العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام الثقافية والأدبية ]:::::+ > منتدى القصص والروايات
موضوع مغلق
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 31-01-2009, 02:16 AM   رقم المشاركة : 161
!!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
Band
 
الصورة الرمزية !!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
 






!!! الرومـ ^_* ـانسي !!! غير متصل


" هذه أوامر بابا وليد ! "

قلت ذلك و أنا أعتذر عن الذهاب معها إلى الصالة و مشاركة بقية أفراد العائلة الجلسة و الحديث...

نهلة تأملتني باستنكار و قالت :

" و هل طلب منك ألا تخرجي من الغرفة ؟ "

قلت :

" لا . لكنه نهاني عن الحديث أو الضحك مع أو أمام والدك و شقيقك ! "

نهلة ضحكت بسخرية ثم قالت :

" و هل يخشى عليك من أبي ؟؟ بربّك إنه في عمر والدك ! أما حسام فهو حسام ! ما الذي جد في الأمر ؟؟ "

قلت بإصرار :

" لن آتي معك يعني لن آتي معك ! "

وضعت نهلة يديها على خصريها و تأففت !

" ممنوع لبس الحلي... ممنوع لبس الأوشحة الملونة... ممنوع خلع العباءة... ممنوع الخروج مع حسام ... ممنوع الضحك... ممنوع الكلام! ثم ماذا يا رغد؟ هل سيمنعك من التنفس أيضا ؟ "

نظرت إلى السقف متجاهلة تعليقها... فعادت تقول:

" لماذا يفعل ذلك ؟ "

لم تفارق عيناي السقف...

قالت بمكر :

" يغار عليك ِ ؟ "

نظرت إليها بسرعة ثم قلت :

" أي غيرة ؟ إنه مسألة آداب و حدود شرعية ! ابن عمّي ملتزم جدا "

ابتسمت هي بمكر و كأن كلامي يناقض بعضه البعض... و قالت :

" ألم يكن هو بنفسه يتحدث معك و يضحك و يصطحبك وحدكما إلى أي مكان؟ أنت من كان يخبرني بذلك ! "

علتني حمرة بسيطة فقالت نهلة :

" إنه يغار عليك ِ ! "

قلت معترضة – و إن تمنّيت لو كان كلامها صحيحا :

" أوه أنت ِ لا تفهمين شيئا ! إنه يعاملني كابنته ! لا يرى في ّ إلا طفلة صغيرة بحاجة للرعاية و النصح .. أما حسام ... فتعرفين ! "

رمتني نهلة بنظرة خبيثة ذات مغزى من طرف عينيها ثم غادرت الغرفة تاركة إياي في حمرتي و أمنيتي الوهمية...

حتى و لو شعر بالغيرة علي فهذا من ضمن شعوره بالمسؤولية نحوي، و ليس بالحب...

و راودتني آنذاك فكرة بأن أتصل به ! لم يكن لدي أي حاجة لذلك غير أنني رغبت في الحديث معه و الإحساس بقربه... و الاطمئنان عليه...

تناولت الهاتف المحمول الذي أهداني إياه قبل فترة و اتصلت بهاتفه...

" مرحبا "

أتعرفون صوت من كان؟؟ إنها أروى !

للوهلة الأولى كدت أنهي المكالمة غير أنني سيطرت على نفسي و تكلّمت :

" مرحبا أروى "

" كيف حالك يا رغد ؟ "

" أنا بخير "

" مضت فترة طويلة ... ! "

قلت في نفسي : ( لا أظنك اشتقت ِ إلي ! )

" نعم... كيف الخالة ؟ "

" بخير و الحمد لله "

" أيمكنني التحدث إلى وليد ؟ "

سألتها مباشرة دون المماطلة في الحديث معها... فأجابت :

" إنه نائم الآن... "

" نائم ؟ في هذا الوقت ؟ "

و قد كانت السادسة مساء

" نعم. شعر بالتعب ثم خلد للنوم... هل تريدينه في أمر ضروري الآن ؟ "

قلت :

" كلا كلا... لكن هل هو بخير ؟ "

فقد أقلقتني جملتها الأخيرة...

" نعم، كل ما هنالك أنه مجهد من العمل و السفر و كثرة المسؤوليات الملقاة على عاتقه...المزرعة...المعهد...المصنع...المنزل...و أنا و أنت ِ ! "

أنا و أنت ِ؟؟ ما الذي قصدته أروى ؟
هل تريد القول ... أنني أشكل عبئا إضافيا على وليد؟؟
إنني اخترت البقاء في بيت خالتي لأخلصه من مشاكلي و أتخلص من مشاحناتي مع أروى...

قلت بتردد :

" هل اشتكى من شيء ؟ "

قالت :

" وليد لا يشتكي... إنه يحمل الهم على صدره دون الشكوى... يريد أن نستقر في حياتنا لولا أن الظروف تحول دون ذلك "

قلت بتخوف :

" تستقران يعني... تتزوجان ؟ "

أجابت أروى :

" نعم... نخطط للزواج و من ثم السفر للاستقرار في المدينة الساحلية حيث أملاكي... لكن... سيشق على وليد رعايتك عن كل ذلك البعد "

و صمتت قليلا ثم تابعت :

" إنه لا يريد أن نتزوّج قبل أن تتزوجي أنت ِ يا رغد... حتى ينقل ولاية أمرك و مسؤوليتك لرجل آخر... "


ربما لم أدرك أن الرسالة التي كانت أروى تود إيصالها إلي هي : ( زولي عن عاتق وليد ) إلا بعد تفكير عميق أسود...
كنت أدرك أنني أشكل عبئا إضافيا على أكتاف الجميع... و أن رحيل والدي عني تركني عالة على الغير... لكني لم أدرك إلى أي حد قد أثقلت كاهل ابن عمّي حتى هذا اليوم... و لم أدرك أنني كنت العقبة في سبيل زواجه و استقراره مع الحسناء بهذا الشكل...

شعرت بالذل و الهوان بعد مكالمتي القصيرة مع أروى... و شعرت بألم شديد في صدري... و بالندم على كل ما سببته لوليد من تعاسة بسبب وجودي في حياته و تحت مسؤوليته

و تذكرت الضيق الذي كان يعيشه أيام سفر والدي إلى الحج... حينما اضطر لرعايتنا أنا و دانة... و نفاذ صبره في انتظار عودتهما... و هما للأسف لم يعودا
و لأشد الأسف... لن يعودا...
و تذكرت لقائي الأخير به و كيف بدا مرهقا ضجرا... و كأن جبلا حديديا يقف على كتفيه... و كيف أنه غادر عاجلا... ناشدا الراحة...

تريد أن تتزوج يا وليد؟
تريد أن تتخلص مني؟؟
حسنا
سأريحك من همّي
و ليفعل كل منا ما يريد !

بعد ذلك انضممت إلى أفراد عائلة خالتي و أخذت أشاركهم الأحاديث و الضحك ضاربة بعرض الحائط أي توصيات من وليد... !

مرت بضعة أيام قاطعت فيها وليد و أبقيت هاتفي المحمول مغلقا و تهربت من اتصالاته بهاتف المنزل... و لم ألتزم بلبس العباءة داخل المنزل كما طلب منّي ، بل اكتفيت بالأوشحة الطويلة الساترة كما و أوصلني حسام مرتين أو ثلاث بمفردنا إلى أماكن متفرقة...و عمدت مؤخرا إلى التلميح له عن قبولي فكرة الزواج منه... مبدئيا

حسام كان مسرورا جدا و يكاد يطير بي فرحا... و عاملني بلطف مضاعف و اهتمام مكثف بعد ذلك...

كنت أعرف أنه يحبني كثيرا... و مندفع بعواطفه تجاهي بكل صدق و إخلاص... و أنه ينتظر مني الإشارة حتى يتحول مشروع خطبتنا المستقبلي إلى حاضر و واقع...
و هو واقع... لا مفر لي منه... بطبيعة الحال...

علمت من حسام أنه فتح الموضوع مجددا أمام وليد في زيارته الأخيرة... و أن وليد أغلقه... و لكن تأييدي سيحدث و لا شك تغييرا...

لماذا يعارض وليد زواجي ؟ أليس في هذا حل لمشاكلنا جميعا؟؟

أصبح موضوع زواجنا أنا و حسام هو الحديث الشاغل لأفراد العائلة طوال الوقت و كان الجميع مسرورين به و بدؤوا يرسمون الخطط لتنفيذه...

ذات يوم، و كان يوما ماطرا من فصل الشتاء... و كنا نجلس جميعا حول مدفئة كهربائية نستمد منها الحرارة و الحيوية... و كنت ألبس ملابس شتوية ثقيلة و ألف شعري بلحاف صوفي ملون... أتانا زائر على غير موعد...

لم يكن ذلك الزائر غير وليد !

كان أسبوعان قد مضيا على زيارته الأخيرة لي... سمعنا أبو حسام يقول و هو يقف عند المدخل بصوت عال ٍ :

" هذا وليد ... "

فقامت خالتي و ابنتاها منصرفات، ثم عادت خالتي بالحجاب...

ثم فتح الباب سامحا لوليد بالدخول و مرحبا به...

رافقت وليد رياح قوية اندفعت داخلة إلى المنزل جعلت أطرافي ترتجف رغم أنني كنت أجلس قرب المدفئة...

" تفضل يا بني... أهلا بك "

قالت ذلك خالتي مرحبة به و قام حسام ليصافحه و هو يبتسم و يقول :

" كيف استطعت السير في هذا الجو ؟؟ "

" ببعض الصعوبات "

من خلال صوته المخشوشن أدركت أن وليد مصاب بالزكام !

كان وليد يلبس معطفا شتويا طويلا يظهر أنه تبلل بقطرات المطر...

" اقترب من المدفئة ! و أنت يا رغد حضّري بعض الشاي لابن عمّك "

قالت ذلك خالتي فأذعنت للأمر...

عندما عدت بقدح الشاي إلى وليد وجدته يجلس قرب المدفئة مادا يديه إليها... ناولته القدح فأخذه و لم يشكرني... بل إنه لم حتى ينظر إلي !

أما أنا فقد تأمّلت وجهه و رأيت أنفه المعقوف شديد الاحمرار و عينيه متورمتين بعض الشيء...

تحدث وليد و كان صوته مبحوحا جدا أثار شفقتي... مسكين وليد ! هل تتمكن الجراثيم منك أنت أيضا ؟؟

و الآن وجه خطابه إلي :

" لماذا لم تردي على اتصالاتي يا رغد؟ ماذا حدث للهاتف؟ "

لم يجد ِ التهرب من الإجابة، قلت :

" لا شيء ! "

صاد صمت قصير ... ثم قال وليد :

" كنت أود إبلاغك عن قدومي و عن أمر السفر إلى المدينة الساحلية كي تستعدي"

نظرت إليه ثم إلى خالتي و حسام، و عدت إليه قائلة :

" استعد ؟ "

قال :

" نعم، سترافقينني هذه المرة "

لم أتجاوب أول وهلة... ثم هززت رأسي و أنا أقول :

" لكنني ... لكنني ... لا أريد السفر "

و تدخلت خالتي قائلة :

" و لماذا ترافقك يا بني ؟؟ "

قال وليد :

" لأنني سأطيل البقاء بضعة أشهر... من أجل العمل "

قالت خالتي :

" و ماذا في ذلك؟؟ لماذا تريد أخذها معك ؟؟ "

التفت وليد نحو خالتي و قال :

" ليتسنى لي رعاية أمورها بنفسي كل هذه الشهور "

ساد الصمت القصير مرة أخرى ثم قالت خالتي :

" اطمئن من هذه الناحية "

و أضاف حسام :

" سافر مطمئنا فكل شيء يسير على ما يرام هنا "

وليد التفت إلى حسام و قد بدت عليه علامات الغضب ! ثم قال محاولا تقوية صوته المبحوح قدر الإمكان :

" سآخذها معي والأمر مفروغ منه "

و استدار إلي و تابع :

" استعدّي "

هذه المرّة يبدو وليد خشنا فظا... هل للزكام علاقة بذلك ؟؟

قلت :

" هل ستذهب الشقراء معك ؟ "

قال :

" نعم "

قلت مباشرة و بانفعال :

" لن أذهب "

و امتلأ الجو بالشحنات المتضادة ... و تولدت في الغرفة حرارة ليس مصدرها المدفئة فقط..

وليد قال بصبر نافذ :

" ستأتين يا رغد... كما اتفقنا سابقا... فأنا لن أتركك بعيدا كل تلك الشهور... قد يمتد الأمر إلى سبعة أو حتى عشرة أشهر... لن أتمكن من المجيء إلى هنا بين الفينة و الأخرى... الأمر شاق علي "

قلت :

" و لماذا تكلّف نفسك هذا العناء ؟ أنا بخير هنا فسافر مطمئنا جدا... "

و التفت مشيرة إلى خالتي و حسام و مضيفة :

" الجميع هنا يهتم بأموري فلا تشغل بالا "

لم يعجب وليد حديثي و ازداد احمرار أنفه و وجهه عامة ... ثم تحدّث إلى أبي حسام قائلا :

" هل لي بالحديث معها وحدها... إن سمحتم ؟ "

حسام و خالتي تبادلا النظرات المتشككة ثم انصرفا برفقة أبي حسام... و بقينا أنا و وليد و الحرارة المنبعثة من المدفئة و الشرر المتطاير من عينيه ... و الجو المشحون المضطرب ... سويا في غرفة واحدة !

كنت أجلس على طرف أحد المقاعد، بينما وليد على يجلس على مقعد بعيد بعض الشيء...

بمجرد أن خرج الثلاثة... وقف وليد منتفضا... و أقبل نحوي...
وجهه كان مخيفا... يتنفس من فمه ... ربما بسبب الزكام أو ربما بسبب الحالة المنفعلة التي كان عليها ...

نظرت إليه بتخوف و ازدردت ريقي !

قال فجأة :

" هل لي أن أعرف أولا... يا ابنة عمّي... لماذا لا ترتدين عباءتك ؟ "

فاجأني سؤاله الذي جاء في غير موقعه... و دون توقعه... تلعثمت و لم أعرف بم أجيب !

لقد كنت أرتدي ملابس شتوية ثقيلة و محتشمة و فضفاضة، و داكنة الألوان... و حتى وشاحي الصوفي الطويل كان معتما... اعتقد أن مظهري كان محتشما للغاية... فهل يجب أن أرتدي فوق كل هذه الأكوام عباءة سوداء ؟!

لما وجد وليد مني التردد و قلة الحيلة قال :

" ألم أطلب منك ... أن تضعي عباءتك كلما تواجد حسام أو أبوه معك ؟ "

قلت متحججة :

" لكنهما متواجدان معي دوما "

قال بغضب :

" إذن ارتدي العباءة دوما... "

لم أعلّق لأن طريقته كانت فظة جدا ... ألجمت لساني...

" و شيء آخر... إلى أين كنت ِ تذهبين؟ كلما اتصلت أخبروني بأنك غير موجودة... و هل كنت ِ تخرجين مع حسام وحدكما ؟ "

قلت مستغربة و منزعجة :

" وليد ... ؟ "

قال بحدة :

" أجيبيني يا رغد ؟؟ "

وقفت بعصبية و استياء و استدرت هامة بالمغادرة... كيف يجرؤ !؟
إلا أن وليد أمسك بذراعي و حال دون هروبي...

قلت:

" دعني و شأني "

قال و هو يعضّ على أسنانه :

" لن أدعك تفعلين ما يحلو لك... يجب أن تدركي أنك لست ِ طفلة بل امرأة و أن ابن خالتك الشاب المندفع هذا يطمح إليك "

جذبت ذراعي من قبضته و أنا في دهشة فائقة... وليد قال :

" أنا لا اسمح له بأن ينظر إليك و أنت هكذا ... "

ازددت دهشة ... ما الذي يجول بخاطر وليد ؟؟ و كيف يفكّر ؟؟

قلت :

" وليد !! ماذا أصابك ؟؟ ابن خالتي شاب مهذّب و هو يرغب في الزواج منّي .. و الجميع يعرف ذلك بما فيهم أنت "

و لم تزده جملتي إلا ثورة !

قال بغضب :

" و أنا قلت لك... و له... و للجميع... بأنني لن أوافق على مثل هذا الزواج و لن أسمح بأن يتم قبل سنين... أسمعتِ يا رغد ؟ "

صرخت :

" لماذا ؟ "

قال :

" لأنني لا أريد ذلك... أنا الوصي عليك و أنا من يقرر متى و ممن أزوّجك... و إن ألح أحد علي بهذه الفكرة مجددا فسأحذفها من رأسي نهائيا "

ذهلت لكلامه و لم أصدق أذني ّ... حملقت فيه و لم يقو َ لساني على النطق...

التفت َ وليد يمنة و يسرة في تشتت كأنه يبحث عن الكلمات الضائعة... و أخذ يضرب راحته اليسرى بقبضته اليمنى بغضب... ثم حدّق بي فرأيت عضلات فكه تنقبض و هو يضغط على أسنانه بانفعال كمن يمزّق لقمة صلبة بين فكيه...

وليد صرخ بصوته المبحوح و هو في قمة الغضب و التهيّج :

" و تريدين منّي أن أتركك هنا؟ كيف أكون مطمئنا إلى ما يدور بعيدا عن ناظري؟ لماذا لا تلتزمين بما طلبته منك؟ حتى و إن كان أقرب الناس إليك لا أسمح لك بالظهور أمامه بلا عباءة... إن حدث و تزوجته يوما فاعلي ما يحلو لك ِ و لكن و أنت ِ تحت وصايتي أنا فعليك التقيد بما أطلبه منك أنا يا رغد... أنا و أنا فقط ... و أنا أحذرك من تكرارها ثانية... هل هذا مفهوم ؟ "

يكاد قلبي يتوقف من الخوف... و وليد يتحرك شعرت و كأن قبضته اليمنى على وشك أن تضربني أنا الآن !... أحملق فيه بدهشة و ذعر فيرد علي بصرخة تصفع وجهي قبل أن تثقب طبلتي أذني :

" هل هذا مفهوم أم أعيد كلامي ؟ أجيبي ؟؟ "

ينتفض بدني و تصدر منه ارتجافة و أهز رأسي إيجابا...

وليد هدأ بعض الشيء و أخذ يمر بأصابعه على شعره الكثيف و يتنهد بضجر... و يبتعد عنّي...

شعرت بالغيظ... بالقهر... بالذل ...
كيف يجرؤ وليد على التحكم في حياتي بهذا الشكل؟؟
و كيف يصرخ بوجهي بهذه الطريقة الفظة ؟
بل كيف يخاطبني بهذا الأسلوب الخشن؟
إن أحدا لم يصرخ بوجهي هكذا من قبل...

تملكتني رغبة في الهجوم... في الدفاع... أو حتى في التوسل ! قلت و أنا متعلقة بأمل أن يكون ما سمعت وهما :

" وليد... هل ... تعني... "

و قبل أن أتم كلامي كان قد صرخ مجددا :

" أنا أعني ما أقول يا رغد... و ما دمت ِ تحت مسؤوليتي فنفّذي ما أقوله و لا تزيديني أكثر مما أنا فيه"

كالخنجر طعنتني كلماته الحادة القاسية فقلت و أنا على وشك الانهيار :

" لماذا تفعل هذا بي؟؟ إن كنت تراني هما على صدرك... لم لا تزوجني منه الآن و تتخلص منّي و ترتاح و تريحني منك ؟؟ لماذا يا وليد لماذا ؟؟ لماذا ؟؟ "

و انفجرت باكية...
جلست على المقعد و أسندت مرفقي إلى رجلي، و وجهي إلى راحتي يدي ّ و سكبت العبر...

حل الصمت المرعب على الأجواء...

فجأة... تخلخلت الرياح الباردة ملابسي و دقت عظامي... رفعت رأسي فإذا بها تصفعني و تطير بدموعي بعيدا... نظرت إلى الباب فرأيته مفتوحا و وليد يستقبل الأعاصير...

وقفت و ناديته بسرعة :

" وليد "

التفت إلي و خصلات شعره تتطاير في كل اتجاه من شدة الريح...

" إلى أين ستذهب ؟ "

قلت و أنا في خوف منه و عليه... فالجو كان مرعبا و لا يصلح للمشاوير الطويلة... خصوصا و هو مريض...

وليد قال :

" سأعود لاصطحابك غدا... اجمعي أشياءك "

و استدار منصرفا مغلقا الباب من بعده...

أسرعت إلى الباب و فتحته و تلقيت الريح بوجهي... هتفت :

" وليد ... وليد انتظر "

وقف موليا إلي ظهره و الهواء يعبث بشعره و معطفه ...

قلت :

" لا تذهب الآن... انتظر حتى تهدأ العاصفة قليلا "

لكنه تابع طريقه مبتعدا... متجاهلا نداءاتي...


عندما عدت... وجدت الجميع يقفون في الداخل ينظرون إلي ...
شعرت و كأن نظراتهم تخترقني... أملت رأسي إلى الأسفل و هممت ُ بالانصراف...

استوقفني صوت حسام و هو يقول :

" هل يخاطبك دائما بهذا الشكل ؟ "

رفعت بصري إليه فوجدته غاضبا مقطب الحاجبين... و أعين الجميع تنتظر جوابي...

هززت رأسي نفيا و أنا أقول :

" لا ... كلا ... "

و لم أكن أتوقع أن يكون صراخ وليد بصوته المبحوح قد أصاب آذانهم ...

خالتي قالت :

" سأتحدّث معه حينما يعود "

قال حسام منفعلا :

" و أنا سأوقفه عند حدّه "

أبو حسام قال :

" لا تتدخل أنت... سأحدّثه أنا بنفسي "

صاح حسام :

" يا له من متعجرف فظ ... من يظن نفسه؟؟ ليتك بقيت ِ تحت وصاية سامر... فعلى الأقل ذلك المشوّه ليّن و متفهّم و لا يستخدم يده في التعامل مع الآخرين "

قالت خالتي :

" لا أعرف من أين أتى بكل هذه الغلظة... إنه يختلف عن سامر و شاكر تماما "

قال أبو حسام :

" إنها الغربة يا أم حسام... "

قالت خالتي :

" لن أسكت على هذا... لسوف أطلب من سامر و دانة التدخل و إيجاد حل لنا مع هذا الوليد "




~~~~~~~~~~




أشعر بالدوار...
أتنفس بصعوبة بالغة... و رغم برودة الجو يتصبب مني العرق...
إنني مصاب بنزلة بردية شديدة أرهقت قواي منذ أيام...
و القرحة التي عالجتها منذ زمن، عادت آلامها تسيطر على معدتي من جديد...

بصعوبة بالغة نهضت عن السرير الدافئ في غرفتي التي استأجرتها للمبيت لليلة واحدة في هذا الفندق... و ما أسوأها من ليلة...
إنني لم أنم... و لم يهدأ دماغي عن التفكير ساعة واحدة...
لماذا يا رغد...؟ لماذا...؟
و لماذا أيها القدر القاسي...
أتركها أمانة بين أيديهم... فيخططون لسرقتها منـّي؟؟
أبدا... يستحيل أن أدعها معهم يوما واحدا بعد... هيا انهض... يا وليد...

كان لا يزال أمامي عدة مسافات علي قطعها... و أنا غاية في التعب... و المرض...
لملمت حاجياتي بعناء... و غادرت الفندق قاصدا بيت أبي حسام...

حتى و إن كانت رغد ترغبين في الزواج منه أو كانت هذه أمنيتك ِ الأولى... فأنا لن أنفذها لك... و يجب عليك خلال السنين المقبلة... أن تنسيه ...
أنا لن أتقبـّـل منك ِ الخيانة مرتين... لن أسمح لك !

عندما وصلت إلى بيت أبي حسام هو و زوجته و قاداني إلى المجلس...
هناك بدءا يحدثاني بهدوء عن وضع رغد ... و من ثم تطرقا إلى موضوع الزواج من جديد...
لا أدري إن كنت ُ أسمعهما أم لا... أو أعي ما يقولان... كنت مجهدا حد العمى و الصمم ... حد الخرس و الشلل...

اعتقد أنهما كانا يخاطباني بعقلانية و كلامهما كان سيبدو منطقيا جدا لأي مستمع... أما أنا فلم أركز في حديثهما الطويل... و ربما لم تظهر عليّ إلا أمارات البلادة و البرود... حتى أنني لو فكّرت في الغضب... لم أكن لأجد عصبا واحدا في ّ قادرا على الاشتعال...
أنا مرهق... أرجوكما اعتقاني الآن...

و رغم كل ما قالاه... عارضت فكرة الزواج تلك و رفضت ترك رغد معهم و ألححت عليهما لاستدعائها... و شرحت لهما خطّتي في إلحاقها بإحدى الجامعات...

بعد ذلك أتت رغد... و كنا أنا و هي نتحاشى النظر إلى بعضنا البعض... فلقاؤنا يوم أمس كان سيئا...
هدرت هي المزيد من الوقت و الجهد غير أنني لم أغيّر رأيي... و كلّما ألحّت ازددت إصرارا...
أم حسام قالت أخيرا :

" لن ينتهي الموضوع هنا يا وليد... سنعرف كيف ندبّر حلا "

و كان في كلامها شيء من التهديد... لم أجبها بل التفت نحو رغد و قلت معلنا نهاية الحوار :

" هيا بنا يا رغد "


لم تكن رغد قد حزمت حقائبها لكن الوقت كان يداهمنا و الصداع يتفاقم في رأسي ... أعطيتها فرصة قصيرة لجمع ما أمكن و من ثم لتودع أقاربها و أحسست بآلامها و هي تبكي في حضن خالتها...
بدوت فظا قاسيا في نظر الجميع... و لكنني لن أتراجع...

حملت رغد حقيبة يدها فيما حملت أنا حقيبة أغراضها و سرت و هي تسير خلفي مكرهة... مستسلمة...
و نحن نخرج من البوابة ألقت رغد النظرة الأخيرة على أفراد عائلة خالتها و قالت بأسى :

" مع السلامة "

تمزق قلبي معها... و عذبني ضميري أيما عذاب... سامحيني يا رغد... أعدك بأن أعوّضك عن كل هذا ... سامحيني...

أم حسام قالت و هي تغلق البوابة بعد خروجنا أنا و رغد ... و حسام و أبيه :

" الله الله... في اليتيمة يا وليد... أمامك حساب لا يخطئ... "

ما أشعرني بأنني... أرتكب كبيرة من كبائر الذنوب...
نظرت إلى رغد... ثم أغمضت عيني ّ و وضعت ُ يدي على جبيني و ضغطت بشدّة... عل ّ الألم يرحم رأسي قليلا...
ما الذي تظنونه عنّي؟؟ أي فكرة قد جعلتهم يتعقدون بها يا رغد ؟؟
هل أنا وحشي و مجرم لهذا الحد؟؟

حينما ركبنا السيارة وقف حسام بجوارنا و قال :

" إذا أساء أحد معاملتك فابلغيني يا رغد "

و وجه خطابه إلي مهددا :

" حذار أن تقسو على ابنة خالتي يا وليد... ستدفع الثمن غاليا... "

و ابتلعت جملته و لم أعقب... و سرنا تشيعنا أعين حسام و أبيه و تتبعنا أفئدة العائلة أجمع ...
و كلما ابتعدنا أحسست بالألم يزداد... بينما لا تزال كلماتهم الأخيرة ترن في رأسي بحدة...
و لما نظرت إلى رغد... رأيتها غارقة في حزن يتفطر منه قبل الحجر...
فكيف بقلبي ؟
هل كنت ُ قاسيا لهذا الحد؟؟
هل أنا مخطئ في تصرفي؟
هل كان علي ّ تركها بعيدة عن ناظري... قريبة من ناظر حسام ؟؟
ألا يحق لي أن أخاف عليها من كل عين و كل شر...؟
أليست هذه صغيرتي أغلى ما لدي في هذا الكون؟؟
ألست ُ أنا ولي أمرها و المسؤول عنها كليا... أمام الله ؟؟
اللهم و أنت الشاهد العالم بالنوايا... تعرف أنني ما أردت لها و مذ أدخلتـَها في حياتي قبل سنين طويلة... إلا خيرا...
اللهم و أنت المطّلع على الأفئدة و المقلب للقلوب... ارحم قلبي و اعف ُ عن خطاياه...


مر زمن طويل و نحن في صمت أصم ٍ أخرس ٍ ... وشرود كبير متشتت... و زادنا الطريق البري وحشة و غربة... و لم يكن يسلك دربنا إلا القليل من السيارات ... في مثل هذا الجو المضطرب...
الأفكار ظلت تعبث برأسي المتصدّع وضاعفت مرضي و حرارة جسدي...

الصداع و الدوار ... و الأفكار الحائرة المتناثرة... و كلمات حسام و أمّه الأخيرة ... و قطرات المطر الكثيفة الهاجمة على زجاج السيارة... و دموع رغد التي أراها من حين لآخر عبر المرآة... و آلام صدري و معـِدتي و أطرافي ... كلها اجتمعت سوية و أفقدتني القدرة على التركيز...

و فيما أنا منطلق بالسيارة فجأة انحرفت ُ عن مساري و اصطدمت بأحد أعمدة النور بقوّة...
و أظلمت الدنيا في عيني...





>>>>>>يتبع<<<<<







قديم 31-01-2009, 02:19 AM   رقم المشاركة : 162
!!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
Band
 
الصورة الرمزية !!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
 






!!! الرومـ ^_* ـانسي !!! غير متصل

الحلقة التاسعة و الثلاثون




صرخت فجأة و نحن ننحرف عن مسارنا و نصطدم بقوة بعمود إنارة ... ارتطم جسمي بمقعد وليد و لكني لم أصب بأذى...
توقفت السيارة عن الحركة و رفعت رأسي فرأيت رأس وليد على المقود...

شعرت بالفزع و صرخت :

" وليد... "

و لكنه لم يتحرّك ...

مددت يدي نحو كتفه و أخذت أضربه و أنا مستمرة في نداءاتي لكنه لم يستجب...
حركت يدي نحو رأسه و ضربت بقوة أكبر...

" وليد... أجبني أرجوك.... وليد أرجوك... "

صدرت أنة من حنجرته و تحرك قليلا...

" وليد أجبني... أتسمعني ؟؟ أرجوك رد علي "

أصابني الهلع الشديد... خرجت من السيارة مسرعة فتدفق الهواء بعنف إلى الداخل... كان الجو عاصفا باردا ماطرا... أقبلت إلى الباب الأمامي الأيمن و أردت فتحه فوجدته موصدا...

عدت إلى الداخل عبر الباب الذي خرجت منه و فتحت قفل الباب الأمامي، ثم خرجت و دخلت عبر الباب الأمامي... و جلست قرب وليد... مبللة... بردى... مرعوبة... مفزوعة... أرتجف...

مددت يدي و رفعت رأسه عن المقود فرأيت سيل من الدماء يتدفق من أنفه المعقوف فصعقت... و أطلقت صيحة شاهقة... أسندت رأسه إلى الوراء ثم رحت أضرب خديه في ذعر... و ما بي ذرة واحدة من القوة...
و بصوت أشك أنه خرج من حنجرتي أصلا هتفت :

" وليد... وليد أجبني... أرجوك وليد... أجبني "

وليد فتح عينيه أخيرا و تأوه... ثم رفع يده اليسرى و وضعها على جبينه و قطب حاجبيه بألم...

قلت بلهفة:

" وليد... هل أنت بخير ؟؟ "

و لا أعرف إن كان سمعني أم لا...

تلفت يمنة و يسرة ببطء و ناداني بصوت متحشرج :

" رغد... "

قلت بسرعة :

" وليد أنا هنا... "

و حركت يدي لأمسك بيده اليمنى... لأشعره بوجودي... فشد هو ضغطه على يدي و أغمض عينيه يعصرهما عصرا... و يئن...

هتفت فزعة:

" وليد... وليد ... كلّمني "

فتح عينيه و نظر إلي و أخذ يلتقط بعض الأنفاس المخنوقة ثم قال :

" أأنت بخير ؟ "

لم استطع الرد من شدة الفزع

وليد شد ّ الضغط على يدي و تأوه ثم قال :

" أنا مرهق جدا ... سأرتاح قليلا..."

و حرر يدي و حرك يده نحو المقود و أوقف محرك السيارة فيما رأسه لا يزال ملتصقا بمسند المقعد دون حراك... ثم أغمض عينيه و هوت يده مرتطمة بأي شيء... و استقرت قرب يدي... تحركت أصابعه و أمسكت بيدي مجددا ... ثم سكن عن الحركة و بدا لي و كأنه... فقد وعيه...

قلت بهلع:

" وليد... أأنت بخير ؟ "

لم يستجب... هززت يده و كررت :

" وليد... رد علي ! "

فأطلق أنّه خفيفة ضعيفة... أحسست بها تخرج من أعماق صدره...

" وليد... كلمني أرجوك... "

تكلم وليد من طرف لسانه دون حتى أن يحرك شفتيه :

" لا تخافي... رغد "

و شد على يدي... ثم سكن عن الكلام و الحركة...

راقبته فرأيت صدره يلهث بأنفاس قوية تتحرك عبر فمه... يكاد بخارها يغشي زجاج السيارة ... أما أنفه فقد كان لا يزال ينزف... و قطرات الدم تقطر من أسفل فكّه لتتلقاها ملابسه و تشربها بشراهة...

منظر أفزعني حد الموت...

هتفت بما كان قد تبقى لحبالي الصوتية من قدرة على النطق :

" وليد... أنفك... ينزف ... "

لم يجب...

" وليد... "

و لم يرد

" وليد... رد علي ... أرجوك "

و أحسست بيده تضغط علي قليلا... ثم تسترخي...
كانت دافئة جدا... و رطبة...

تناولت بعض المناديل و قرّبتها من وجهه... و توقفت برهة مترددة ... أنظر إلى مجرى الدماء ينسكب من أنفه... إلى شفتيه المفتوحتين... إلى ذقنه... تكاد قطرات منها تتسلل إلى فمه ممتزجة مع الأنفاس الساخنة... دون أن يشعر بها أو ينتبه إليها...

قربت المناديل من سيل الدم و مسحته بخفة... و وليد لم يشعر بشيء... و لم يفعل أي شيء...

لم أعد أسمع غير صوت الرياح الماطرة تصفع زجاج السيارة مثيرة في نفسي رعبا منقطع النظير...

الغيوم السوداء الكثيفة تلبدت في السماء و حجبت أشعة الشمس...
قطرات المطر تزاحمت على نوافذ السيارة... و أوهمتني بالشعور بالغرق حتى أصبحت التقط أنفاسي التقاطا... و أعصر يدي ببعضهما عصرا...

أخذت أراقب كل شيء من حولي... أنفاس وليد القوية... أرواق الأشجار المتراقصة في مهب الريح... سيول المطر المنزلقة على النوافذ... و عقارب ساعة يدي تدور ببطء و سكون... و السيارات المعدودة التي مرّت بطريقنا الموحش و ربّما لسوء الطقس تجاهلتنا...

شعرت برجفة تسري في جسدي... اقتربت أكثر نحو وليد و حركت يديّ و أمسكت بذراعه ناشدة الأمان... و جفلت لحرارتها...

لم يحس وليد بي... لقد كان غارقا في النوم ...

تأملت وجهه... كان شاحبا كالعشب الجاف... جليا عليه المرض... عيناه وارمتان و تحيط بهما هالتان من السواد... و بعض زخات العرق تبرق على جبينه العريض... و آثار الدم الممسوح تظهر على أنفه المعقوف و ذقنه الملتحي... و الهواء الساخن يتدفق من فمه مندفعا بقوة...

وليد قلبي... مريض...
نعم مريض !
و مريض جدا...

آنذاك... تمنيت... و ليت الأماني تتحقق فور تمنيها... تمنيت لو كان باستطاعتي... أن أمسح على رأسه أو أربت على كتفيه...
تمنيت... لو أستطيع أن أبلسم جرحه الدامي أو أنشف جبينه المتعرق ...
تمنّيت ... لو كنت هواء ً يمتزج بأنفاسه و يقتحم صدره... و يلامس دفأه ...
تمنيت لو أعود طفلة و أرتمي بحضه... و أبكي على صدره...

لطالما كان يعتني بي حين أمرض... لطالما عالج جروحي ... و سكّن آلامي... و هدّأ روعي... لطالما ربت على كتفي و مسح دموعي... و رسم الابتسامة بين خدي ّ...
لطالما حمل همومي الصغيرة... و حملني ضئيلة على ذراعيه...

تشبثت بذراعه بلا شعور مني.. و لا شعور منه...
إنْ حنينا ً إلى الماضي... أو خوفا ً من الحاضر... أو أملا ً في الغد...
تعلقت بتلك الذراع تعلق الغريق بطوق النجاة... و كأنها آخر ما تبقّى لي... من وليد قلبي...

بعد قليل... رأيت سيارة تتوقف أمامنا ... فزعت ... اشتد قبضي على ذراع وليد ... هززتها بقوة و هتفت بانفعال :

" وليد انهض "

لم يفق ... تسارعت ضربات قلبي و اصطدمت ببعضها البعض... غرست أظافري في ذراع وليد و أنا أرى باب تلك السيارة ينفتح و صرخت بقوّة :

" وليد ... انهض أرجوك... أرجوك "

أحس وليد بشيء يعصر ذراعه... و أصدر صوت أنين مخنوق ...

ثم بدأ يتحرك و أخيرا فتح عينيه...

التفت إلي ّ بجهد بالغ ... دون أن يبعد رأسه عن المسند ... و لما التقت نظراتنا رأيت المرض مستحوذا عليه... أيما استحواذ... رأيت القلق و الألم ينبعان من أعماق عينيه...

قلت و الفزع يصرخ في حنجرتي :

" وليد... أفق أرجوك... إنهم قادمون "

مشيرة نحو السيارة...

وليد نظر إلى السيارة و قطب جبينه ثم قال بصوت شديد البحة بالكاد يسمع و يفهم:

" اتصلي بسامر "

حملقت به غير مستوعبة للجملة... و كررت لأتأكد :

" سامر ؟؟ "

وليد أغمض عينيه في ألم و قال :

" سامر... هيا يا رغد ... "

هتفت :

" وليد.... "

في فزع و قلق شديدين...

لكنه لم يجب... لا بالكلام، و لا بالأنين، و لا حتى بطرفة عين...

هاتف وليد كان موضوعا في أحد الأرفف أمامي مباشرة، و بسرعة تناولته و اتصلت بسامر...


~~~~~~~~~



فور وصولي إليهما، تفاقم الذعر الذي كان قد أصابني مذ سمعت رغد تقول :

" الحق... يا سامر... وليد متعب جدا "

المشوار استغرق منّي حوالي العشرين دقيقة و أنا طائر بالسيارة على الطريق البري...
الطقس في ذاك اليوم كان سيئا للغاية و مررت بأكثر من حادث مروري أثناء سيري...

سيارة وليد كانت مصطدمة بأحد المصابيح الضوئية و من الضرر الظاهر عليها يتضح أن وليد لم يكن مسرعا جدا ...
أوقفت سيارتي على مقربة و خرجت مباشرة مهرولا ... الجو كان عاصفا، باردا و ممطرا... و الشارع خال ٍ من السيارات...

رأيت رأس وليد مسندا إلى المقعد... و عينيه مغمضتين ... و كان ساكنا عن الحراك...
أما رغد فقد كانت جالسة على المقعد المجاور له و متشبثة بذراعه... في وضع يوحي للناظر إليها أنها مفزوعة جدا

اقتربت من باب وليد و لما هممت بفتحه وجدته مغلقا... طرقت النافذة و أنا أقول :

" افتح الباب "

و شقيقي لم يحرّك ساكنا. هتفت مخاطبا رغد و التي كانت آنذاك تراقبني في وجل :

" افتحي الباب يا رغد "

و لم تفعل ذلك مباشرة... بل استغرقت بعض الوقت تحملق بي
ألم تستوعب بعد أنني سامر ؟؟

بمجرد أن فتحـَت هي القفل فتحتُ أنا الباب و أطللت برأسي إلى الداخل:

" وليد... أأنت بخير ؟"

و هالني أن أرى بعض الدماء تلوث أنفه و شفتيه و فكه السفلي... و حتى ملابسه...

وليد التفت نحوي ببطء و حذر و فتح عينيه ثم قال :

" أنا متعب... "

ثم رفع يده اليسرى و وضعها على رأسه إشارة منه إلى مصدر التعب... لابد أن رأسه أصيب في الحادث... لطفك يا رب...

قلت و أنا أمد يدي إليه لمساعدته على النهوض :

" أتستطيع النهوض ؟ قم معي... "

وليد أزاح يده عن رأسه و أشار إلى رغد و هو يخاطبها دون أن يلتفت إليها :

" تعالي رغد "

حينما نظرت إليها رأيت الذعر يملأ قسمات وجهها و الرجفة تسري في جسدها ربما من الخوف أو من برودة الهواء المندفع بقوة عبر الباب، حاملا معه قطرات المطر...
و كانت تمسك بذراع وليد تكاد تعانقها...

