السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
أستوقفتني آيه (سورة الشورى)
{ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا
وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)
لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ
لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) }
الله سبحانه وتعالى هو خالق السماوات والأرض ومبدعهما بقدرته ومشيئته وحكمته,
جعل لكم من أنفسكم أزواجًا؛ لتسكنوا إليها, وجعل لكم من الأنعام أزواجًا ذكورًا وإناثًا,
يكثركم بسببه بالتوالد, ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته,
لا في ذاته ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله؛ لأن أسماءه كلَّها حسنى,
وصفاتِه صفات كمال وعظمة, وأفعالَه تعالى أوجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارك،
وهو السميع البصير, لا يخفى عليه مِن أعمال خلقه وأقوالهم شيء, وسيجازيهم على ذلك.
له سبحانه وتعالى ملك السماوات والأرض، وبيده مفاتيح الرحمة والأرزاق،
يوسِّع رزقه على مَن يشاء مِن عباده ويضيِّقه على مَن يشاء,
إنه تبارك وتعالى بكل شيء عليم, لا يخفى عليه شيء من أمور خلقه.
11- جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا يريد: الإناث.
وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يريد: جعَلَ للأنعام منها أزواجًا أي إناثًا.
يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ أي يخلقكم في الرحم أو في الزوج .
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ أي ليس كَهُو شيء . والعرب تُقيم المِثل مُقام النفْس، فتقول: مثلي لا يقال له
هذا؛ أي أنا لا يقال لي.
12- لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أي مفاتيحُها. ومالك المفاتيح: مالك الخزائن. واحدها: "إقليد"؛
جُمع على غير واحد كما قالوا: "مذاكير" جمع ذكَر. وقالوا: "محاسن" جمع حُسْنٍ.
آ:11 "فاطر" خبر رابع، جملة "جعل" خبر خامس، الجار "لكم" متعلق بالمفعول الثاني المقدر، الجار
"من أنفسكم" متعلق بحال من "أزواجا"، قوله "ومن الأنعام": الواو عاطفة، والجار متعلق بحال من
"أزواجا"، و"لها": المقدرة متعلقة بالمفعول الثاني المقدر، و"أزواجا" الثاني: معطوف على الأول،
والتقدير: ومن الأنعام لها أزواجا، وجملة "يذرؤكم" حال من فاعل "جعل"، والجار "فيه" متعلق
بـ"يذرؤكم" ، وجملة "ليس كمثله شيء" خبر سادس، والكاف زائدة، و"مثله" خبر ليس، و"شيء"
اسمها، وجملة "وهو السميع" معطوفة على جملة "ليس كمثله شيء".
آ:12 جملة "له مقاليد" خبر سابع، وكذا جملة "يبسط"، وجملة "إنه بكل شيء عليم"مستأنفة،
والجار "بكل" متعلق بـ "عليم".
وقوله: ( فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) أي: خالقهما وما بينهما، ( جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ) أي:
من جنسكم وشكلكم، منة عليكم وتفضلا جعل من جنسكم ذكرا وأنثى، ( وَمِنَ الأنْعَامِ أَزْوَاجًا ) أي:
وخلق لكم من الأنعام ثمانية أزواج.
وقوله: ( يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ) أي: يخلقكم فيه، أي: في ذلك الخلق على هذه الصفة لا يزال يذرؤكم فيه ذكورا وإناثا،
خلقا من بعد خلق، وجيلا بعد جيل، ونسلا بعد نسل، من الناس والأنعام.
وقال البغوي رحمه الله: ( يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ) أي: في الرحم. وقيل: في البطن.
وقيل: في هذا الوجه من الخلقة.
قال مجاهد: ونسلا بعد نسل من الناس والأنعام.
وقيل: "في" بمعنى "الباء"، أي: يذرؤكم به.
( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) أي: ليس كخالق الأزواج كلها شيء؛ لأنه الفرد الصمد الذي لا نظير له،
( وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )
وقوله: ( لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) تقدم تفسيره في "سورة الزمر"،
وحاصل ذلك أنه المتصرف الحاكم فيهما، ( يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ )
أي: يوسع على من يشاء، ويضيق على من يشاء، وله الحكمة
والعدل التام،( إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )