( من علم أن قوله لا يقبل في الحسبة لعلم الناس بفسقه فليس عليه الحسبة بالوعظ ، إذ لا فائدة في وعظه فالفسق يؤثر في إسقاط فائدة كلامه ، ثم إذا سقطت فائدة كلامه سقط وجوب الكلام ،
فأما إذا كانت الحسبة بالمنع فالمراد منه القهر وتمام القهر أن يكون بالفعل والحجة جميعا ، وإذا كان فاسقاً فإن قهر بالفعل فقد قهر بالحجة إذ يتوجه عليه أن يقال له : فأنت لِمَ تقدم عليه ؟ فتنفر الطباع عن قهره بالفعل مع كونه مقهوراً بالحجة وذلك لا يخرج الفعل عن كونه حقا كما أن يذب الظالم عن آحاد المسلمين ويهمل أباه وهو مظلوم معهم تنفر الطباع عنه ولا يخرج دفعه عن المسلم عن كونه حقا .
فخرج من هذا أن الفاسق ليس عليه الحسبة بالوعظ على من يعرف فسقه لأنه لا يتعظ ، وإذا لم يكن عليه ذالك ، وعلم أنه يفضي إلى تطويل اللسان في عرضه بالإنكار فنقول : ليس له ذلك أيضا .
فرجع الكلام إلى أن أحد نوعي الإحتساب وهو الوعظ قد بطل بالفسق وصارت العدالة مشروطة فيه
أما الحسبة القهرية فلا يشترط فيها ذلك فلا حرج على الفاسق في إراقة الخمور وكسر الملاهي وغيرها إذا قدر ، وهذا غاية الإنصاف والكشف في المسألة
وأما الأيات التي إستدلوا بها فهو إنكار عليهم من حيث تركهم المعروف لا من حيث أمرهم .
ولكن أمرهم دل على قوة علمهم وعقاب العالم أشد لأنه لا عذر له مع قوة علمه .) أنتهى
من كتاب .... إحياء علوم الدين ... للغزالي
خلاصة القول:
من المعلوم أن إنكار المنكر يأتي على درجات .... وليس للفاسق إتباع تلك الدرجات ..... فيلجأ إلى المنع إبتداءً