إن من الأمور المهمة التي يغفل عنها الكثير من الآباء والأمهات والأزواج، فقد العاطفة كلياً أو جزئياً؛ فيشعر الأبناء والبنات والأزواج والزوجات بحياة مادية جافة ثقيلة يخيم عليها طابع كئيب من الروتين الممل والعاطفة الباردة؛ فيقع البعض من أفراد هذا البناء الأسري في فخ ذئاب وشياطين البشر، فقد تقع البنت مثلاً فريسة سهلة لأولئك العابثين من خلال مكالمة هاتفية عارضة، تسمع فيها البنت كلاماً معسولاً جميلاً ظاهره فيه الكثير من كلمات الود والحنان والشفقة والإعجاب والهيام، وباطنه فيه الخداع والكذب.
وشيئاً فشيئاً يبدأ قلب هذه الفريسة في الرقة والتلذذ لكلام لم تسمع مثله في حياتها لا من أم ولا أب، فتشعر أن هذا المتحدث إنما قال هذا لتميز في أخلاقه، وجمال في منطقه، وعذوبة في كلامه، ورقة في طبعه، ومحبة وإعجاب حقيقي بها، وخاصة أن أقرب الناس إليها لا يشعر بها، بل على العكس من ذلك..
إن المربي الحق بحاجة ماسة إلى الدقة في تعامله مع ولده ووالده وزوجه والناس أجمعين، ولكن الأقربين أولى بالمعروف والله عز وجل قال: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} وقال: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} ومعلوم أن في الكلام حسناً وأحسن والأحسن، فيأمر الله تبارك وتعالى أن نقول حتى في مجادلتنا مع المخالفين الكلام الأحسن، وهذه الدرجة الثالثة وهي الأرفع والأحسن، مع أنه يمكن أن يقول الكلام الحسن، ولكن لأجل استمالة قلب المخالف وجعله يقبل ويسمع نحتاج أجمل الكلام وأطيبه.
وقد بشر المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن من أقرب الناس منه منزلة يوم القيامة "أحاسنكم أخلاقاً" وقفوا مع كلمة "أحاسنكم" فليس القرب فقط بكثرة العبادة لله، ولا بكثرة البذل المالي لعباد الله، إنما بالأخلاق التي ما بعث عليه الصلاة والسلام إلا ليتم الصالح منها صلى الله عليه وسلم.
إن الكثير من الأزواج والمربين قد يشتكي البعض منهم ويقول: "إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم.." فيمكن لكل واحد منا إذا استشعر الأجر من الله، وسأل الله أن يحسن خلقه ومنطقه وعاطفته كما حسن خلقه، فإن الله قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه.
ومما يلاحظ على الكثير من الناس أن هذه العاطفة وذلكم العطف يخرج حين يشعر بأهميتها؛ فنجد الكثير في الأيام الأولى من عقد الزواج وقبل الدخول بالزوجة يُجيد كل الإجادة فن التعامل، بل قد يسحر الزوجة سحراً حلالاً بتلك العواطف والكلمات والمناقشات الهادئة والأفكار المنمقة، وكذا إذا أراد الحديث مع أستاذ له أو مع مسؤول عنه في عمل يظهر فيه وعنده الكثير من القدرات والطاقات والكلمات ويحسب لذلك كل حساب، ولو وقع في خطأ في هذا الباب حاسب نفسه أشد الحساب، ومع هذا تغيب تلك الكلمات وهاتيك العواطف عمن هو من أغلى وأهم الناس لديك، فقد يكون غياب تلك العاطفة سبباً في كارثة تدمر كل حياتك وحياة زوجك أو بنتك أو ابنك!
إن على المربي أن يحرص في الدرجة الأولى على إشباع العاطفة الزوجية والأبوية، وأن يُشيع هذا الخلق بين أبنائه؛ حتى يشعر الجميع بالأمان وبالإشباع العاطفي، فلا يتأثر أي منهم بقليل أو كثير مما يسمع أو يرى.
ومن خلال العمل في وحدة الإرشاد الاجتماعي لمدة سنتين وجدت أن جزءاً من الانحراف العاطفي الذي يقع فيه بعض البنات أو الزوجات كان السبب الرئيس فيه هو ما تسمعه هذه الزوجة أو البنت من الكلام المنمق والعاطفة الجياشة، فتحسب أن هذا المتكلم عنده من صدق العاطفة وعذوبة اللسان والقدرة الفائقة الشيء الكثير؛ مما يجعلها تنظر بعين الاحتقار أو عدم الرضا عن المربي الذي تعيش تحت رعايته وكنفه.
إن الإشباع العاطفي لا يقل أهمية عن الإشباع المادي، بل قد يفوقه فينبغي من الجميع مراعاة ذلك والتنادي بأهميته.
إن قلة العناية بهذا الجانب يهدد حتى الصحة النفسية للطفل، فنجد بعض المربين بدافع الغيرة والحرص على تربية طفله يكثر من الحط والشتم والترهيب والعزل والإذلال والنقد اللاذع، ويحسب أن هذا أسلوب له أثره، بينما يؤدي ذلك إلى رؤية الطفل لنفسه في الصورة المنحطة التي ترسمها ألفاظ مربيه؛ مما يحد من طاقته ويعطل إحساسه.
إن سلوك المربي مع من تحت يده من أطفال وغيرهم ينبغي أن يكون مفعماً بالدفء والمحبة، فإن هؤلاء الأطفال يكبرون وهم يرون العالم مكاناً آمناً مليئاً بفرص التعلم والاستكشاف، أما إذا كان سلوك الوالدين يتسم ببرود العاطفة؛ فإنهم سيحرمون أطفالهم من تلك النظرة المتفائلة المنتجة، ويتعرضون للبرود بشكل دائم، يكبرون ليروا العالم مكاناً بارداً مثيراً للسأم، والأغلب أن معظم علاقاتهم المستقبلية لن تكون ناجحة.
د.محمد الخضيري
العرض الشجري