إن شهورا طويلة قد مضت على لقائنا الأخير... و هذه ليست باللحظة المناسبة لأسرد لكم كيف أشعر... و لا حتى لأسمح لنفسي بأن أشعر...

ساعدت شقيقي على النهوض، و بمجرد أن وقف استند إلي، ثم فجأة تركتي و جثا أرضا و جعل يتقيأ

و أيضا رأيت الدماء تنسكب من جوفه على الأرض... ما جعلني أزداد فزعا... و ما جعل رغد تقبل نحونا مسرعة و تشهق بقوّة...

شقيقي بدا مريضا جدا... و الواضح أنه مصاب بدوار شديد لا يستطيع معه تحريك رأسه ...
لا شك أن الإصابة قد شملت دماغه...
يا رب... خيب شكوكي...

بعد ذلك، أسندته إلي ّ مجددا و سرنا مترنحين نحو سيارتي... تلفحنا الرياح و يغسلنا المطر... و يقرصنا البرد... و كان وليد رغم حالته الفظيعة تلك و صوته المبحوح ذاك لا يفتأ ينادي :

" تعالي يا رغد "

أما هذه الأخيرة فقد كانت تسير إلى جانبنا ضامّة ذراعيها إلى صدرها يعلوها الذعر... و تنساب قطرات لامعة على وجهها لا أستطيع الجزم ما إذا كانت من ماء السماء أو ماء العين...

جعلت أخي يضطجع على طول المقاعد الخلفية مثنيا ركبتيه، وقلت مخاطبا رغد :

" اركبي "

و قد كانت لا تزال واقفة إلى جواري عند الباب الخلفي تنظر إلى وليد بهلع
و الأخير قال مؤكدا :

" اركبي يا رغد "

عدت إلى سيارة شقيقي لإغلاقها و جلب المفاتيح و أقبلت ُ مسرعا... و فور جلوسي على المقعد نزعت نظارتي المبللة و فركت يدي ّ الباردتين ببعضهما البعض ثم التفت نحو رغد الجالسة إلى جانبي و سألتها للمرة الأولى :

" هل أنت بخير ؟؟ "

و لكم أن تتصوروا مدى الدهشة التي تملكتها و هي تنظر إلي... !

سألتني مذهولة :

" ماذا فعلت بوجهك ؟؟ "

" لا يهم... ماذا حصل معكما ؟؟ "

أخبرتني رغد بأن وليد كان مريضا و لكنه قدم إلى المدينة الصناعية ليصطحبها إلى مزرعة أروى و من ثم ينطلقون إلى المدينة الساحلية من أجل العمل... و أنه كان يقود بسرعة معتدلة و بدا متعبا ثم انحرف في سيره و اصطدم بعمود المصباح... و فقد وعيه...

و أن إحدى السيارات قد توقفت للمساعدة لكن وليد صرف راكبيها و لم يسمح له بتقديم العون...

و هي تتحدث كانت تتوقف لالتقاط أنفاسها أو لإلقاء نظرة على وليد... و لم يخف َ علي مدى القلق و الهلع الذين كانت تعانيهما آنذاك...

ذهبنا مباشرة إلى إحدى المستشفيات و حضر فريق طبي و حمل وليد إلى غرفة الطوارئ و بدؤوا بفحصه و علاجه...

و الطبيب يفتح قميصه ليفحصه هالني منظر رهيب...
الكثير من الندب و آثار جروح قديمة مختلفة مبعثرة على جدعه... لم يسبق لي ملاحظتها قبل اليوم...
أما الطبيب فقد تبادل هو من معه النظرات الغريبة... و علامات التساؤل...

أمر الطبيب بعدها بإجراء فحوصات ضرورية ليتأكد من الحادث لم يؤثر على رأس وليد... و جعلتنا شكوكه ندور في دوامة الجحيم ... إلى أن ظهرت النتائج مطمئنة و الحمد لله...
ثم أمر بإبقائه في غرفة الملاحظة إلى أن يعيد تقييم حالته، و رجح أن يستلزم الأمر إدخاله للمستشفى...
غرفة الملاحظة تلك كانت تحوي مجموعة من الأسرة لا تفصل بينها أي ستائر... و هي خاصة بالرجال فقط...

" يمكنك ِ الانتظار هناك "

قال الممرض مخاطبا رغد و مشيرا إلى غرفة الانتظار الخاصة بالسيدات لكن رغد لم تتزحزح قيد أنملة و بقيت واقفة معي إلى جوار وليد

و لأن الغرفة كانت تخص الرجال و ممتلئة بهم فقد شعرت بحرج الموقف و قلت مخاطبا وليد الممدد على السرير بين اليقظة و النوم :

" سننتظر في الخارج... سآتي لتفقدك بعد قليل "

وليد فتح عينيه و خاطبني :

" انتبه لها "

ثم وجه نظره إلى رغد ... رغد سألته مباشرة و بلهفة :

" هل أنت بخير ؟ "

وليد قال و هو يغمض عينيه :

" سأنام قليلا... "

و يبدو أنه نام فورا ....

لم يكن بحاجة لتوصيتي على رغد... هل نسى أنها قبل شهور و إن طالت... كانت خطيبتي ؟
أم هل نسى أنها... و منذ ولدت كانت و لا تزال ابنة عمّي ؟ و أنها و منذ الطفولة... رفيقة عمري؟؟؟
خرجنا من غرفة الملاحظة تلك... و وقفنا في الممر لبعض الوقت...
رغد سألتني آنذاك:

" هل سيكون بخير ؟ "

كنت حينها أنظر إلى أرضية الممر الملساء... و أستمع إلى خطوات المارة حين تدوس عليها...
و أضرب أخماسا بأسداس ... في مخاوفي و توجساتي...
رفعت رأسي و نظرت إليها... لم يزل الهلع مرسوما لا بل محفورا على قسمات وجهها...
كانت تضم يديها إلى بعضهما البعض و تعبث بأصابعها بتوتر شديد... و الله الأعلم... من منّا أكثر قلقا و أحوج إلى المواساة...

قلت مجيبا عن سؤالها :

" نعم، إن شاء الله "

قالت بانفعال :

" و ماذا عن الدماء التي خرجت من جوفه ؟ "

قلت :

" تعرفين أنه مصاب بقرحة في معدته منذ العام الماضي... ربما عاودت النزيف "

امتقع وجه رغد و احتقنت الدماء فيه فغدا أشبه ببركان على وشك الانفجار... و قالت :

" و هل رأسه سليم حقا ؟؟ هل الطبيب واثق من ذلك؟؟ لماذا نزف أنفه إذن ؟؟ لماذا لا يسترد وعيه كاملا ؟؟ "

و هو السؤال الذي يدور في رأسي و يضاعف مخاوفي... و ما من جواب...

رغد لما رأت صمتي تفاقم هلعها و هتفت و هي بالكاد تزفر أنفاسها :

" إن أصابه شيء فأنا سأموت "

و جاءت كلماتها و كأنها تهديد أكثر من كونها قلقا... كأنها تهددني أنا بأن تموت هي لو أصاب وليد شيء لا قدّر الله... و كأنني المسؤول عمّا أصابه... و كأنني أملك تغيير القدر...
وكأنني جدار مصنوع من الفولاذ... يمكنه تلقي أقسى الطعنات من أعز الأحباب... دون حتى أن يخدش

رفعت رغد يدها إلى وجهها تداري ما لا تجدي مداراته أمام مرآي...

" يا رب... أرجوك... أبقه لي ... يكفي من أخذت... أرجوك... أرجوك ... أرجوك... "

تفطّر قلبي بسببها و لأجلها... و أوشكت على النحيب معها...
و تذكّرت الحالة التي اعترتها بعد وفاة والدي ّ ... و التي خشينا أن تلحق بهما بسببها لولا لطف الله و رحمته...

تركتها تبكي لبعض الوقت... فقد كانت بحاجة لذلك... ثم قلت مشجعا وأنا المنهار المكسور :

" اطمئني يا رغد... سيتعافى بإذن الله "

بعد هذا ذهبنا إلى السيارة و بقينا في داخلها نعد الثواني و الدقائق و الساعات... و قلبانا لهجان بالدعاء و التضرع إلى الله...
و كنت أمر لتفقّد شقيقي بين فترة و أخرى و أراه لا يزال نائما ... و أرى كيسا يحوي مجروش الثلج يوضع على رأسه من حين لآخر...

في آخر مرة... و أنا أتأمل شقيقي عن كثب، و هو بهذه الحال السيئة... و وجهه شديد الشحوب و شعره قد طال و تبعثر فوق جبينه و الجليد ينصهر في الكيس الموضوع عليه... و الدماء متخثرة في أنفه المعقوف... و بعض آثارها تختبئ بين شعيرات ذقنه النابتة عشوائيا...
و الأنفاس الشاهقة الساخنة تنطلق عبر فمه و الندب القديمة تغطي جسده فيما السائل الوريدي يتدفّق إلى عروقه بسرعة... و أنا أتأمل كل هذا و ذلك ... شعرتُ بأسى شديد عليه...
كم بدا لي... مريضا ضعيفا عاجزا... و هو ذلك الجبل القوي الذي لم يتزعزع لدخوله السجن أو لكارثة تدمير مدينتنا أو لوداع شقيقتنا... أو لفاجعة موت والدي ّ ...
حقيقة كان هو الأقوى و الأصلب من بيننا جميعا... و كان الجدار الذي استندنا عليه للنهوض من جديد ...

لم أكن قد قابلته منذ شهور... كان يحرص على الاتصال بي من حين لآخر... و يخبرني بتطورات ما حصل معه... و يلح علي للانتقال إلى المدينة الساحلية و العمل و العيش معه في رغبة كبيرة منه لم شمل العائلة المشتت...

و لكن... هل بإمكاني العيش في مكان تعيش فيه رغد... أو تحت ظل سقف ضم والدي ّ إليه ذات يوم ...؟
آه يا والداي... و آه لما حل بنا... بعد رحيلكما...
أمسكت بيد شقيقي و قد اعتصرني الألم... و كلما اعتصرني أكثر ضغطت عليها أكثر... حتى انتبه وليد و أفاق من النوم...

نظر وليد إلي و ربما لمح بقايا اعتصار قلبي بادية على وجهي... ثم نظر من حولي ثم قال :

" أين رغد ؟ "

و ليته سأل عن أي شي آخر سواها...
ليته سأل... عن جثتي والدي ّ و عن الجروح التي كانت تغطيهما كلية...
ليته سأل عن الهول الذي أصابني و أنا أدقق النظر في جثمانيهما و بملء إرادتي... لا أكاد أميّزهما...
ما حييت ... لن أنسى تلك الصورة البشعة... أبدا...
و ربما كانت رؤية الندب على جسد شقيقي و الدماء المتخثرة في أنفه هي ما أثار في نفسي هذه اللحظة تلك الذكرى الفظيعة المفجعة...

" أين رغد يا سامر ؟ "

عاد شقيقي يسأل و قد علاه القلق، أجبت مطمئنا :

" في السيارة "

قال معترضا :

" تركتها وحدها ؟ "

قلت :

" كنت معها، أتيت لأتفقدك دقيقة "

قال :

" أهي بخير ؟ "

أجبت :

" نعم، الحمد لله لم تصب بأي أذى... أنت فقط جرحت أنفك "

و تبادلنا النظرات الدافئة...

قلت :

" سلامتك يا وليد "

و أنا أشدد الضغط مجددا على يده، وليد تنهد و رد بصوته الخافت :

" سلمك الله "

قلت :

" كيف تشعر الآن ؟ "

" الحمد لله.. أظنني تحسنت "

نقل وليد نظره من عيني إلى الساعة المعلقة على الجدار و التي كانت تشير إلى الرابعة عصرا ثم قال :

" هل كنت نائما كل هذا الوقت ؟! "

" نعم... كنت متعبا جدا "

قال و هو يزيح كيس الثلج بعيدا :

" أنا أفضل الآن "

و حاول النهوض قائلا :

" دعنا نغادر "

اعترضت و طلبت منه أن يبقى حتى يأذن الطبيب بانصرافه لكن وليد أصر على مغادرة المستشفى تلك الساعة و لم أجد بدا من تنفيذ رغبته...

عندما لمحتنا رغد نقترب من السيارة خرجت منها مسرعة و على وجهها مزيج متناقض من الراحة و القلق... ثم سألت موجهة الخطاب نحو وليد :

" هل أنت بخير ؟ هل تعافيت ؟ "

وليد هز رأسه إيجابا ... و إن كان جليا عليه التعب و الإعياء
ركبنا أنا و هو في مقدمة السيارة و جلست رغد خلفنا...

لمح وليد مفاتيح سيارته موضوعة على رف أمامي فسأل :

" أين هاتفي ؟ "

أجابت رغد الجالسة خلفنا :

" تركتـُه في مكانه "

قال وليد :

" اتصلي بالمزرعة... لابد أنهم قلقون الآن ... أخبريهم بأننا بخير و سنقضي الليلة عند سامر"

و لما لم يصدر من رغد أي شيء يدل على أنها سمعت أو فهمت ما قال ، ناداها وليد

" رغد ؟؟ "

فقالت مباشرة :

" حاضر "

و بادرت بالاتصال عبر هاتف محمول تحمله في حقيبتها... ظننته هاتف وليد ثم اكتشفت لاحقا أنه يخص رغد...

قال وليد :

" لا تأتي بذكر الحادث "

قالت رغد :

" حاضر "

و بعد جمل قصيرة دفعت رغد بالهاتف إلى وليد الذي راح يكرر أنهما بخير و أنهما سيأتيان لاحقا و أنهما سيقضيان هذه الليلة ... في شقتي أنا !


~~~~~~~~~







قديم 31-01-2009, 02:22 AM   رقم المشاركة : 163
!!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
Band
 
الصورة الرمزية !!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
 






!!! الرومـ ^_* ـانسي !!! غير متصل


الشقة التي أخذنا سامر إليها كانت جديدة... و يبدو أن سامر قد انتقل إليها قبل بضعة أشهر... و هي شقة صغيرة لا تحوي غير غرفة نوم واحدة و غرفة معيشة صغيرة و حمام واحد !

فور وصولنا قاد سامر وليد إلى السرير الوحيد في ذلك المكان فاضطجع وليد عليه و التقط بعض الأنفاس ثم قال :

" أنا آسف... لكنني متعب للغاية "

سامر قال مباشرة :

" لا عليك... عد للنوم يا عزيزي "

وليد نظر إلي و كأنه يطلب الإذن مني ! قلت :

" ارتح وليد ... خذ كفايتك "

وليد نظر إلى سامر ثم قال :

" اعتنيا بنفسيكما "

ثم أغمض عينيه و استسلم للنوم !

أجلس ُ أنا و سامر في غرفة المعيشة نشاهد التلفاز و لا يجرؤ أحدنا على النبس ببنت شفة !
لكم أن تتصوروا حرج الموقف... فالرجل الذي يجلس معي هنا كان قبل فترة خطيبي... خطيبي الذي عشت و ربيت معه... و وعيت لهذه الدنيا و أنا في صحبته...
و هو و منذ أن أبلغني بأنه أطلق سراحي... ذلك اليوم ... و نحن في المزرعة... لم يعد له وجود في حياتي...

الشهور توالت بسرعة و توقفنا عن تبادل الزيارات و حتى المكالمات...
لا أعرف تحديدا أي أفكار تدور برأس سامر هذه الساعة إلا إنني متأكدة من أنه أبعد ما يكون عن التركيز في البرنامج المعروض على الشاشة...

عندما حان موعد الصلاة أخيرا تكلّم...

" سوف أذهب لأداء الصلاة و من ثم سأمر بأحد المطاعم "

قال ذلك و هو ينظر إلى ساعة يده، ثم تابع :

" لن أتأخر... تصرفي في الشقة بحرية "

و نهض و سار نحو الباب...

لم أجرؤ على قول شيء... ماذا عساي أن أقول و أنا في موقف كهذا؟؟ و كيف يخرج و يتركنا وحدنا و وليد مريض جدا ؟؟

قبل أن يغلق الباب و هو في الخارج سمعته يقول :

" أتأمرين بأي شيء ؟ "

رفعت بصري إليه ... كنت أريده أن يستشف من نظراتي اعتراضي على ذهابه... لكنه غض بصره مباشرة و أشاح بوجهه جانبا...

شعرت بألم...

ليتكم تشعرون بما أشعر... بل لا أذاقكم الله شعورا مماثلا...

سامر... كان رفيق طفولتي و صباي و شبابي... كان أقرب الناس إلي... كان مسخرا وقته و كل ما باستطاعته من أجلي أنا... كان يحبني حبا جما... كثيرا جدا... و لم يكن أبدا... أبدا... يشيح بوجهه عنّي أو يتحاشى النظر إلي... لقد كنت خطيبته و لم يكن شيء أحب إليه من النظر إلي و الجلوس بقربي...

و الآن ... ؟؟

طأطأت رأسي في أسى و حسرة... و كيف لا أتحسّر و آسف على فقد إنسان عنى لي مثل ما عناه سامر طوال تلك السنين ...؟؟
إنه ... لم يفقد أحد ذويه مثلما فقدت ُ أنا... و مثل من فقدت أنا...

لما لم يجد سامر مني الجواب، انصرف مغلقا الباب بالمفتاح...

حينها لم أتمالك نفسي و جعلت أبكي...

بعد ما يقرب من النصف ساعة توهمت سماع صوت منبعث من غرفة النوم... و بدأ الوهم يتضح أكثر فأكثر... حتى تيقنت من أنه وليد...

ذهبت إلى الغرفة و أنا أسير بحذر... و ناديت بصوت خافت :

" أهذا أنت ... وليد ؟ "

كانت الغرفة مظلمة إذ أن سامر كان قد أطفأ المصابيح عندما غادرناها...

وليد قال بصوته الشبه معدوم :

" رغد ؟ ... "

" نعم... هل أنت بخير ؟ "

وليد بدأ يسعل بشدة سعالا استمر لفترة...
أفزعني سعاله... فتشت عن مكابس الإنارة و أضأت الغرفة...

كان لا يزال في نوبة سعال لم تنه...

" هل أنت بخير ؟؟ "

لم يكن يستطيع التوقف... تفاقم قلقي و نظرت من حولي ثم خرجت إلى غرفة المعيشة بحثا عن بعض الماء...

عدت إليه مسرعة و قدمته إليه... و بعدما شربه انتهت النوبة و ارتمى على السرير مجددا...
و أخذ يتنفس بعمق من فمه و يسعل أحيانا...

هدأ قليلا ثم سألني :

" أين سامر ؟ "

قلت :

" ذهب ليصلي... "

قال :

" اتصلي به "

وقفت مأخوذة بالهلع... و سألت :

" اتصل به ؟؟ "

قال :

" نعم... أنا متعب "

و شعرت بأعصابي تنهار... و ما عادت ساقاي بقادرتين على حملي... كنت أقف بجوار وليد و أرى بوضح علامات التعب و المرض ثائرة على وجهه

قلت بصوت متبعثر متفكك :

" ما بك يا وليد ؟ طمئني أرجوك ... "

و اجتاحتني رغبة عارمة في البكاء...
وليد نظر إلي و مد يده و أمسك بأصابعي ... و شعرت بحرارته الشديدة تنتقل إلي... ثم قال :

" لا تقلقي... أنا بخير "

قلت بانفعال :

" لا لست بخير ! أنت مريض جدا ... أرجوك أخبرني ... هل قال الطبيب شيئا ؟ "

وليد أطال النظر في عيني ... و كأنه يبحث عن شيء مختبئ خلف بؤبؤيهما... ثم قال بحنان :

" هل... تخافين علي ؟ "

أخاف عليك؟ بل أكاد أموت من الفزع عليك... ألا ترى أن ساقي ّ... ترتجفان ؟ ألا تشعر بأنني... سأهوي أرضا ؟ ألم تحس برعشة يدي و برودتها ؟ لقد جفّت دمائي فزعا عليك يا وليد... و القلب الذي ينبض بداخلي... يضخ فراغا...
وليد ... ألم تفهم ؟؟

قلت بصوت متقطّع واهن :

" وليد... أنا... إنني ... "

و هنا عادت نوبة السعال إليه مجددا... أقوى و أعنف...

لم أحتمل ذلك ... كادت روحي تخرج مع سعلاته ... أسرعت أجر ساقي ّ جرا ... إلى هاتفي و اتصلت بهاتف سامر...

" من معي ؟ "

" أنا رغد... "

" رغد ؟؟ "

" نعم... سامر عد بسرعة أرجوك "

" ماذا حدث ؟ "

" وليد مريض جدا ... أنا سأنتهي... "

و انهارت ساقاي أخيرا و هويت أرضا... و أخذت أبكي بل أصرخ ... لا أعرف ما قال سامر... لم أسمع أو لم أع ِ شيئا... و لم أقو َ بعدها على النهوض...

ربما كان سامر على بعد أمتار من الشقة لأنه حضر بسرعة و ما إن دخل الشقة حتى هتفت :

" أرجوك افعل شيئا ... لا تدعه يموت ... "

كنت جاثية على الأرض في عجز تام... سامر لم يطل النظر إلي ّ ... بل ألقى بالأكياس التي كان يحملها جانبا و أسرع نحو الغرفة...

~~~~~~~~


وليد كان يسعل بشدة و بالكاد يجذب أنفاسه... و كان العرق يتصبب من جبينه بينما يشتعل جسده حرارة... لدى رؤيته بهذا الشكل، أصبت بالروع ... و قررت إعادته إلى المستشفى فورا...
رغد الأخرى كانت بحالة سيئة و بصعوبة تمكنت من النهوض و مرافقتنا...

هناك شخـّص الطبيب حالته على أنها التهاب رئوي حاد... و أمر بإدخاله إلى المستشفى مباشرة... لكن وليد رفض ذلك تماما و اكتفى بقضاء بضع ساعات تحت العلاج...

أمر الطبيب بحقنه بعدة أدوية... و أبقى قناع الأوكسجين على أنفه طوال الوقت... و ظل يتلقى العلاج حتى انخفضت حرارته و تحسن وضعه العام قليلا...

أما رغد فقد كانت منهارة و مشتتة للغاية... و ما فتئت تطلب مني أن :

" لا تدعه يموت ... أرجوك "

و كـأن الموت بيدي أو أملك لمنعه سبيلا...

أظن أن وفاة والدي ّ اللذين كانت هي متعلقة بهما كثيرا... و بحاجة إلى رعايتهما... جعلها تتصور الموت يحيط بها و تخشى حدوثه...

و ربما أيضا كان للمأساة التي عاشتها ليلة القصف على المدينة... أثرها العظيم ...

و بالتأكيد... فإن حبّها لوليد جعلها في هوس على صحته... و حياته...

لا زلت أذكر كيف استقبلته في ليلة زواج دانة... و كيف تدهورت صحتها و نفسيتها بعدما علمت بأمر ارتباطه بأروى...
و كيف كانت تراقبهما بغيظ في المزرعة... فيما أنا أتفرج عليها... و أقف كالشجرة... بلا حول و لا قوّة...

و ها أنا الآن أقف كالشجرة... أمام شقيقي و خطيبتي السابقة... بلا حول... و لا قوّة...

تمر الساعات بطيئة ثقيلة داكنة... خرساء عن أن كلمة أو إشارة... و كلّما أن ّ وليد اخترق خنجر صدي... و كلّما تأوه مزقت سكين أحشائي... و كلّما أفاق استقبلته أنظارنا بلهفة... فيقول :

" أنا بخير "

و كلما أغمض عينيه رفعت عيني إلى السماء داعيا الله أن يجعله بخير...

كان وقتا عصيبا... اكتشفت فيه أنني أحب شقيقي هذا أكثر مما كنت أعتقد... و بالرغم من كل شيء أو أي شيء...

مع مرور الوقت تحسنت حالته و استرد بعضا من قوّته و طلب منّي إعادته إلى الشقة...

" و لكن يا عزيزي... الطبيب ينصح ببقائك "

فرد :

" أنا بخير الآن... لنعد يا سامر... لابد أنكما متعبين... و خصوصا رغد "

و فهمت ما يرمي إليه...

رغد قالت معترضة :

" أنا بخير "

فقال وليد :

" و أنا كذلك "

و نظر إلي ّ ... فقلت :

" حسنا... هيا بنا "

و في الواقع لم يكن هناك حل أفضل من العودة في تلك الساعة المتأخرة من الليل...

في الشقة بدا شقيقي أفضل حالا بعض الشيء و لكنه لم يستطع مشاركتنا الطعام لشعوره بألم في معدته. الطعام كان مجموعة من الشطائر و العصائر... كنت قد جلبتها من أحد المطاعم أول الليل.. تناولناها أنا و رغد و نحن نراقب وليد... في غرفة النوم...

السكون التي ساد وليد جعلنا نستنتج أنه نام مجددا...

خاطبتني رغد سائلة :

" إنه أفضل... سيتحسن... أليس كذلك ؟ "

قلت :

" إن شاء الله... "

رغد قالت برجاء شديد :

" أرجوك... اعتن ِ به جيدا... افعل أي شيء لعلاجه "

أجبرتني جملتها على النظر إليها ثوان ثم بعثرت نظراتي بعيدا...
و هل تظنين يا رغد... أنني سأقف متفرجا على شقيقي و هو مريض بهذا الشكل ؟؟
أم تظنين أنني سأقصّر في العناية به انتقاما لما فعله بي في السابق ؟؟
أم تعتقدين أن هروبك منّي إليه سينسيني دماء الأخوة التي تجري في عروقي و عروقه؟؟

قالت رغد :

" يوم الغد... سأطلب من خالتي الحضور لأخذي معها... و بالتالي يتسنى لك نقله للمستشفى و معالجته "

و كلنا يدرك أن وليد رفض دخول المستشفى بسبب وجود رغد... إذ لم يكن من اللائق إدخاله إلى المستشفى و عودتنا وحيدين إلى الشقة...

تابعت رغد:

" سأتصل بها باكرا لتأتي سريعا... لا يجب أن نتأخر أكثر من ذلك... "

و لم أعقّب على حديثها بل كنت ألهي نفسي بشرب بقايا عصير الفراولة من كأسي الورقي... علها تطفئ شيئا من لهيب صدري...

قالت رغد :

" أنا آسفة لأنني عطّلت الأمر ... "

جملتها هذه أثارت اهتمامي... لكني تظاهرت باللامبالاة...

استرسلت رغد :

" لطالما كنت... و سأظل عقبة في طريقكم جميعا... لطالما سبب و سيسبب وجودي لكم التعطيل و الضيق... أنا آسفة... لقد طلبت منه أن يتركني في بيت خالتي لكنه من أصر على أخذي معه... سأبقى عبئا و عالة عليكم رغما عني... لكن... ماذا أفعل ؟ فأنا لا والدين لي ... "

و كصفعة قوية تلقيت كلمات رغد... صفعة لم تدر وجهي نحوها فقط بل جعلتني أحملق فيها بذهول...

رغد من فورها خرجت مسرعة من الغرفة... لتخبئ دموعها خلف الجدران...

لم استطع أن أحرك ساكنا... أحسست بالمرارة في داخلي بل و في عصير الفراولة على لساني...
و تركتها تبكي و أنا في عجز تام عن تقديم شيء من المواساة... أو تلقي شيئا منها...


~~~~~~~~

الساعة تشير إلى الواحدة و الربع بعد منتصف الليل...
أنا متعبة و في صدري ضيق شديد... على وليد و على حالي التعسة
و هل لمثل حالتي شبيه؟؟
في شقة صغيرة لساكن أعزب، أبقى على المقعد ساهرة حتى ينتصف الليل... و ابنا عمّي موجودان في داخل غرفة النوم... أحدهما على الأقل يغط في سبات عميق !
ألا ترون جميعا أنه لا مكان لي هنا و أن وجودي أصلا في هذه الشقة و مع ابني عمّي... هو أمر مستهجن ؟

ما كان ضر وليد لو تركني أقيم و أبات في بيت خالتي معززة مكرمة ... محبوبة مرغوب بها من جميع أفراد العائلة؟؟

رفعت يدي إلى السماء و شكوت إلى الله حالي و بثثته همّي... و تضرعت إليه... و رجوته مرارا و تكرارا... أن يشفي وليد... و أن يجد لي من هذه الكربة العظيمة مخرجا قريبا...

كنت لا أزال أرتدي عباءتي و حجابي منذ الصباح... و كنت و بالرغم من ملابسي الثقيلة أشعر بالبرد... إضافة إلى الشعور بالعتب الشديد و النعاس... و بحاجة للنوم و الراحة... و لكن أين أنام و كيف أنام ؟؟ و هل يجوز لي أن أنام؟؟
لماذا لم يظهر سامر حتى الآن ؟؟ هل نام و تركني هكذا ... أم هل نسي وجودي ؟؟

لم أعرف كيف أتصرّف و لم أكن لأجرؤ على العودة إلى غرفة النوم بطبيعة الحال...
ذهبت بعد ذلك إلى دورة المياه الوحيدة في تلك الشقة... و كم شعرت بالحرج من ذلك... خصوصا حينما نظرت إلى نفسي عبر المرآة و وقع بصري على أدوات الحلاقة مبعثرة على الرف !

يا إلهي !
ما الذي أفعله أنا هنا !!؟؟

عندما خرجت، وجدت وسادة و بطانية قد وضعا على المقعد...
إذن فسامر لا يزال مستيقظا... و لا بد أنه التقط موجات أفكاري أخيرا !

المقعد كان صغيرا و لا يكفي لمد رجليّ ، لكنني على الأقل استطيع أن أريح جسدي قليلا فوقه...
أنا متعبة و أريد أن أنام بأي شكل...
و ببساطة نزعت عباءتي و حجابي و استلقيت على المقعد والتحفت البطانية و سرعان ما نمت من شدة التعب... !

عندما نهضت كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة بقليل... نهضت عن المقعد بسرعة شاعرة ببعض الألم في ظهري أثر الانكماش !

كنت أتوقع النهوض في وقت أبكر و كنت أنوي الاتصال بخالتي مباشرة...
تلفت يمنة و يسرة...و دققت السمع فوصلني صوت محادثة...

لابد أن ابنا عمّي قد نهضا...
ارتديت عباءتي و حجابي بسرعة و فركت عيني ّ لأزيل عنهما أثر النوم... ثم سرت نحو الغرفة المفتوحة الباب و أنا أقول :

" وليد... سامر... هل نهضتما ؟ "

وصلني صوت سامر :

" نعم تفضلي "

دخلت الغرفة و أنا ألقي التحية... و وجهت بصري مباشرة نحو وليد :

" وليد هل أنت بخير ؟ "

وليد كان جالسا على السرير و مسندا ظهره إليه ... و كان يبدو أفضل حالا من يوم أمس... و إن ظهر الشحوب جليا على وجهه ...

ابتسم وليد ابتسامة مطمئنة و قال بصوته المريض :

" نعم. الحمد لله "

قلت و أنا أتنهّد بارتياح :

" الحمد لله "

ثم أضفت :

" هل نمت جيدا ؟ هل تشعر بتحسن ؟ و هل زالت الحرارة ؟ "

قال :

" نعم. فهذه الأدوية سحرية ! "

قال ذلك و هو يشير إلى الأدوية المصفوفة إلى جوار السرير على المنضدة و التي كانت الطبيب قد وصفها له يوم أمس...

قلت :

" لكن يجب أن تستكمل علاجك في المستشفى كما أمر الطبيب... سأتصل بخالتي "

و استدرت و خرجت من الغرفة عائدة إلى حيث تركت حقيبتي و هاتفي...
و أنا أمسك بالهاتف لمحت سامر مقبلا...
قال :

" انتظري "

نظرت إليه باستفسار .. و دون أن ينظر إلي ّ قال :

" وليد يريد التحدث معك..."

حملت هاتفي معي و ذهبت إلى وليد... أما سامر فأظن أنه خرج...
وقفت قرب الباب... منتظرة ما يود وليد قوله... وليد لم يبدأ الحديث مباشرة... لا أعرف إن كان السبب بحة صوته أو تهيج حلقه، أو تردده في قول ما سيقول...

تناول وليد كأس الماء الموضوع مع الأدوية و شرب قليلا ثم قال :

" أنا آسف يا رغد... "

حقيقة أنني توقعت أن يقول أي شيء آخر... عدا الأسف !

" لم الأسف ؟؟ "

قال و هو يحاول جعل جمله قصير لئلا يتعب حباله الصوتية :

" كنت متعبا.. اعذريني.. هل نمت ِ جيدا ؟ "

ابتسمت وقلت بمرح:

" نعم... عدا عن وجع في الظهر و برودة في الأطراف ! "

وليد قال :

" لم يكن أمامي حل أفضل.. أنا آسف "

قلت مباشرة :

" لا تهتم.. الأمر ليس سيئا لهذا الحد "

أناقض بذلك الحقيقة التي عشتها ليلة أمس و أنا نائمة دون حجاب على مقعد صغير في شقة عزوبة صغيرة مع ابني عمّي الشابين.. لا يفصلني عنهما غير جدار واحد يتوسطه باب مفتوح على مصراعيه طوال الليل !

هل يبدو الأمر سيئا إلى ذلك الحد !؟

وليد قال :

" على كل.. كان ظرفا طارئا لن يتكرر بإذن الله "

خفضت ببصري خجلا... و لم أجد تعليقا مناسبا

وليد قال :

" سنغادر عصرا إن شاء الله "

قفزت ببصري إليه مجددا و كلي استنكار و اعتراض... قلت :

" اليوم ؟ عصرا ؟ "

" نعم "

" و ماذا عن ... المستشفى ؟ "

" لا ضرورة لها فأنا في تحسن "

لم يعجبني ذلك فقلت :

" لكن الطبيب ليلة أمس شدد على ضرورة تلقيك العلاج في المستشفى "

فرد وليد:

" سأتعافى مع هذا العلاج بإذن الله "

صمت ّ في حيرة من أمري... بعدها سألت :

" لكن.. ألا يجدر بك ملازمة الفراش؟ كيف ستقود السيارة ؟ "

قال :

" سامر سيصطحبنا إلى المزرعة... كما و أن سيارتي ... كما تعلمين ! "

و تذكرت أننا تركنا السيارة في الشارع في وجه الريح و المطر... و أن هاتف وليد في داخلها
ربما قرأ وليد التردد المكتوب على وجهي... لذا سألني :

" أهناك ما يقلقك ؟ "

نعم يا وليد ! هناك الكثير الكثير... لأقلق بشأنه ... و أوله أنت !

قلت :

" لم لا تنتظر إلى أن تسترد عافيتك يا وليد؟ إن كان الأمر بشأني أنا... فأنا سأطلب من خالتي الحضور الآن لأخذي معها... و... "

و أخذا وليد يهز رأسه اعتراضا...

قلت :

" هكذا ستتمكن من... "

لكن وليد قاطعني :

" كلا يا رغد... "

حاولت المجادلة لكنه قال بصرامة لا تتفق و حالته المريضة :

" كلا "

لذت بالصمت بضع ثوان... و أنا في حيرة من أمر هذا الـ وليد !

مادام يجدني عائقا في سبيل تحركاته، لم لا يتركني مع خالتي؟؟ لم يزيد عبء مسؤولياته بينما أنا على استعداد بل و راغبة بشدة في إعتاقه من مسؤوليته تجاهي؟؟

قلت بصوت ضعيف مغلوب على أمره :

" وليد... أنا لا أريد العودة إلى المزرعة... "

نظرت إليه بتوسل... و واثقة من أنه فهم نظراتي... قال :

" لن نطيل البقاء هناك... يومين أو ثلاثة... ريثما استرد عافيتي و سيارتي "

و سعل قليلا... ثم تابع :

" نسافر بعدها جوا إلى العاصمة، و منها إلى الساحلية "

قلت :

" و معنا أروى... و أمها ؟ "

أومأ برأسه إيجابا... فهززت رأسي رفضا...
أنا أرفض العودة لنفس الدوامة من جديد...
خاطبته بنبرة شديدة التوسل و الضعف...

" أرجوك... دعني أعود إلى خالتي ... "

وليد ركز النظر في عيني برهة...

" أرجوك ... وليد "

أغمض وليد عينيه و هز رأسه ببط ء

" لا يمكن يا رغد .. انتهينا من هذا الموضوع "

و حين فتح عينيه كان نظرات التوسل لا تزال تنبعث من عيني ّ ...

قال :

" أنا المسؤول عنك يا رغد... "

قلت بسرعة و تهوّر :

" أنا أعفيك من هذه المسؤولية "

و اكتشفت خطورة جملتي من خلال التعبيرات المخيفة التي انبثقت على وجه وليد فجأة...
حاولت أن أخفف تركيز الجملة فقلت :

" أعني... أنني لا أريدك أن ... تزيد عبئي فوق أعبائك ... و خالتي و عائلتها... مستعدون لأن..."

زمجر وليد :

" كفى يا رغد "

فابتلعت بقية الجملة بسرعة كدت أغص معها !

بدا وليد عصبيا الآن... و لكن عجز عن الصراخ لبحة صوته :

" لا أريد أن اسمع هذا ثانية يا رغد... أتفهمين ؟ "

لم أتجاوب معه فقال :

" أنا الوصي عليك و ستبقين تحت مسؤوليتي أنا إلى أن أقرر أنا غير ذلك... مفهوم ؟ "

فجاءني أسلوبه الجاف الفظ هذا... فيما كنت أنا أتحدث معه بكل لطف و توسل... حملقت فيه مصدومة به... حتى المرض لم يلين عناده ؟!

" مفهوم يا رغد ؟؟ "

قلت باستسلام و رضوخ :

" مفهوم "

و خرجت بعد ذلك بهدوء من الغرفة...

كم أشعر بالذل... كيف يعاملني وليد بهذا الشكل ؟ لماذا يقسو علي و أنا من كدت أموت خوفا عليه؟؟ لماذا يتسلط علي و يضرب بعرض الحائط رغبتي ؟
و هل علي أن أتحمّل رؤية الشقراء ترافقه و تتبادل معه الاهتمام و العواطف الحميمة.. بينما أكاد أعجز أنا عن مسح الدماء النازفة من أنفه و هو جريح مريض ؟؟

بعد فترة حضر سامر جالبا بعض الأطعمة... و وجدت نفسي منقادة لما تفرضه الظروف علي... و جلست مع ابني عمّي أشاركهما الطعام بكل بساطة !

إن لدي ابني عم اثنين... هما أهلي و أحبتي و كل من لي... و يساويان في حياتي الناس أجمعين... و إن احتل أحدهما الماضي من حياتي... فإن الآخر ... يحتل الحاضر و المستقبل...
ابنا عم... لا يوجد مثلهما ابنا عم على وجه الأرض !
و نحن نتناول الطعام كنت أراقبهما خلسة... و أصغي جيدا لكل كلامهما...
كم كانا لطيفين حنونين و هادئين جدا... بصراحة الله وحده الأعلم من منّا نحن الثلاثة كان الأكثر قلقا و الأشد اهتماما بشأن الآخرين !

فيما بعد تركت أكبرهما يقيل وقت الظهيرة... و جلست مع الأصغر في غرفة المعيشة نشاهد التلفاز...



~~~~~~~~~







قديم 31-01-2009, 02:25 AM   رقم المشاركة : 164
!!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
Band
 
الصورة الرمزية !!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
 






!!! الرومـ ^_* ـانسي !!! غير متصل

لم أكن لأقدم على الحديث معها لو أن رغد لم تبادر هي بالكلام...
و بالرغم من أنني كنت أتحاشى النظر باتجاهها إلا أنه كان من غير الممكن تحاشي التعقيب على حديثها...
" ألا يجب ... أخذه للمستشفى كما أوصى الطبيب ؟ "
" لا أظنه سيرحب بالفكرة مطلقا "
" حاول أن تقنعه... ! "
نظرت إلى السقف و قلت :
" ما من جدوى ... على الأرجح ! "
رغد صمتت قليلا ثم قالت :
" لكن السفر قد يتعبه... و هو مصر على الذهاب للمدينة الساحلية ... "
و أتمّت بأسى :
" و على أخذي معه "
شعرت من نبرة صوتها بعدم ارتياحها فقلت :
" ألا تريدين الذهاب ؟ "
رغد قالت مباشرة :
" لا أريد... لكن... وليد مصر على اصطحابي معهم... لن يفيده ذهابي في شيء بل سيسبب له التعطيل و العقبات... "
سألت :
" لم تقولين ذلك ؟ "
رغد بدأت تتكلم... و كأنها تشكو إلي ّ ... كأنها ... كتمت في صدرها آهات عدّة و جمعتها سوية... لتطلقها أمامي... كأنها ما كادت تصدّق أنها وجدت من تبوح إليه بما يختلج بواطنها... و كأنها... نسيت ... أن الرجل الذي تتحدّث إليه و تبثه همومها هو خطيبها السابق الذي كان و لا يزال يعشقها بجنون...
و حين تتألم رغد... ينتشر صدى آلامها في صدري أنا...
" أعرف أنني مصدر إزعاج له... و هم ّ مرمي فوق صدره... و لكنه لا يريد إزاحتي بعيدا... بل ربما يستمتع بفرض وصايته و سطوته علي ! إنه لا يريد أن أعيش في بيت خالتي و لا يريد أن أتحدّث مع ابنها... و يفرض علي ما ألبس و متى أخرج و إلى أين أذهب... في المزرعة و حتى في بيت خالتي "
لم استطع التعقيب على حديثها هذه المرة... فماذا يمكنني القول؟؟
و لكن هل شقيقي... صارم لهذا الحد ؟ هل يقسو على رغد ؟؟ أليست مرتاحة للعيش معه ؟ ألم تكن هذه رغبتها هي ؟؟
تابعت :
" و أنا لا أحتمل العيش مع الشقراء... و هي أيضا لا تطيقني ... لماذا لا يريد وليد فهم ذلك ؟"
و أيضا لم أعلّق...
و ربما لما رأت رغد صمتي شعرت بخيبة الأمل... إذ لم تجد منّي أي مواساة أو تفاعل... لذا لاذت بالصمت هي الأخرى...
هناك سؤال ظل يكتم أنفاسي و يخنفني... لم استطع تحاشيه و لا أدري أي جنون جعلني أطلقه من لساني بعد كل هذا الصمت و الجمود ..؟؟
" رغد ... "
رغد نظرت إلي و هذه المرة لم أهرب بعيني بعيدا... بل غصت في أعماق عينيها باحثا عن الجواب... و ليتني لم أجده...
" ألا زلت ِ ... تحبينه ؟ "
بالتأكيد كان هذا آخر سؤال تتوقع منّي رغد طرحه... خصوصا بعد التزمت و الاختصار الشديد في الحديث معها و تحاشيها قدر الإمكان...
و لم يكن من الصعب علي ّ أو على أي كان أن يستنبط الجواب من هاتين العينين...
تصاعدت الدماء إلى وجنتيها بينما هبطت عيناها إلى الأرض...
هل كان علي أن أطرح بجنون سؤالا كهذا ؟؟
يا لي من أحمق و فاشل...

من حينها لم أتحدّث معها بأي كلمة... حتى وقفت مودعا إياهما في المزرعة...



~~~~~~~~~~


وصلنا إلى المزرعة قرب الغروب... و استقبلت أورى وليد استقبالا حميما لن يسرني وصفه لكم... فيما أنا أحترق من شدّة الغيظ...
و أحسنت هي و أمها و خالها الترحيب بي و بسامر...
و عندما خرج سامر مغادرا المنزل فيما بعد تذكّر وليد مفاتيح سيارته فقال :

" المفاتيح مع سامر "

قلت مباشرة :

" سأحضرها "

و انطلقت مسرعة نحو الخارج...

كان سامر على وشك صعود السيارة فهتفت:

" سامر انتظر "

و أقبلت مهرولة إليه ... التفت سامر نحوي مستغربا و رفع نظارته الشمسية و نظر إلى عيني ّ مباشرة

قلت :

" مفاتيح سيارة وليد "

" آه ... نعم "

و التقط المفاتيح من داخل السيارة – حيث كانت موضوعة على الرف - عبر الباب المفتوح و قدّمها إلي ...

المفاتيح كانت ضمن عدّة مفاتيح أخرى مضمومة إلى بعضها البعض بالميدالية التي كنت ُ قد أهديتها وليد في عيد الحج الماضي... إن كنتم تذكرون...

و أنا أمد يدي لأستلم المفاتيح منه... تبعثرت نظراتنا ثم التقت من جديد...

قلت :

" تبدو مختلفا... "

و أنا أدقق النظر في الجهة اليمنى من وجه سامر و تحديدا عينه و ما حولها... الموضع الذي كانت تغطيه ندبة قديمة قبيحة... شوهت وجهه مذ سقط على الجمر المتقد و نحن نركب دراجته الهوائية أيام الطفولة...

الندبة تقريبا اختفت... و بدا سامر مختلفا... و هذا أول ما أثار انتباهي حين خلع نظارته السوداء المبللة بالمطر و نحن نركب السيارة يوم أمس...

سامر أمال إحدى زاويتي فمه بابتسامة أقرب إلى السخرية و قال :

" هناك أشياء ... لا بد من التخلص منها و من آثارها... ذات يوم "

ثم استدار و ركب السيارة و ابتعد... تاركا الجملة ترن في أذني زمنا طويلا ...

عندما عدت إلى الداخل... وقع بصري على منظر أثار ثورتي و جعلني أرمي بالميدالية رميا على المنضدة تجاه وليد...

أروى ... كانت تجلس ملتصقة بوليد و تحيطه بذراعيها بينما تسند رأسها إلى كتفه بكل حنان !
لقد وجدتـْـها الشقراء فرصة ممتازة لكي تقترب من ابن عمّي ... بينما أنا لا أجرؤ على شيء ...

حسنا يا أروى

المعركة ابتدأت إذن ؟؟

استعنا بالله على الشقاء !



~~~~~~~~



مستلق ٍ على سريري و شاعر بإعياء شديد في جميع عضلاتي... أجاهد من أجل إرغام الهواء على المرور عبر أنفي شبه المسدود... تنتابني نوبات فظيعة من السعال إن تجرأت و فتحت فمي... أنا وليد... الصامد في وجه النواكب العظمى... مستسلم تماما أمام المرض!
أقبلت أروى تحمل طبق الحساء الدافئ و شرابا من خلاصة الأعشاب... و جلست قربي... استويت أنا جالسا و قرّبت ُ كأس الشراب من أنفي استنشق البخار المتصاعد منه... علّه يساعد على توسيع مجرى الهواء... و لم أكن أحس برائحته... و لم أحس بطعمه...

" الحمد لله "

قلت بعدما أنهيت وجبتي فعقّبت أروى :

" بالهناء و العافية... حبيبي "

نظرت إليها فابتسمت بحنان... ساهم في رفع معنوياتي المحبطة... من جراء المرض و من حالي مع رغد و أقاربها...

رددت إليها ابتسامة ممتنة... ثم عدت مضطجعا على الوسادة... شاعرا بالارتياح...
الساعة كانت العاشرة مساء ً و أنا ألازم فراشي منذ حضوري عصرا ... و منذ حضوري لم أر رغد...

سألت أروى :

" ماذا عن رغد ؟ "

هذه المرة لم تحاول أروى إخفاء انزعاجها من سؤالي... و ردّت :

" ربّما نامت في غرفتها... لا تفكّر في شيء الآن... ابق مرتاحا و مسترخيا أرجوك "

و كأنها تؤكد أن رغد هي أحد أسباب قلقي و تعبي... و هي حقيقة غنية عن التأكيد !

ابتسمت ُ لأروى و قلت خاتما الحديث :

" تصبحين على خير "


كانت حالتي أفضل بكثير حينما نهضت صباح اليوم التالي... و تمكنت من مغادرة الفراش...
أخذت حمّاما منعشا زاد من حيويتي... و فيما كنت أرتب فراشي بعد ذلك أقبل كل من أروى و الخالة و العم إلياس يطمئنون علي و يحمدون الله على تحسّن صحّتي...
جلسنا نتبادل بعض الأحاديث بشيء من المرح و السرور... و الضحك أيضا... إنني أنتمي إلى هذه الأسرة... و إن الله كان غاية في اللطف و الكرم سبحانه... و هو يضعها في طريقي... تعويضا عما فقدت.. و عمّن فقدت...

لكن... لم يكن حبهم لي و عطفهم علي... ليغني عن حاجتي للمحبة و العطف من شقيقي الوحيد سامر... أو شقيقتي الوحيدة دانة ... أو ... صغيرتي الحبيبة... رغد...

ما أحوجني إليهم جميعا...

لم أكن قد رأيت صغيرتي منذ قدمنا إلى المزرعة يوم أمس... لا أعرف كيف نامت أو كيف صحت... و أين تجلس و ماذا تفعل...
و صدّقوني... إنه من المستحيل علي أن أتوقف عن التفكير بشأنها... مهما حاولت !

قلت و أنا افتقدها بينما الجميع من حولي :

" أين رغد ؟ "

هناك نظرة كانت خاطفة تبادلتها أروى و أمها ، لم تغب عن انتباهي... بل كنت أرصدها... ثم قالت خالتي :

" لم تغادر غرفتها منذ دخلتها يوم أمس "

و هو جواب لا يصلح لرفع معنوياتي أو التخفيف عن آلامي... البتة !

وجهت خطابي إلى خالتي :

" اذهبي و تفقديها يا خالة... رجاء ً "

ابتسمت خالتي و قالت :

" بكل سرور يا بني... سأستدعيها ... "

و غادرت يتبعها العم إلياس... ثم عادت قائلة :

" يظهر أنها لا تزال نائمة "

بعد ساعات انشغلت أورى و الخالة في المطبخ، و العم في المزرعة... و أنا في القلق المتزايد على رغد !
ويحك يا رغد ! ألن تأتي للاطمئنان علي ؟؟

لم أطق صبرا... و ذهبت أنا للاطمئنان عليها...

طرقت باب غرفتها و قلت مصرحا :

" أنا وليد "

و لما أذنت لي بالدخول... دخلت فرأيتها تقف عند المكتبة ممسكة بقلم... ربما كانت ترسم...

قلت :

" كيف حالك يا رغد ؟ "

رغد ابتسمت بفرح و قالت بصوت خافت :

" بخير... "

ثم بصوت أقوى :

" كيف حالك أنت ؟ "

و لمحت القلق على وجهها... و شعرت بسعادة !

قلت مبتسما :

" الحمد لله ... أفضل بكثير "

فاتسعت ابتسامتها و ازداد فرحها و كررت :

" الحمد لله "

قلت :

" لم ْ أرك ِ منذ الأمس... أقلقتني... لم َ لم ْ تأتي لزيارتي ؟ "

طأطأت رغد رأسها ثم قالت :

" لا استطيع أن... أتجوّل في المنزل ... "

صمت ّ قليلا ثم قلت :

" هذا ... بيتي يا رغد... و بيتي هو بيتك ... "

لكن رغد هزّت رأسها مخالفة لكلامي... أردت أن استنبط منها رأيها فقلت :

" أليس كذلك يا رغد ؟ "

رفعت بصرها و قالت :

" لن أعتبر ... هذا المكان... بيتي أبدا يا وليد... و سأظل أشعر بالغربة بينكم... طالما أنا هنا "

تنهّدت ُ بمرارة... لم أكن أريد لصغيرتي أن تشعر بالغربة و هي معي أنا...

قلت :

" سنغادر غدا... إلى منزلنا يا صغيرتي "

شيء من الاعتراض أيضا ارتسم على وجهها و قالت :

" لكن... أنت... مريض "

قلت مطمئنا :

" أنا بخير... سبق و أن حجزت التذاكر و لا داعي لتأجيل الأمر... "

صمتت رغد فسألتها :

" هل هذا ... سيريحك ؟ "

انتقلت أنظار رغد من عيني إلى الأرض... و لم تجب...
كنت أعرف بأنها لا ترغب في السفر بل في العودة إلى خالتها...

خطوت خطوات نحوها حتى صرت جوارها تماما... و أمكنني رؤية الرسوم التي كانت ترسمها على الورقة... كان رسما لفتاة صغيرة تحضن ذراعا بشرية كبيرة... تخرج من حوت مغمض العينين مفتوح الفكين تقطر الدماء من أنيابه !!
ما المقصود من هذا الرسم الغريب ؟؟!

ناديتها :

" رغد "

فرفعت بصرها إلي ّ ...

" عندما نذهب إلى المدينة الساحلية... فسألحقك بالجامعة ... "

ظلت رغد تحدّق بي... بشيء من التشكك أو المفاجأة

قلت مؤكدا :

" لقد رتّبت للأمر...و دبّرت لك مقعدا في كلية الفنون... لتتابعي دراستك...ألم يكن هذا حلمك ؟"

قالت بتردد :

" أحقا ؟ "

قلت :

" نعم يا رغد... أنت موهوبة و المستقبل المشرق ينتظرك ... "

رأيت تباشير ابتسامة تتسلل إلى وجهها ... إذن... فقد استحسنت الفكرة... الحمد لله !

" و في وقت الإجازات سآخذك إلى خالتك... أعدك بذلك ... صدّقيني يا رغد ... أنا أعمل لمصلحتك ... و لم يكن قصدي إجبارك على شيء... و إن فعلت... أو تصرّفت معك ِ بصرامة... فأرجوك... سامحيني "

عادت رغد ببصرها نحو الأرض ...

" هل تسامحيني يا رغد ؟ "

رغد ابتسمت و أومأت إيجابا فتنفّست الصعداء عبر فمي بارتياح...
تصادم الهواء البارد مع حلقي المتهيّج فأثار نوبة خفيفة من السعال جعلت رغد ترفع رأسها بقلق و تمسك بذراعي تلقائيا و تهتف :

" وليد ... "

انتهت نوبة السعال ... و ركزت نظري نحو رغد... و رأيتها تشد ذراعي بقوّة ... تكاد تحضنها !
فيما تتجلى تعبيرات القلق و الخوف على قسمات وجهها...

ابتسمت ! لا بل تحوّل سعالي إلى قهقهة !

