اسم الله الحكيم سبحانه جل جلاله
**أولا:المعنى اللغوي:
الحكم (بالفتح)الحكم(بكسر الكاف)بمعنى الحاكم...
[COLOR="DarkOrchid"]والحكم[/COLOR]: العالم وصاحب الحكمه ، والحكم (ضم الحاء): العلم والفقه والقضاء بالعدل.وأصل الحكم في لغه العرب : معناه المنع،تقول:حكمه وأحكمه إذا منعه.الحكمه : العلم النافع،لأن العلم النافع هو الذي يحكم الأقوال والأفعال،أي:يمنعها من أن
يعتريها الخلل،فمن كان عنده العلم الكامل فإنه لايضع الأمر في موضعه،ولايوقعه إلا في
موقعه،لأن كل إخلال في الأحكام إنما هو من الجهل بعاقبه الأمور،فترى الرجل الحاذق البصير
يفعل الأمر يظن أنه في غايه الأحكام،ثم ينكشف الغيب أنه فيه هلاكه،فيندم حين لاينفع الندم
ويقول:"ليتني لم أفعل"!!
أما الله سبحانه العالم بعواقب الأمور،وماتصير إليه،والعالم بما كان ومايكون،فلايضع الأمور
إلا في موضعه،ومحال أن ينكشف الغيب عن أن ذلك الأمر على خلاف الصواب لعلمه سبحانه
بما تؤول إليه الأمور.(من كلام الشنقيطي في أضواء البيان)
** ثانيا:وروده في القرآن أو السنه:
ورد اسم الله الحكيم أربعه وتسعين مره في القرآن،منها:
_(والله عزيز حكيم)
_(وهو الحكيم الخبير)
_(وأن الله تواب حكيم)
_(إنه علي حكيم)
_(وكان الله واسعا حكيما)
ومن السنه :
_عن مصعب بن سعد عن أبيه قال:جاء إلى رسول الله أعرابي فقال:علمني كلاما
أقوله،قال:"قل لا إله الله وحده لاشريك له،الله أكبر كبيرا،والحمدلله كثيرا،وسبحان
الله رب العالمين ،ولاحول ولاقوه إلا بالله العزيز الحكيم" قال:هذا لربي،فما لي؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قل اللهم اغفر لي،وارحمني،واهدني،وعافني،
وأرزقني".
_وقال ابن كثير : الحكيم في أفعاله وأقواله،فيضع الأشياء في محالها بحكمته وعلمه.
_وقال الحلمي :الحكيم معناه الذي لايقول ولايفعل إلا الصواب،وإنما ينبغي أن يوصف
بذلك،ولأن أفعاله سديده،وصنعه متقن،ولايظهر الفعل المتقن السديد إلا من حكيم.
_قال السعدي : الحكيم أي الموصوف بكمال الحكمه،وبكمال الحكم بين عباده ،فالحكمه هي
سعه العلم والاطلاع على مبادئ الأمور وعواقبها،وعلى سعه الحمد حيث يضع الأشياء
مواضعها وينزلها منازلها ولايتوجه إليه سؤال،ولايقدح في حكمته مقال،فله الحكمه في خلقه
وأمره.
_قال الشنقيطي عند تفسير (حكيم عليم):الحكيم هو من يضع الأمور في مواضعها ويوقعها
في مواقعها،فالله جل وعلا حكم لايضع أمرا إلا في موضعه،ولايوقعه إلا في موقعه،ولايأمر
إلا بمافيه الخير ولاينهى ألاعما فيه الشر،ولايعذب إلا من يستحق العذاب،وهو جل وعلا
ذو الحكمه البالغه له الحجه والحكمه البالغه.
** أثر الإيمان باسم الله الحكيم:
1-أن اسم الله(الحكيم)يلزم الإيمان به لورازم قلبيه تعبديه تقتضي الأيمان الجازم بإن الله
عزوجل حكيم في جميع أحكامه الدينيه.
بل إن اسم (الحكيم) لله سبحانه يفرض على العبد الاستسلام لشرع الله الحكيم فيحكم به،و
يتحاكم إليه،ويرفض كل شرع يخالف شرع الله حكما وتحاكما،ويؤمن إيمانا جازما أن من
شرع دينا ونظاما مالم يأذن به الله تعالى وادعى أنه أصلح لحياه الناس ومعاشهم أوساواه بشرع
الله،أو جوز الحكم به فإنه قد أشرك بالله عزوجل.
