بسم الله الرحمن الرحيم
في ظلال آية
ورد قوله تعالى "من إملاق" في: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم} [الأنعام151]، وورد قوله تعالى:{ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم} [الإسراء31].
ينبغي أن نلاحظ أن البدائل المتحركة قد وقعت في موضعين في الآيتين:
الأول: (من) في الأنعام و(خشية) في الإسراء.
والثاني: تقديم ضمير (كم) على ضمير (هم) في الأنعام، وتقديم ضمير (هم) على ضمير (كم) في الإسراء.
ويمكن توجيه البدائل المتحركة في الموضعين بمسوغين:
الأول: ثنائية الزمن، فالسياق الزمني في الأنعام هو الزمن الحاضر، والدافع إلى قتل الأبناء هو الفقر الواقع بهم، لذلك قدم الضمير (كم) على الضمير (هم) أي: قدم رزق الآباء على رزق الأبناء، فهم يقتلون أولادهم من الفقر الواقع بهم، فهم محتاجون إلى الرزق العاجل للقيام بتكلفة الأبناء.
أما السياق الزمني في الإسراء فهو المستقبل، فهم يقتلون أولادهم خشية الفقر المتوقع في المستقبل، لذلك قدم الضمير (هم) على الضمير (كم)، أي: قدم رزق الأبناء على رزق الآباء لإخبارهم أن رزقهم معهم وأنهم لا يشاركونهم في رزقهم (1)، كذلك فإن سياق الأنعام الذي تقدم فيه رزق الآباء على الأبناء فيه تنبيه للآباء بأن رزقهم مرتبط برزق أولادهم إذ إن "السياق يشعر بتشفيع الأولاد في رفع فقر الآباء القاتلين، فكأن قد قيل لهم: إنما ترزقون بهم فلا تقتلوهم، فتأكد تقديم ضمير الآباء لهذا الغرض" (2)، كذلك فإن "تقديم ضمير الأولاد على ضمير المخاطبين على عكس ما وقع في سورة الأنعام للإشعار بأصالتهم في إفاضة الرزق" (3).
الثاني: ثنائية المخاطب، فالخطاب في الأنعام للفقراء، والخطاب في الإسراء للأغنياء (4)، لهذا سبقت آية الإسراء بقوله تعالى: {وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل} [الإسراء26]، "والمأمور بإعطاء حقوق هؤلاء هم الأغنياء الموسرون لا الفقراء، ثم قال: {ولا تبذر تبذيراً} والمأمور بعدم التبذير هو الموسر في الأكثر، لأن الفقير ليس عنده شيء في الغالب يبذره"(5).
إن آلية البحث عن التكامل بين أجزاء النص والسياق تقتضي الحرص على تأمل أصغر عنصر في النص إلى جانب التركيب لأن "كمال المعنى في نفسه يكون باعتبار استيفاء أجزائه البسيطة، أو استيفاء أجزائه المركبة؛ لأن المعاني منها ما ينحل إلى أجزاء مركبة، ومنها ما لا ينحل إلا إلى أجزاء بسيطة" (6).