أضواء باهرة تصطدم بعيني... وجوه تركض هنا وهنا... أين المشرط؟ ... أين المخدر؟؟ أين الكمامة؟؟ ... أين الأوكسجين ؟؟.. أطباء وممرضات يتدافعون هنا وهناك وبعضهم يتحلق حولي ... أنا المطروحة في غرفة العمليات
ممرضة تهمس لي بصوت يتصنع الثبات: لا تخافي ... أنها عملية بسيطة جدا... لا تفكري فيما حولكِ... حاولي أن تتذكري أحلى أيام عمركِ
قلت لها بهدوء: ماذا ستفعلون؟؟
قالت : سيقومون بتغيير عدة صمامات في قلبكِ !!!!
قلت : هل سيفتحون قلبي؟؟؟
قالت بدهشة: طبعا
قلت: وأين أخبئه الآن ؟؟ أين أبعده عن العيون؟؟
قالت: من هو؟؟
قلت: أين الطبيب؟؟
نادت عليه فيما هو يرتدي القفازات الطبية... قال وهو يتصنع ابتسامة غطتها سحب القلق : خيرا عزيزتي ؟؟
قلت: أنت ستفتح قلبي !!! ستتجول بين أروقته.. ستطأ أرضه ... وتقتحم جدرانه وغرفه... أدخل بصمت أيها الطبيب ... فأن حبيبي مستوطن داخل قلبي ... لا تفزع حبيبي بمشارطك وأسلحتك... لا تزعجه بطنين أدواتك ... لا تؤلمه بوخز سيوفك وعتادك... ستجده هناك ... وحيد ... يتيم
سامحه أيها الطبيب... لقد عبث هذا الشاب بقلبي ... أحاله إلى ساحة معركة... إلى أشلاء ممزقة ... أتظن أنك ستجد قلبا ؟؟
لا ... لا يا طبيبي .. بل ستجد بقايا قلب... ستجد بقايا عمر... ستجد بقايا انسانة ... لقد مارس شتى صنوف العنف والعدوان على هذا الخافق الضعيف بين الحنايا... ولكن... لن أنهره... لم أعاتبه... سبحان الله... أيعاتب المرء ذاك الهواء الذي يتنفسه؟؟ أيعاتب ذاك النور الذي يضئ ظلمة أيامه كلما داهمته الهموم ؟؟
اتركه يا طبيبي بين أنقاض قلبي .. دعه يعبث كما يريد... دعه يرسم خريطة حياته هنا... قل له أن النقش على جدران القلب أحلى وأجمل من الكتابة على الأوراق أو صفحات الماء ... وقل له أن تلك الصمامات التي دمرها هي أحلى ذكرى لاعتلائها هذا القلب العليل
طبيبي ... لا تزدحم أنت وممرضاتك على باب قلبي فتفزعوه ... اطرق الباب قبل اقتحامه... وأستأذنه قبل أن تمد يديك بمشرط أو خيط ... قل له لقد آن أوان هذا القلب أن يرمم ويعاد بعثه للحياة... قل له أن تلك الصمامات هوت أخيرا بعد أن عجزت من استيعاب هذا الحب الذي يقوم على زرع القنابل والألغام بين الحنايا والضلوع
قال الطبيب: أنتي تهذي
ابتسمت له وقلت : أنه أجمل هذيان و أحلى وهم
قال: سنضطر إلى أخذ شريان من جسدك لنزرعه في قلبك
قلت: لن تجد الشريان الذي تنشده ... ابحث عن شريان لم تمزقه اللوعة ولم ينسفه الحزن ولم يبله الهوى... لن تجد سوى شرايين تنزف من كل اتجاه ... تنزف شكوى وألما وبكاء ... يا سيدي لا املك لك أي شرايين ولا احمل داخلي أي نبض .. أنت تضيع وقتك مع عاشقة متهدمة كذاك الجبل الذي زرعوا بين جوانبه على حين غفلة قنابل فتهاوى فجأة في لمح البصر
خذ يدي ... هل تجد نبضا ؟؟
خذ بصري .. هل تجد نورا ؟؟
خذ عمري ... هل تجد أملا ؟؟
أنظر إلى سمائي هل تجد شمسا ساطعة ؟؟
أنظر في بحري هل تجد مرافئ أمانة ؟؟؟
انظر لأرضي هل تجد سوى القبور والأشلاء ؟؟
يا طبيبي ... اتركني وشأني
خذ أسلحتك وأدواتك واجمع ممرضاتك واتركني وحيدة ... فأنت لن تزيد دقيقة واحدة من عمري
اتركني معه ... لقد غدر بصمامات قلبي ... وغدر بابتسامات عمري... ولم يبقى على النهاية الكثير ... فهذه الدقات المتهالكة التي يضج بها كياني تقول بأن الدرب على آخره... وأن القمر إلى محاق ... وان الشمس إلى كسوف...وأن النور إلى زوال ... وان الغد إلى انقضاء ... وأن العمر إلى فناء .. وأن القبر اصبح أقرب من ذي قبل