فمن الناس من يغتاب موافقةً لجلسائه وأصحابه وعشائره ، مع علمه أن المغتاب برئ مما يقولون أو فيه بعض ما يقولون ، لكن يرى أنه لو أنكر عليهم لقطع المجلس واستثقله أهل المجلس ونفروا عنه ، فيرى موافقتهم حسن المعاشرة وطيب المصاحبة ، وقد يغضبون فيغضب لغضبهم فيخوض معهم ، ومنهم من يخرج الغيبة في قوالب شتى: تارة في قالب ديانة وصلاح ، فيقول: ليس لي عادة أن أذكر أحداً إلا بخير ، ولا أحب الغيبة ولا الكذب وإنما أخبركم بأحواله ، ويقول: والله إنه مسكين أو رجل جيد ، ولكن فيه كيت و كيت ، وربما يقول دعونا منه ، الله يغفر لنا وله ، وإنما قصده استنقاصه وهضم جنابه.
ومنهم من يخرج الغيبة في قالب التعجب ، فيقول تعجبت من فلان كيف لا يفعل كيت وكيت ، ومن فلان كيف وقع منه كيت وكيت؟ وكيف فعل كيت وكيت ، فيخرج اسمه في معرض تعجبه.
ومنهم من يخرج الاغتمام ، فيقول: مسكين فلان ، غمني ما جرى له وما تم له ، فيظن من سمعه أنه يغتم له ويتأسف ، وقلبه منطوٍ على التشفي به ، ولو قدر لزاد على ما به ، وربما يذكره عند أعدائه ليشمتوا فيه وهذا وغيره من أعظم أمراض القلوب والمخادعات لله ولخلقه....
شيخ الإسلام: ابن تيمية رحمه الله ........
*e