن العشق_الظلم; =فإن الظلم في هذا الباب من أعظم أنواع الظلم، وربما كان أعظم ضرراً على المعشوق وأهله من ظلمه في ماله; فإنه يعرض المعشوق_بهتكه في عشقه_إلى وقوع الناس فيه، وانقسامهم إلى مصدق ومكذب، وأكثر الناس يصدق في هذا الباب بأدنى شبهة، وإذا قيل: فلان فعل بفلان أو فلانة كذَّبه واحد، وصدقه تسعمائة وتسعة وتسعون+(32).
ومن أنواع الظلم في هذا الباب_أيضاً _: أن في إظهار المبتلى عشقَ مَنْ لا يحل له الاتصال به مِنْ ظلمه وأذاه_ما هو عدوان عليه، وعلى أهله، وتعريضه لتصديق كثيرٍ من الناس ظنونَهم فيه.
فإن استعان عليه بمن يستميله إليه إما برغبة أو رهبة تعدى الظلم، وانتشر، وصار ذلك الواسطة ديُّوثاً ظالماً، وكفى بالدياثة إثماً، فيتساعد العاشق والديوث على ظلم المعشوق، وظلم غيره ممن يتوقف حصول غرضه على ظلمه في نفس، أو مال، أو عِرْض; فكثيراً ما يتوقف المطلوب فيه على قتل نفس تكون حياتُها مانعةً من غرضه، وكم من قتيل أُهدِرَ دَمُهُ بهذا السبب من زوج، وسيد، وقريب، وكم أُفسِدَت امرأة على بعلها; فإذا كان للمعشوق زوج تضاعف الأذى وازداد; فظلم الزوج بإفساد حبيبه، والجناية على فراشه أعظم من ظلمه بأخذ ماله كله; ولهذا يؤذيه ذلك أعظم مما يؤذيه أخذ ماله، ولا يعدل ذلك عنه حتى سفك دمه.
فإن كان ذلك حقَّاً لغازٍ في سبيل الله وُقِفَ له الجاني الفاعل يوم القيامة، وقيل له: =خذ من حسناته+.
كما أخبر بذلك رسول الله_ثم قال رسول الله _:=فما ظنكم?+(33).
أي: فما تظنون يبقي له من حسناته?
فإن انضاف إلى ذلك أن يكون المظلوم جاراً، أو ذا رحم محرَّم_تعدد الظلم، فصار ظلماً مؤكِّداً لقطيعة الرحم، وأذى الجار.
فإن استعان العاشق على وصال معشوقه بشياطين من الجن_إما بسحر، أو استخدام، أو نحو ذلك_ضَمَّ إلى الشركِ والظلمِ كُفْرَ السحر.
فإن لم يفعله هو، ورضي به_كان راضياً بالكفر، غير كاره لحصول مقصده به، وهذا ليس ببعيد عن الكفر.
والمقصود أن التعاون في هذا الباب تعاون على الإثم والعدوان.
وفي العشق من ظلم كل واحد من العاشق والمعشوق لصاحبه بمعاونته على الفاحشة، وظلمه لنفسه_ما فيه، وكل منهما ظالم لنفسه وصاحبه، وظلمهما مُتَعدٍّ إلى غيرهما كما تقدم.
ثم إن المعشوق قد يُعرِّض العاشق للتلف; حيث يطمعه في نفسه، ويتزين له، ويستميله بكل طريق; حتى يستخرج منه ماله، ونفعه.
والعاشق ربما قتل معشوقه; ليشفي نفسه منه، ولا سيما إذا جاد بالوصال لغيره.
فكم للعشق من قتيل من الجانبين، وكم أزال من نعمة، وأفقر من غنى، وأسقط من مرتبة، وشتَّت من شمل.
وكم أفسد من أهل للرجل وولده; فإن المرأة إذا رأت زوجها عاشقاً لغيرها_ربما قادها ذلك إلى اتخاذ معشوق لها; فيصير الرجل متردداً بين خراب بيته بالطلاق وبين أن يرضى بالدياثة والخنا في أهله(34).
يقول ابن حزم×: =وكم مصون الستر، مسبل القناع، مسدول الغطاء، قد كشف الحبُّ ستره، وأباح حريمه، وأهمل حماه، فصار بعد الصيانة عَلَماً، وبعد السكون مثلاً+(35).
ومن الأضرار التي يجرها العشق فاحشتي الزنا إن كان المعشوق امرأة، واللواط إن كان المعشوق رجلاً; فالعشق سبيل إليهما، وكثيرًا ما يقترن بتلك الفاحشتين العظيمتين اللتين لا يخفى ضررهما على دين الإنسان، وعقله، وماله، وخلقه، وصحته.
قال ابن القيم×متحدثاً عن تلك الفاحشتين: =فليس في الذنوب أفسد للقلب، والدين من هاتين الفاحشتين، ولهما خاصِّيَّة في تبيعد القلب من الله; فإنهما من أعظم الخبائث; فإذا انصبغ القلب بهما بَعُد ممن هو طيب، لا يصعد إليه إلا طيب، وكلما ازداد خبثاً ازداد من الله بُعدًا+(36).
وقال×مبيِّناً أضرار اللواط: =فإنه يحدث الهم، والغم، والنفرة عن الفاعل والمفعول.
وأيضاً فإنه يسوِّد الوجه، ويظلم الصدر، ويطمس نور القلب، ويكسو الوجه وحشة تصير عليه كالسيماء يعرفها من له أدنى فراسة.
وأيضاً فإنه يوجب النفرة، والتباغض الشديد، والتقاطع بين الفاعل والمفعول ولا بد.
وأيضاً فإنه يفسد حال الفاعل والمفعول فساداً لا يكاد يرجى بعده صلاح إلا أن يشاء الله بالتوبة النصوح.
وأيضاً فإنه يذهب بالمحاسن منهما، ويكسوهما ضدهما كما يذهب بالمودة بينهما، ويبدلهما بها تباغضاً، وتلاعناً.
