السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
ذكر ما جرى من اختلاف قريش بعد قصي ، وحلف المطيبين
النزاع بين بني عبد الدار وبني أعمامهم
قال ابن إسحاق: ثم إن قصي بن كلاب هلك ، فأقام أمره في قومه وفي غيرهم بنوه من بعده ، فاختطوا مكة
رباعا - بعد الذي كان قطع لقومه بها - فكانوا يقطعونها في قومهم وفي غيرهم من حلفائهم ويبيعونها ؛ فأقامت على ذلك قريش معهم ليس بينهم اختلاف ولا تنازع ، ثم إن بني عبد مناف بن قصي عبد شمس
وهاشما والمطلب ونوفل أجمعوا على أن يأخذوا ما بأيدي بني عبد الدار بن قصي مما كان قصي جعل
إلى عبد الدار ، من الحجابة واللواء والسقاية والرفادة ، ورأوا أنهم أولى بذلك منهم لشرفهم عليهم
وفضلهم في قومهم ؛ فتفرقت عند ذلك قريش ، فكانت طائفة مع بني عبد مناف على رأيهم يرون أنهم
حق به من بني عبد الدار لمكانهم في قومهم ، وكانت طائفة مع بني عبد الدار ، يرون أن لا ينزع منهم
ما كان قصي جعل إليهم .
من ناصروا بني عبد الدار ، و من ناصروا بني أعمامهم
فكان صاحب أمر بني عبد مناف عبد شمس بن عبد مناف ، وذلك أنه كان أسن بني عبد مناف ،
وكان صاحب أمر بني عبد الدار عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار .
حلفاء بني عبد الدار وحلفاء بني أعمامهم
فكان بنو أسد بن عبد العزى بن قصي ، وبنو زهرة بن كلاب ، وبنو تيم بن مرة بن كعب ، وبنو الحارث
بن فهر بن مالك بن النضر ، مع بني عبد مناف .
وكان بنو مخزوم بن يقظة بن مرة ، وبنو سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب ، وبنو جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب ، وبنو عدي بن كعب ، مع بني عبد الدار ، وخرجت عامر بن لؤي ومحارب بن فهر ، فلم يكونوا مع واحد من الفريقين .
فعقد كل قوم على أمرهم حلفا مؤكدا على أن لا يتخاذلوا ، ولا يسلم بعضهم بعضا ما بل بحر صوفة.
من دخلوا في حلف المطيبين
فأخرج بنو عبد مناف جفنة مملوءة طيبا . فيزعمون أن بعض نساء بني عبد مناف ، أخرجتها لهم ، فوضعوها لأحلافهم في المسجد عند الكعبة ، ثم غمس القوم أيديهم فيها ، فتعاقدوا وتعهدوا هم وحلفاؤهم ، ثم مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدا على أنفسهم ، فسموا المطيبين .
من دخلوا في حلف الأحلاف
وتعاقد بنو عبد الدار وتعاهدوا هم وحلفاؤهم عند الكعبة حلفا مؤكدا ، على أن لا يتخاذلوا ولا يسلم بعضهم بعضا ، فسموا الأحلاف .
تقسيم القبائل في هذه الحرب
ثم سوند بين القبائل ، ولُزّ بعضها ببعض ؛ فعبيت بنو عبد مناف لبني سهم ، وعبِّيت بنو أسد لبني عبدا لدار ، وعبيت زهرة لبني جمح ، وعبيت بنو تيم لبني مخزوم ، وعبيت بنو الحارث بن فهر لبني عدي بن كعب . ثم قالوا : لتُفن كل قبيلة من أُسند إليها .
تصالح القبائل
فبينا الناس على ذلك قد أجمعوا للحرب إذ تداعوا إلى الصلح ، على أن يعطوا بني عبد مناف السقاية والرفادة ، وأن تكون الحجابة واللواء والندوة لبني عبد الدار كما كانت . ففعلوا ورضي كل واحد من الفريقين بذلك ، وتحاجز الناس عن الحرب ، وثبت كل قوم مع من حالفوا ، فلم يزالوا على ذلك ، حتى جاء الله تعالى بالإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما كان من حلف في الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا شدة) .
حلف الفضول
سبب تسميته كذلك
قال ابن هشام: وأما حلف الفضول فحدثني زياد بن عبد الله ألبكائي عن محمد بن إسحاق قال:
تداعت قبائل من قريش إلى حلف ، فاجتمعوا له في دار عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن
تيم بن مرة بن كعب بن لؤي ، لشرفه وسنه ، فكان حلفهم عنده: بنو هاشم ، وبنو المطلب ، وأسد بن عبدالعزى ، وزهرة بن كلاب ، وتيم بن مرة.
فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا
قاموا معه ، وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته ، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول.
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حلف الفضول
قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ التميمي أنه سمع طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا
ما أحب أن لي به حمر النعم ، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت .
الحسين يهدد الوليد بالدعوة إلى إحياء الحلف
قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهادي ألليثي أن محمد بن إبراهيم
بن الحارث التميمي حدثه :
أنه كان بين الحسين بن على بن أبي طالب رضي الله عنهما ، وبين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان - والوليد يومئذ أمير على المدينة أمره عليها عمه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه - منازعة في مال كان بينهما بذي المروة . فكان الوليد تحامل على الحسين رضي الله عنه في حقه لسلطانه ، فقال له الحسين :
أحلف بالله لتنصفني من حقي أو لآخذن سيفي ، ثم لأقومن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ثم لأدعون بحلف الفضول.
قال : فقال عبد الله بن الزبير ، وهو عند الوليد حين قال الحسين رضي الله عنه ما قال : وأنا أحلف
بالله لئن دعا به لآخذن سيفي ، ثم لأقومن معه حتى ينصف من حقه أو نموت جميعا.
قال : فبلغت المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري ، فقال مثل ذلك وبلغت عبدالرحمن بن عثمان بن
عبيد الله التميمي فقال مثل ذلك . فلما بلغ ذلك الوليد بن عتبة أنصف الحسين من حقه حتى رضي .
سأل عبد الملك محمد بن جبير عن عبد شمس و بني نوفل و دخولهما في حلف الفضول ، فأخبره بخروج
بني عبد شمس وبني نوفل من الحلف
قال ابن إسحاق :وحدثني يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهادي ألليثي عن محمد بن إبراهيم
بن الحارث التميمي قال :
قدم محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف - وكان محمد بن جبير أعلم قريش -
فدخل على عبد الملك بن مروان بن الحكم حين قتل ابن الزبير ، واجتمع الناس على عبدالملك ، فلما
دخل عليه قال له : يا أبا سعيد ، ألم نكن نحن وأنتم ، يعني بني عبد شمس بن عبد مناف ، وبني
نوفل بن عبد مناف في حلف الفضول ؟ قال : أنت أعلم ؛ قال عبدالملك : لتخبرني يا أبا سعيد بالحق
من ذلك ؛ فقال : لا والله ، لقد خرجنا نحن وأنتم منه ! قال : صدقت .