وبعد.. فإن الله له الحكمه البالغه وفيها الصلاح والخير في الحال والمآل ولو ظهر فيها شيء مما
تكرهه النفوس وتتألم منه ممايقدره الله،فلابد من الإيمان بإن الله له الحكمه البالغه،وهذا ما
يقتضيه اسم الله الحكيم،فلنتأمل قوله تعالى(كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن
تكرهوا شيئا وهو خيرلكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لاتعلمون)..
فالعبد لايدري،فلعل وراء المكروه خيرا ووراء المحبوب شرا،فالله هو العليم بالغايات البعيدة.
2-إذا علم العبد أن الله حكيم،عندها يرضى يقضاء الله وقدره عليه،وهذا كله يبث في
نفسه روح الطمأنينه والسكينه،كما قال عليه السلام"عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير و
ليس ذلك إلا لمؤمن،إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له،وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا
له"،وكما قال عليه السلام "والشر ليس إليك" فالشر ليس إلى الله سبحانه ولو
ظهر لنا أن هذا الفعل شر ومكروه فهو بالمآل خير وصلاح.
ولقد كان أنبياء الله يدركون مافي أسماء الله عزوجل من العبوديات،فهذا نبي الله يعقوب عليه
السلام يأتيه الخبر باحتجاز ابنه الثاني بنيامين عند عزيز مصر وقد سبق أن فقد يوسف
عليه السلام فتوجه بدعائه إلى ربه( قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني
بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم)
3_جاءت لفظه( الحكمه )مصرحة بها في القرآن كقوله تعالى(حكمه بالغه )( وأنزل الله عليك
الكتاب والحكمه)(ومن يؤت الحكمه فقد أوتي خيرا كثيرا)والحكمه هي العلم النافع والعمل الصالح.
وأحيانا يأتي في القرآن إخباره أنه فعل كذا لكذا، كما في قوله تعالى ( الله الذي خلق سبع سموات
ومن الارض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل
شيء علما)و(وماجعلنا القبله التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول)وقوله تعالى
(فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا) فإن فرعون التقطه بقضاء الله وقدره،وقد ظهر
لفرعون كمال الله،وقدرته وحكمته،وأن هذا الذي يذبح الأبناء هو نفسه يتولى تربيه من
يخاف منه في حجره وباختياره وإرادته.
4_كلام الله حكم ومحكم،كيف لايكون هذا وهو كلام أحكم الحاكمين،وقد وصف الله
كتابه بإنه حكيم كما قال تعالى(ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم)وقوله (يس
والقرآن الحكيم)(آلر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير)(ويقول الذين
آمنوا لو لانزلت سورة محكمه وذكر فيها القتال)..
وحكمه الله تقتضي أن يكون القرآن حكيما ومحكما لأنه الكتاب الذي ليس بعده كتاب،
فالقرآن حكيم في أسلوبه الرائع،وحكيم في هدايته ورحمته،وحكيم في أمره ونهيه،وحكيم
في أحكامه وفي تشريعه،فنجدالحكمه في العقوبات التي حددها الإسلام لجرائم الزنا والقذف و
السرقه والسكر،فتجد أن إقامه هذه إقامه هذه الحدود فيها نفع للناس لأنها تمنع الجرائم وتردع
القصاة،وتحقق الأمن لكل فرد على نفسه وعرضه وماله وحريته.
ومن تأمل عقوبه الزنا الرجم للمحصن والجلد لغير المحصن وقاربها بعقوبة الزنا في القوانين
الوضعية التي عقوبتها الحبس،وهي عقوبه لاتؤلم الزاني إيلاما يحمله على هجر اللذة التي يتوقعها
من وراء الجريمه،ولاترجره عن فعلها مة أخرى.
وانظر لعقوبه القصاص(ولكم في القصاص حياة ياأولى الألباب)فالحكمه منه المحافظة على حياة
الإنسان .
5_إن الله سبحانه يؤتي الحكمة من يشاء كما قال عز وجل (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمه فقد أوتي خيرا كثيرا )
وقد تنوعت عبارات المفسرين في تأويل قوله تعالى (يؤتي الحكمه) فمنهم من قال :هي الاصابة في القول
والفعل .وقيل :هي الفقه والقرآن والفهم فيه .وقال بعضهم :هي الفهم والعقل في الدين ،والاتباع له
.وقال آخرون:هي النبوة.