وأيضاً فإنه من أكبر زوال النعم، وحلول النِّقَم; فإنه يوجب اللعن، والمقت من الله، وإعراضه عن فاعله، وعدم نظره إليه; فأيُّ خير يرجوه بعد هذا? وأي شرٍّ يأمنه? وكيف حياةُ عبدٍ حلَّت عليه لعنة الله، ومقته، وأعرض عنه بوجهه، ولم ينظر إليه.
وأيضاً فإنه يذهب بالحياء جملة، والحياء هو حياة القلوب; فإذا فقدها القلب استحسن القبيح، واستقبح الحسن، وحينئذ فقد استحكم فساده.
وأيضًا فإنه يُحيل الطباع عمَّا ركَّبها الله، ويخرج الإنسان عن طبعه إلى طبع لم يركِّب الله عليه شيئاً من الحيوان، بل هو طبع منكوس، وإذا نكس الطبع انتكس القلب، والعمل، والهدى، فيستطيب حينئذٍ الخبيث من الأعمال والهيئات، ويفسد حاله، وعمله، وكلامه بغير اختياره.
وأيضاً فإنه يورث من الوقاحة، والجرأة ما لا يورثه سواه.
وأيضاً فإنه يورث من المهانة، والسِّفال، والحقارة ما لا يورثه غيره.
وأيضاً فإنه يكسو العبد من حلة المقت، والبغضاء وازدراء الناس، واحتقارهم إيّاه، واستصغارهم له_ما هو مشاهد بالحس+(37).
ولقد أثبتت الدراسات الطبية الحديثة أن لهذه الفعلة أضراراً كثيرة على نفوس مرتكبيها، وعقولهم، وأبدانهم; فمما تسببه هذه الفعلة القبيحة كثرة الوساوس والأوهام، وربما أصيب صاحبه بمرض الهوس الجنسي الذي يجعل صاحبه الشهواني مشغولاً بتخيلات شهوانية غريزية.
ومن أضرارها التأثير على الأعصاب، والمخ، وأعضاء التناسل، والدوسنتاريا، والتهاب الكبد الفيروسي.
بل كثيراً ما يؤدي إلى أمراض الشذوذ الخطيرة كالزهرى، والسيلان، والهربس، والإيدز، بل هو على رأس الأسباب المؤدية لتلك الأمراض.
وأكثر هذه الأضرار يشترك فيها الزنا مع اللوط.
ثم إن الزنا فساد كبير، وشر مستطير، وله آثاره الكبيرة، وتنجم عنه أضرار كثيرة، سواء على مرتكبيه، أو على الأمة بعامة; فالزنا يجمع خلال الشرِّ كلها من قلة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلة الغيرة، ووأد الفضيلة.
والزنا سبب للفقر، ولذهاب حرمة فاعله، وسقوطه من عين ربه، وأعين عباده.
والزنا يسلب صاحبه اسم البرِّ، والعفيف، والعدل، ويعطيه اسم الفاجر، والفاسق، والزاني، والخائن.
ومن أضرار الزنا الوحشة التي يضعها الله في قلب الزاني، وهي نظير الوحشة التي تعلو وجهه; فالعفيف على وجهه حلاوة، وفي قلبه أنْس، ومن جالسه استأنس به، والزاني بالعكس من ذلك تماماً.
ومن أضراره ضيقة الصدر، وحرجُه; فإن الزناة يعاملون بضد مقاصدهم، فإن من طلب لذة العيش، وطيبه بمعصية الله عاقبه الله بنقيض قصده; فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، ولم يجعل الله معصيته سببًا إلى خير قط.
ولو علم الفاجر ما في العفاف من اللذة، والسرور، وانشراح الصدر، وطيب العيش لرأى أن الذي فاته من اللذة أضعافُ أضعافِ ما حصل له.
والزنا يجرئ على قطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، وكسب الحرام، وظلم الخلق، وإضاعة المال، والأهل، والعيال.
والزنا يذهب بكرامة الفتاة، ويكسوها عاراً لا يقف عندها، بل يتعداها إلى أسرتها; حيث تدخل العار على أهلها، وزوجها، وأقاربها، وتنكِّس به رؤوسهم بين الخلائق.
وإذا حملت المرأة من الزنا، فقتلت ولدها جمعت بين الزنا، والقتل.
وإذا حملته على الزوج أدخلت على أهلها، وأهله أجنبياً ليس منهم، فورثهم، ورآهم، وخلا بهم، وانتسب إليهم، وهو ليس منهم إلى غير ذلك من مفاسد زناها.
والزنا جناية على الولد; فإن الزاني يبذر نطفته على وجه يجعل النسمة المُخَلَّقة منها مقطوعة النسب إلى الآباء.
والنسب معدود من الروابط الداعية إلى التعاون، والتعاضد; فكان الزنا سبباً لوجود الولد عارياً من العواطف التي تربطه بأدنى قربى يأخذون بساعده إذا زلت به نعله، ويتقوى به اعتصابهم عند الحاجة إليه.
كذلك في الزنا جناية على الولد، وتعريض به لأن يعيش وضيعاً بين الأمة، مدحوراً من كل جانب; فإن الناس يستخفون بولد الزنا، وتنكره طباعهم، ولا يرون له من الهيئة الإجتماعية اعتباراً; فما ذنب هذا المسكين? وأي قلب يحتمل أن يتسبب في هذا المصير?
فهذا نزر يسير من أضرار الزنا تلك الجريمة التي يجر إليها العشق.







التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

 

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:11 AM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية