عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِى يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ » مسلم 6809 .
المسألة الأولى : معاني المفردات :
الشَّدِيدُ : القوي .[1]
ِالصُّرَعَةِ : من صرع أي طرح أرضاً[2]، والمعنى هنا أي الذي لا يصرعه أحد كما فسر الصحابة ذلك في الرواية الأتية من الحديث : قَالَ صلى الله عليه وسلم : .. « فَمَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ » . قَالَ قُلْنَا الَّذِى لاَ يَصْرَعُهُ الرِّجَالُ . قَالَ « لَيْسَ بِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ الَّذِى يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ » [3]
يَمْلِكُ نَفْسَهُ : أي يتحكم فيها ويمسك بذمامها .
الْغَضَبِ : حنق وغيظ .[4]
المسألة الثانية : فقه الحديث :
يرشد صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى أن القوة الحقيقية هي التي في تمالك زمام النفس والتحكم فيها عند الثورة والغضب ، وذلك حين يستغل الشيطان فرصته ليوقع بالإنسان في شرك الظلم والمعصية ، ولذا نصح (ص) بترك الغضب الرجل الذي سأله أن يوصيه بعدم الغضب وذلك في حديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم : أَوْصِنِى . قَالَ : «لاَ تَغْضَبْ » . فَرَدَّدَ مِرَاراً ، قَالَ :« لاَ تَغْضَبْ »[5] ؛ ومدح الله تعالى الكاظمين الغيظ من الناس وسماهم بالمحسنين في قوله تعالى : { الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }[6] .
ومنع عليه الصلاة والسلان من أن يحكم القاضي وهو غضبان حتى لا يظلم احد من المتحاكمين لأن الغضب من الشيطان ؛ فقال صلى الله عليه وسلم : « لاَ يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهْوَ غَضْبَانُ »[7]. وبين لنا الطريق لإذهاب الغضب وتسكين ثورته في الحديث الذي رواه الشيخان ؛ عن سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ قَالَ اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا يَغْضَبُ وَيَحْمَرُّ وَجْهُهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ « إِنِّى لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ ذَا عَنْهُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ » . فَقَامَ إِلَى الرَّجُلِ رَجُلٌ مِمَّنْ سَمِعَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَتَدْرِى مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آنِفًا قَالَ « إِنِّى لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ ذَا عَنْهُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ » . فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ أَمَجْنُونًا تَرَانِى .[8]
فعلينا أن نتخلق بالحلم والصبر وسعة الصدر ونتجنب الإنفعال والغضب وأن نعفو ونصفح عند المقدرة وعند الغضب ؛ وقد قال تعالى في كتابه العزيز : { وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ }[9] ، وقال أيضاً : { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }[10]. ومن يعرف حقيقة الدنيا وأنها مجرد ممر لأحد مقرين إما الجنة أو النار لم يهتم لأمرها ولم يغضب لشئ فيها بل استغلها لفعل الصالحات حتى ينجو من النار وترك الدنيا لأهلها يتخافتون عليها ويققتلون فيها فهي لا تنفع ولا تقي من عذاب الله شيئا ولا تسوى عند الله جناح بعوضة . وأمر صلى الله عليه وسلم بالرفق وبين لنا أن الله رفيق يحب الرفق وأن من لا يرحم لا يرحم ، والله رفيق يحب الرفق ورحيماً يرحم من عباده الرحماء ورحمته سبقت غضبه ؛ كما قال صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ اللَّهَ لَمَّا قَضَى الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ : إِنَّ رَحْمَتِى سَبَقَتْ غَضَبِى »[11
المسألة الثالثة : ما يؤخذ من شرح الحديث :
1. كظم الغيظ وتملك النفس عند الغضب .
2. العفو عند المقدرة .
3. الإستعاذة بالله في حالة الغضب ليذهب عنه ما يجد .