وقد جاء في أحاديث كثيرة أن من أوتي الحكمة ينبغي أن يغبط لعظم هذه النعمه عليه،ومنه قوله
صلى الله عليه وسلم "لاحسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق و
آخر آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها".
وقد ذكر الله في كتابه بعض الذين آتاهم الحكمة وأكثرهم من الأنبياء،فامتن سبحانه على محمد
صلى الله عليه وسلم(وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك مالم تكن تعلم وكان فضل الله
عليك عظيما).
وعلى آل إبراهيم عليه السلام(فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما)
وعلى عيسى عليه السلام(وإذا علمتك الكتاب والحكمة ةالتوراة والإنجيل)
وعلى داود عليه السلام(وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه ممايشاء)
وعلى لقمان العبد الصالح(ولقد آتينا لقمان الحكمة).
6_خلق الله سبحانه خلقه في أحسن خلق وأتقن مايكون عليه الخلق،قال تعالى(صنع الله الذي
أتقن كل شيء) فإنه سبحانه دبر خلقه أحسن التدبير وصنع مخلوقاته أحسن الصنع،فلايدخل
في تدبيره وتقديره خلل ولايتعري صنعه نقص أو تصور،قال تعالى(وصوركم فأحسن صوركم)
وقال سبحانه(الذي خلق سبع سموات طباقا ماترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل
ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير)
وإليكم بعض هذا الخلق:
#البحار: وهو من آيات الله العظام فلولا إمساك الله تبارك وتعالى لماء البحر بقدرته ومشيئته
وحبسه الماء، لطفح الماء على الأرض وعلاها كله.
ثم تأمل مامن صنف من الحيوانات في البر إلا وفي البحر أمثاله.
ثم تأمل السفن وسيرها في البحر،قال تعالى(ومن آيات الجوار في البحر كالأعلام إن يشأ يسكن
الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور)
#الشمس : إذ لو ابتعدت الأرض عن الشمس لنقصت كميه الحراره،ولتجمدت الكائنات على
الأرض،ولو اقتربت الأرض من الشمس لارتفعت الحراه،ولصارات الحياة غير ممكنه على الأرض.
#الجبال : فتأمل الجبال والحكمة العجيبة فيها،وفيها مالايخفى من النافع،فمن مناقعها أن الثلج
يسقط عليها فيبقى في علييها حاضنا لشراب الناس إلى حجين نفاده وجعل فيها ليذوب أولا
بأول،فتسيل عنه الأنهار،ومنها:مايوجد فيها من المعادن على اختلافها من الذهب،والفضه،والنحاس
والحديد،والرصاص. ومنها أنها ترد الرياح العاصفه،وتكسر حدتها فلاتدعها تصدم ماتحتها،ولذا
فإن الساكنون تحتها في أمان من الرياح العظام المؤذيه.ومنها أنها ترد السيول وأنها أعلام يستدل
بها في الطرقات،ومنها أنها للارض أوتادا،وقد أمرنا الله بالنظر إلى خلقها قال تعالى(وإلى الجبال كيف نصبت)
،وهي مع هذا كله،فهي تسبح لله بحمده وتخشع له وتسجد،وتتشقق وتهبط من خشيته،وقد خافت من الأمانه
لما عرضت عليها.ومنها الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام،
والجبل الذي تجلى له ربه فساخ وتدكدك،ومنها جبل أحد الذي حبب الله ورسوله وأصحابه إليه،
وأحبه رسول الله ورسوله،وجبل حراء فسبحان من اختص برحمته وتكريمه من يشاء من الجبال
والرجال،فجعل منها جبالا هي مغناطيس القلوب كأنها مركبة منه،فهي تهوي إليه كلما ذكرتها وتهفوا نحوها،
كما اختص الرجال من خصه بكرامته،وأتم عليه نعمته وأسبغ عليه محبة منه فأحبه
وحببه إلى ملائكته وعباده المؤمنين ووضع له القبول في الأرض بينهم،وكانت أم الدرداء إذا سافرت،
فصعدت على جبل لمن معها:أسمع الجبال ماوعدها بها!فيقول:ماأسمعها؟فتقول:(وسألونك
عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصا لاترى فيها عوجاولاأمتا)
#النمله : تأمل ماأعطيت من الفطنه والحيله في جمع القوت وادخاره وحفظه،ودفع الآفة.
ومن ذلك أنهاإذا نقلت الحب إلى مساكنها كسرته لئلاينبت،فإن كان مماينبت الفلقتان منه كسرته
اربعا،فإذا أصابه ندى أو بلل،وخافت عليه الفساد أخرجته للشمس ثم ترده إلى بيوتهاولهذا ترى
في بعض الأحيان حباكثيرا على أبواب مساكنها مكسرا،ثم تعود فلاترى منه واحدة.ويكفي من حكمتها
ماحكاه الله عنها (ياأيها النمل ادخلوا مساكنكم لايحطمنكم سليمان وجنوده وهم لايشعرون)
لعشيرة ظانواع من الخطاب في هذه النصيحه : النداء والتنبيه والامر والنهي،والتحذير والتخصيص ،
والتفهيم،التعميم والاعتذار،لذا يبتسم سليمان من قولها!ومع هذا كله فهي تسبح لله كما
في صحيح البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة،
فلدغته نمله فأمر فأخرج،ثم أحرق قريه النمل،فأوحى الله إليه من أجل أن لدغتك نمله أحرقت أمه
من الأمم تسبح !!فهلا نملة واحدة"
#الخنفساء : يذكر بعض أهل العلم أن رجلا كان في بستان فرأى خنفساء فرفسها برجله وقال:
ماهذه إلا عبثا!! ومرت أيام وأصيب إبهام رجله بقرحة،وذهب للأطباء فلم يجد لها دواء،
حتى جاء لطبيب يداوي بالأعشاب،فأمره أن يخرج لأي بستان ويبحث عن أي خنفساء فيأخذها
ويقطع جزءا يسيرا من رجلها،وعندها ستذهب إلى ورق شجر لتداوي بها نفسها،وهذه الورق
هو دواءك!!وبالفعل هذا وتداوى بهذا الورق،فعلم أن الله ما خلق شيئا عبثا.
7_خلقه كله لحكمه يعلمها سبحانه،وصدق الله يوم قال:"أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لاترجعون
فتعالى الله الملك الحق لاإله إلا هو رب العرش العظيم )(أيحسب الأنسان أن يترك سدى)
ومن حكمته سبحانه التفاوت بين العباد،وأعظم التفاوت وأبينه ليشكره منهمم من ظهرت عليه نعمته
وفضله،ويعرف أنه قد حبي بالإنعام وخص دون غيره بالإكرام،ولو تساووا جميعا في النعمه والعافيه
لم يعرف صاحب النعمة قدرها ولم يبذل شكرها.
فإن الله خلق الخلق لحكمه جليله،وغايه عظيمه(وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)ولم يخلقهم عبثا
ولا باطلا كما يظن الكفار(وماخلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل
للذين كفروا من النار) وجعل سبحانه يوم القيامه موعدا لهم،وسيرجعون إليه ليجزي الذين أساءوا
بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.
**بعض القصص التي نستنبط منها حكمة الله جل وعلا:
_فتاه نالت شهاده الثانويه وكانت تبحث عن عمل فتقدمت لوظيفه فطولبت بشهاده صحيه، فتوجهت
إلى مستشفى حكومي لتفحص نفسها فجاء النتيجه أنها مصابه بمرض السل !!
بكت وبكت حتى أن من حولها خافوا من العدوى فابتعدوا عنها وتركوها تأكل وحدها، وأعطوها
أدوات خاصة بها..وازدادت العزلة بهاإلى أن قررت أن تتوب إلى الله وأن تصلي وتتحجب،ثم راجع
أخوها المستشفى بعد حين،فإذا هم يعتذرون إذ هذه النتيجة ليست لها بل لغيرها،فهي سليمه..سبحان الله!!
_معلمه رياضيات عينت في مدرسه من المدارس،ولكن المديرة أمرتها أن تدرس تفسيرا!! فقالت لها
معتذرة:كيف أدرس تفسيرا وأنا لا أفقه شيئا فيه! فدخلت هذه المدرسة وفتحت كتاب التفسير وأول
آيات التفسير آيات الحجاب،ولم تكن المعلمه تلبس الحجاب فقرأت الآيات والتفاسير،فانهمرت عيناها
بالدموع تائبه آئبه إلى الله.
كثير من الأحيان ماتمر علينا قصص لمن حولنا..فلان عقيم مثلا..نتساءل لماذا؟!وفلان مات
في سن مبكره..لماذا؟!لحكمة بالغه لا يعلمها إلا الحكيم سبحانه وتعالى.
بل كثير من الأحيان تمر بنا مواقف وظروف وقتها تأتي الحكمة إلهاما من الله لنا،قال تعالى
(وأوحينا إلى أم موسى أن أرضيعه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولاتخافي ولاتحزني إنا رادوه
إليك وجاعلوه من المرسلين) هذا ليس وحي بالرسالة بل إلهام،أحيانا تتسائل:لم ذهبت للمكانن الفلاني
ولم ترتب له!!فالله هو الذي يسوق لك الخير من حيث لاتدري،أويرد عنك أذى كثيرا وأنت لاتدري.
إن حظ الإنسان من الحكمة على قدر اتباعه لأمر الله وأمر رسوله عليه السلام ولذا كان الرسول
صلى الله عليه وسلم منأكثر الناس حكمة،لقربه من الله سبحانه وتعالى،وصدق الله حين قال
(فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).
**الحكمة من الإبتلاء بالذنوب:
1-أن التوبه تحدث للتائب آثار عجيبه من المعامله التي لاتحصل بدونها،فتوجب له من الرقة
والمحبة واللطف وشكر الله وحمده والرضا عند عبوديات أخر.
2-أن الله يفرح بتوبة عبده أعظم فرح،فمن تاب نال فرحة عظيمة عند التوبة النصوح،وتأمل كيف
القلب حيا فرحا وأنت لاتدري سبب ذلك الفرح ماهو؟!وهذا أمر لا يحس به إلا حي القلب،
وأما ميت القلب فإنما يجد القلب عند ظفره بالذنب،فوازن بين هذين الفرحين وعاقبتهما،فالأول
يعقبه انشراح دائم وطيب عيش،والثاني أحزان وهموم وغموم ومصائب.
3-ومن فوائد الذنوب وحكمها أنه إذا شاهد ذنوبه ومعاصيه وتفريطه في حق ربه استكثر القليل
من نعم ربه عليه_ولاقليل منه_فهو يستكثر الواصل إليه من نعم الله فيراها كثيرة على مسيء
مثله ويستقل كثير عمله الصاله لعلمه بأن الذي ينبغي به نجاسته وأوساخه أضعاف مايأتي به،فهو
دائم مستقل لعلمه كائناما كان،مستكثر لنعمه الله عليه وإن دقت.
4-أن الذنب يوجب لصاحبه التيقظ والتحري من مصائد عدوه،ومن أين يدخل عليه اللصوص
والقطاع،فهو قد استعد لهم وتأهب،وعرف بماذا سيدفع شرهم وكيدهم.
5-ومنها أن مثل هذا يصير كالطبيب ينتفع به المرضى في علاجهم ودوائهم،قال عمر بن الخطاب
رضي الله عنه:"إنما تنقضي عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأفي الإسلام من لايعرف الجاهليه"
والمقصود أن من بلي بالآفات صار أعرف الناس بطرقها وأمكنه أن يسدها على نفسه وعلى من
استنصحه من الناس ومن لم يستنصحه.
6-ومنها أنه سبحانه يذيق عبده ألم الحجاب والبعد عنه،وزوال الأنس به والقرب ليمتحن عبده،فإن
أقام على الرضا بهذه الحال،ولم يجد نفسه تطالبه بحالها الأول مع الله،بل اطمأنت وسكنت إلى غيره
،علم أنه لايصلح موضعه في مرتبته التي تليق به،وإن استغاث استغاثه الملهوف،ودعا دعاء المضطر،
وعلم أنه قد فاتته حياته حقا،فهو يهتف لربه أن يرد عليه حياته،ويعيد عليه ما لاحياة له بدونه،
علم أنه موضع لما أهل له،فرد عليه أحوج ماهو عليه،فعظمت به فرحته وكملت به لذته،وتمت به نعمته،
واتصل به سروره،وعلم حينئذ مقداره،فعض عليه بالنواجذ وتنى عليه الخناصر،وكان حاله كحال ذلك
الفاقد الراحلة التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة إذا وجدها بعد معاينه الهلاك..فماأعظم
موقع ذلك الوجدان عنده!!فالعبد إذا بلي بالوحشة بعد الأنس،والبعاد بعد القرب، اشتاقت نفسه إلى لذة
تلك المعاملة فحنت وأنت وتصدعت،وتعرضت لنفحات من ليس لها منه عوض أبدا..ولاسيما إذا تذكرت
بره ولطفه وحنانه،وإن استمر إعراضها ولم تحن إلى مهدها الأول،ولم تحس بفاقتها الشديدة وضرورتهاإلى
مراجعة قربهامن ربها،فهي ممن غاب لم يطلب!!وإذا أبق لم يسترجع!!وإذا جنى لم يستعتب،وهذه هي النفوس
التي لم تؤهل لماهنالك.
7-ومنها أنه يوجب للعبد الإمساك عن عيوب الناس،والفكر فيها،فإنه في شغل بعيب نفسه،فطوبى لمن شغله عيبه
عن عيوب الناس،وويل لمن ينسى عيبه وتفرغ لعيوب الناس،فالأول علامه السعادةنوالثاني علامة الشقاوة،
قال الإمام مالك:"أعرف أناسا ليست لهم عيوب،تكلموا في عيوب الناس فأحدث الناس لهم عيوبا،واعرف
أناسا كانت لهم عيوب فسكتوا عن عيوب الناس فسكت الناس عن عيوبهم.
8-ومنها أن شهود العبد ذنوبه وخطاياه توجب له أن لايرى لنفسه على أحد فضلا،ولاله على أحد حقا
،فإنه يشهد عيوب نفسه وذنوبه،فلايظن أنه خيرمن مسلم يؤمن بالله ورسوله،ويحرم ماحرم الله ورسوله،
فإذا شهد ذلك لم ير لنفسه على الناس حقوقا من الإكرام،أو يذمهم على ترك القيام بها فإن نفسه عنده أخس قدرا
،وأقل قيمة من أن يكون لها على عباد الله حقوق يجب مراعاتها،أو لمثله فضل يستحق أن يكرم ويقدم لأجله،
فيرى أن من سلم عليه أولقيه بوجه منبسط فقد أحسن إليه وبذل له مالايستحقه،فاستراح هذا في نفسه،
وأراح الناس من شكايته،فما أطيب عيشه!!وما أنعم باله،وماأقر عينه،فسبحان من بهرت حكمته عقول العالمين.
9-ومنها أنه إذا وقع في الذنب شهد نفسه مثل إخوانه الخطائئين،وشهد أن المصيبة واحدة وأن الجميع
محتاج إلى مغفره الله وعفوه ورحمته،فكما يجب أن يستغفر له أخوه المسلم كذلك هو ينبغي أن يستغفر
لأخيه المسلم،فيردد قائلا:رب اغفرلي ولوالدي وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات.
10-ومنها أنه إذا شهد نفسه مع ربه مسيئا خاطئا مفرطامع فرط إحسان الله إليه في كل طرفة عين،
وحاجته لربه وعدم استغناؤه عنه نفسا واحدا،وهذه حاله معه،فكيف يطمع أن يكون الناس معه كما يحب،
وأن يعاملوه بمحض الإحسان وهو لم يعامل ربه بتلك المعاملة وكيف يطمع أن يطيعه مملوكه وولده وزوجته
في كل مايريده ولايعصونه وهو مع ربه ليس كذلك؟!قال سفيان الثوري:"ماأصلح عبد مابينه وبين الله إلا
أصلح الله مابينه وبين العباد،وما أفسد عبد مابينه وبين الله إلا فسد الله مابينه وبين العباد".
وقال السلف:"والله إني لأرى أثر معصيتي في خلق أقراني ودابتي"،وهذا يوجب له أن يستغفر لمسيئهم،
ويعفو عنه ويسامحه.
وليحذر العبد من توالد السيئات فإنه كما قال السلف:"إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها ومن عقاب السيئه السيئه بعدها.
11-وإن من حكمة الله في الإبتلاء بأن يسوق العبد بعد البلاء إلى أصل الغايات،وأكمل الآيات
والتي لم يكونوا يعبرون إليها إلا على جسر من الإبتلاء والإمتحان،فكان ذلك الإمتحان صورته صورة بلاء،
وباطنه فيه الرحمة والمنة،فكم لله من نعمه جسيمة ومنة عظيمة تجنى من قطوف الإبتلاء؟!
فتأمل:حال أبينا إبراهيم عليه السلام إمام الحنفاء،وكيف آلت محنته وصبره وبذله نفسه لله،حتى اتخذ الله
خليلا لنفسه،فتأمل محنته عندما أمر بذبح ابنه،فإن الله جازاه على تسليمه ولده لأمر الله بأن بارك في
نسله وكثره،وجعل في ذريته النبوة والكتاب فإن الله تعالى لا يتكرم عليه أحد وهو أكرم الأكرمين،
فمن ترك لوجهه أمرا وفعله لوجهه بذل الله له أضعاف ماتركه من ذلك الأمر أضعافا مضاعفة،
وجازاه بلإضعاف مافعله لأجله أضعافا مضاعفه،فلما أمر إبراهيم بذبح ولده فبادرلأمر الله،
ووافق عليه الولد أباه رضاء منهما وتسليما،وعلم الله منها الصدق والوفاء فداه بذبح عظيم،
وأعطاهما ماأعطاهما من فضله،ومن ذلك تكثير نسله وذريته،فإن غاية ماكان يحذره إبراهيم من
ذبح ولده انقطاع نسله،فلما بذل ولده لله،وبذل الولد نفسه ضاعف الله النسل واستجاب دعوته
(رب هب لي من الصالحين) (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي)،بل جعل النبوة والكتاب في
ذريته الخاصه وأخرج منهم محمدا صلى الله عليه وسلم.
12-ومنها أنه يعرف العبد حاجته إلى حفظه سبحانه ومعونته وصيانته،وأنه كالوليد الطفل في
حاجته إلى من يحفظه ويصونه،فإنه إن لم يحفظه مولاه الحق ويصونه فهو هالك ولابد،فقد أجمع
العلماء بالله على أن التوفيق أن لايكل الله العبد إلى نفسه،وأجمعوا بخذلان من يخلي بينه وبين نفسه.
13-ومنها أنه سبحانه يستجلب من عبده بهذا الذنب ماهو أعظم أسباب السعادة له،وهو الدعاء
والتضرع والإنابة والطاعة،فيحصل للروح قرب خاص لم يكن يحصل بدون هذه الأسباب ويجد العبد
نفسه كأنه ملق على باب مولاه بعد أن كان نائيا عنه،وهذا الذي أثمرله.(إن الله يحب التوابين) فكم من
عباده جعله صاحبها على ربه شامخ الأنف بها،في كل حين يتذكر تلك الأعمال في نفسه حتى حجبته
عن معبوده إلهه، فانظر الفرق بين هذه العباده وبين عبادة من قد كسر الذل قلبه كل الكسر،وأحرق
فيه كل الحماقات والخيلات،فهو لايرى نفسه مع الله إلا مسيئا،ولايرى ربه إلا مستحقا،فلايزال ذليل
اللسان والجوارح،مطأطئ الرأس خاضع،غاض البصر،خاضع الصوت هادئ الحركات،قد يسجد بين
يدي ربه سجدة إلى الممات.
14-زمنها أنه يسلبه رؤيه طاعته،وانشغاله برؤيه ذنبه فلايزال نصب عينيه،فإن الله إذا أراد بعبد خيرا
سلبه النظر لأعماله الحسنة من قلبه،والإخبار بها من لسانه،وشغله برؤية ذنوبه فلايزال نصب عينيه
حتى يدخل الجنة،فإن ماتقبل من الأعمال رفع عن القلب رؤيته ومن اللسان ذكره.
15-أنه قد يكون في القلب أمراض مزمنه لايشعر بها فيمتن الله عليه،ويقضي عليه بذنب ظاهر،
فيجد ألم مرضه فيتداوى،فتزول تلك الأمراض من قلبه وهو لايشعر،كما قال الشاعر:وربما صحت الأجسام بالعلل.
16-ومنها أن ينزل منه داء العجب والغرور،ففي الحديث(لة لم تذنبوا لخفت عليكم ماهو أشد منه،
قالوا ماهو يارسول الله،قال :العجب).
وبعد هذا كله ..لنعلم يقينا عظمة حكمته الباهرة،وصنعته العظية،فيتيقن العبد أن ماكتبه الله هو
خير له ويتذكر قوله تعالى (الله لطيف بعباده)..
هذا وصلى الله على رسوله وعلى آله وصحبه أجمعين
والحمدلله رب العالمين.