أطلقت ضحكة قوية و أنا أقول :

" لا تخافي يا صغيرتي ... حتى الحيتان تمرض أحيانا ! "


تحسنت صحتي كثيرا و سافرنا جوا إلى العاصمة و من ثم إلى المدينة الساحلية أنا و رغد و أروى و الخالة ليندا.
أقبلت على العمل بجد و شغلت معظم أوقاتي فيه و قسّمت الباقي بين شؤون المنزل، و أروى و رغد

و آه من هاتين الفتاتين !
إنهما تغاران من بعضهما البعض كثيرا و باءت كل محاولاتي للتأليف فيما بينهما و تقريب قلبيهما لبعضهما البعض بالفشل و الخذلان...

المشاحنات تضاءلت بعض الشيء مع بداية الموسم الدراسي... إذ أن رغد أصبحت تغيب عن المنزل فترات طويلة...
الأمر كان صعبا في البداية إلا أن رغد تأقلمت مع زميلاتها و من محاسن الصدف أن كانت إحدى بنات السيد أسامة – المشرف السابق على إدارة مصنع أروى- زميلة لها و قد تصاحبت الفتاتان و توطدت العلاقة بينهما... تماما كما توطّدت فيما بيني و بين السيّد أسامه عبر الشهور... و وافق مبدئيا على عرضي بالعودة إلى المصنع...

و الدراسة شغلت فراغ رغد السابق و نظّمت حياتها و زادت من ثقتها بنفسها و بأهميتها و مكانتها في هذا الكون بعد أن فقدت كل ذلك بموت والدي ّ رحمهما الله...

و لأن الله أنعم علي بالكثير و له الحمد و الشكر دائما و أبدا... فقد أغدقت العطاء على صغيرتي و عيّشتها حياة مرفهة كالتي كانت تعيشها في كنف والديّ أو أفضل بقليل...

و فتحت لها حسابا خاصا في أحد المصارف... و وظفت خادمة ترعى شؤونها و شؤون المنزل...

ابتسمت لي الدنيا كثيرا و انتعشت نفسيتي... و لم يعد يعكر صفو حياتي غير الحرب...

إضافة إلى ... المعارك الداخلية المستمرة بين الفتاتين !

" يجب أن تتحدّث إلى ابنة عمّك يا وليد فهي مصرّة على المذاكرة في المطبخ ! "

تقوّس حاجباي استغرابا و سألت :

" المطبخ !؟ "

قالت أروى :

" نعم المطبخ ! و ها قد نشرت كتبها و أوراقها في كل أرجائه بعدما سمعتني أقول لأمي أنني سأعد عشاء مميزا جدا لهذه الليلة ! "

ضحكتُ بخفة و قلت :

" دعيها تذاكر حيثما تريد ! "

بدا الاستهجان على وجه أروى و قالت :

" و لكن يا وليد الزمن يداهمنا و لن أتمكن من إعداد العشاء للضيوف في الوقت المناسب ! "

كنت آنذاك مستلق ٍ على أحد المقاعد في غرفة المعيشة الرئيسية ... أرخي عضلاتي بعد عناء يوم عمل طويل... و الساعة تقترب من الخامسة مساء ...

أغمضت عيني ّ و قلت بلا مبالاة :

" لا تقلقي... إنه سيف ليس إلا ! "

و كنت قد دعوت سيف و زوجته و طفلهما طبعا لمشاركتنا العشاء هذه الليلة...

" وليد ! "

فتحت عيني فرأيت أروى تنظر إلي بغضب واضعة يديها على خصريها. ابتسمت و قلت :

" حسنا سأتحدّث إليها ... لا تغضبي "

و نهضت بكسل و أنا أمدد أطرافي و أتثاءب !

توجهت نحو المطبخ و وجدت الباب مغلقا فطرقته و ناديت رغد... بعد ثوان فتحت رغد الباب و وقفت وسط الفتحة !

" مرحبا رغد... كيف كان يومك ؟ "

ابتسمت و قالت :

" جيد..."

" الحمد لله... و كيف دروسك ؟ "

قلت ذلك و أنا أخطو نحو الأمام بهدف دخول المطبخ غير أن رغد ظلت واقفة معترضة طريقي كأنها تمنعني من الدخول !

قالت متلعثمة :

" جيدة... ممتازة "

إذن في الأمر سر !

تقدمت خطوة بعد و لم تتحرك ... بل ظهر التوتر على وجهها و احمر خداها !

قلت :

" بعد إذنك ! "

و تظاهرت ُ بالعفوية و تنحّت ْ هي عن طريقي... بارتباك !

شعرت بالفضول ! لماذا لا تريد رغد منّي دخول المطبخ...؟؟

نظرت من حولي فرأيت مجموعة من الكتب و الدفاتر و الأوراق... و الكراسات أيضا مبعثرة هنا و هناك...

و كان كوب شاي موضوعا على الطاولة و منه يتصاعد البخار... و إلى جانبه كراسة و بعض أقلام التلوين... استنتجت أن رغد كانت تشرب الشاي جالسة على هذا الكرسي...
اقتربت منه فأسرعت هي نحو الكراسة و أغلقتها و حملتها في يدها...

إذن هنا مكمن السر !

ابتسمت ُ و قلت ُ بمكر :

" أريني ما كنت ترسمين ؟ "

ارتبكت رغد و قالت :

" مجرد خربشات "

اقتربت منها و قلت :

" دعيني أرى "

قالت بإصرار :

" إنها لا تستحق الرؤية ... دعك منها "

وسّعت ابتسامتي و قلت بإصرار أكبر و بفضول أشد :

" أريد رؤيتها... هاتيها "

و مددت يدي نحوها... و لما لم تتحرك قلت :

" هيا رغد "

و تحركت يدها بتردد و أخيرا سلمت الكراسة إلي...

تعرفون كم تحب صغيرتي الرسم و كم هي ماهرة فيه... و كنت دائما أطلع على رسماتها و أتابع جديدها من حين لآخر... و يزداد إعجابي...

أخذت أتصفح الكراسة صفحة صفحة و أتأمل الرسمات... رسمات جميلة لأشياء مختلفة... من يد فنانة ! و رغد كانت تراقبني باضطراب ملحوظ... شيء يثير فضولي لأقصى حد ماذا تخبئين ؟؟!

و أخيرا وصلت إلى آخر رسمة... و هي الصفحة التي كانت رغد ترسم عليها قبل وصولي بالتأكيد... نظرت إلى الرسمة و فوجئت !
ثم نظرت إلى رغد ... و تلقائيا أطلقت ُ آهة استنكارية !

أتدرون ما كان مرسوما ؟؟
صورة لأروى...و هي ترتدي مريلة المطبخ، و قد امتد شعرها الأشقر الحريري الطويل حتى لامس الأرض و كنسها !

رغد سحبت الكراسة فجأة و أخفتها خلف ظهرها... أما أنا فهززت رأسي اعتراضا و استنكارا...

و يبدو أن رغد أحست بالخجل من رسمها هذا و نزعت الورقة من الكراسة و جعّدتها و ألقت بها في سلة المهملات... ثم قالت دون أن تنظر إلي :

" آسفة "

قلت رغبة منّي في تخفيف الحرج :

" أنت موهبة خطيرة ! "

و لم تعلق رغد بل شرعت في جمع كتبها و أشياءها المبعثرة و من ثم هربت نحو الباب...

قلت :

" الشاي ! "

مشيرا إلى كوب الشاي الذي تركته على الطاولة... فالتفتت إلي و قالت :

" تركت ُ لها كل شيء... أنا آسفة "

و ولت مسرعة !

جلست أنا على نفس المقعد الذي رجحت أن رغد كانت تجلس عليه و في داخلي مزيج غير متجانس من الراحة و الانزعاج... و الضحك و الغضب !


بعد قليل أقبلت أروى تحمل وعاء يحوي بعض الخضار المقشرة و كيسا يحوي قشورها... و الظاهر أنها عملت في تقشير الخضار في مكان ما خارج المطبخ قبل أن تأتي إلي ّ في غرفة المعيشة...

وضعت أروى الوعاء على الطاولة و ابتسمت و هي تقول :

" أخيرا ! ألم تطب لها الدراسة هذا اليوم إلا هنا ؟؟ "

ابتسمت ُ... و لم أعلّق...

و توجهت ْ أروى حاملة كيس القشور نحو سلة المهملات...
كنت ُ أراقب الدخان المتصاعد من كأس شاي رغد... و لا أعرف لم تملكتني رغبة عجيبة في احتسائه !

و ضعت يدي عليه و حالما أوشكت على تحريكه أوقفني صوت أروى :

" ما هذا ؟ "

تراجعت بسرعة... و في اعتقادي أنها تستنكر رغبتي العجيبة هذه ! ما الذي يدعوني لشرب شاي تركته رغد !؟؟

التفت نحوها ببعض الخجل..

لكنها لم تكن تراقب الشاي...

كانت تمسك بورقة مجعّدة مفتوحة بين يديها... و تحملق فيها بغضب...

وقفت و اقتربت منها... فأخذت تحدّق بي ... ثم مدّت الورقة إلي و قالت :

" انظر... مذاكرة ابنة عمّك "

حقيقة لم أعرف كيف أتصرف حيال الموقف... حاولت التظاهر بالمرح و جعل الأمر يبدو دعابة بسيطة لكن أروى كانت غاضبة جدا...

" هذه إهانة متعمّدة يا وليد... لن أسكت عنها "

" لا أعتقد أن رغد تقصد شيئا ... إنها دعابة لا أكثر ! "

قالت بغضب :

" ليست دعابة يا وليد... منذ متى و ابنة عمّك تهوى مداعبتي ؟؟ إنها تقصد إهانتي بهذا الرسم ... لكنّي لن أسكت ! "

و من فورها خرجت من الغرفة متجهة إلى رغد...

و لم تفلح محاولتي ثنيها عن إثارة مشكلة و خصوصا في هذا الوقت...!



~~~~~~~







>







قديم 31-01-2009, 02:26 AM   رقم المشاركة : 165
!!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
Band
 
الصورة الرمزية !!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
 






!!! الرومـ ^_* ـانسي !!! غير متصل

أقبلت أروى إلى غرفتي و كنت أرتب كتبي و دفاتري على مكتبي الجديد و الذي اشتراه وليد لي مؤخرا...
وليد اشترى لي أشياء كثيرة...و غير طقم غرفة نومي كاملا... و كان يود نقل أشيائي إلى غرفة دانة سابقا... فهي أكبر حجما... و لكنني أصررت على البقاء في غرفتي الصغيرة الملاصقة لغرفته...
و منعت ُ أروى و أمها من استخدام أي ٍ من غرف النوم التي كنا نستخدمها سابقا... فأقامتا في غرفتين من الناحية الأخرى لمنزلنا الكبير...

و لأنني أعرف أنها ماهرة في أعمال المنزل و خصوصا الطبخ، و أنها تتباهى بذلك أمام وليد و أمامي... و أنها تريد أن تستعرض مهاراتها الليلة على العشاء ... فقد اخترت المطبخ بالذات كي أذاكر فيه محاضراتي هذا اليوم !

يجب أن تعرف هذه الدخيلة أن هذا بيتي أنا... و مطبخي أنا... و أنا حرّة في فعل ما أريد وقتما أريد !

" ماذا تعنين بهذا يا رغد ؟ "

كانت أروى تقول و هي ترمي بالورقة التي نزعتـُها من كراستي قبل قليل... و فيها صورة لأروى الحسناء تنظف الأرض بشعرها الطويل !

أوه ! كيف وصلت إليها..؟ مستحيل أن يكون وليد !

كنت ُ غاضبة من تباهيها بمهاراتها... و وعدها وليد بتقديم وجبة لذيذة تبهر ضيوفنا... و من شدة غيظي احتللت المطبخ و رسمتها بهذا الشكل!
لكني خجلة من وليد و الفكرة التي أخذها عنّي... و أريد أن أعتذر لها !

" أجيبي ؟؟ "

صرخت أروى و هي شديدة الغيظ... كنت بالفعل سأعتذر لولا أنها أضافت :

" أنا لست خادمة هذا المنزل بل سيّدته و إن كنت ستسخرين من شيء فالأفضل أن تسخري من نكرانك للجميل و عيشك مرفهة مدللة من نقود لم ترثيها و لم تتعبي لجنيها يا ابنة العز و الثراء "

شعرت بطعنة قوية في صدري أوشكت أن أرمي بالكتاب الذي بين يدي نحو وجهها لكنني لم أملك إلا الألم...

و هل أملك ردا غيره ؟؟

بم أرد و هي الحقيقة..؟؟ ألست ُ أنا العالة على الغير... أليست النقود التي يجلبها لي وليد... هي من ثروتها ؟

بعد أن انصرفت بفترة حضر وليد
و كعادته يأتي بعد انتهاء أي مشادة بيننا حتى لا يزيد تدخله الأمر سوء...
و لا بد أنه قضى الدقائق السابقة في استرضائها و جاء الآن ليواسني... أو ليوبخني!

" هل أدخل ؟ "

و هو يقف عند الباب... و ينظر إلى الورقة المرمية على الأرض... ثم يلتقطها و يتأملها برهة، و يمزقها و يرمي بأشلائها في سلة المهملات...

قال :

" انتهى الأمر "

مسكين وليد! أتظن بأنه بتمزيقك للورقة تحل المشكلة؟
لا أظنها تحل إلا إذا مزّقت الفتاة المرسومة عليها في الواقع !

قال :

" لا تكرري ذلك ثانية يا رغد ... أرجوك "

نظرت إليه بحنق... أهذا كل ما لديك ؟؟

قال :

" انظري أي مشاكل تقع بسبب تافه كهذا... نحن في غنى عن المزيد... دعينا نعيش في سلام "

و استفزتني جملته فقلت بغضب :

" و هل ترى أنني شارون أم بوش لتخاطبني عن السلام ؟ "

و ربما أثارت جملتي اندهاشه أو حتى لم يستوعبها إذ أنه حملق في ّ باستغراب

قلت بعصبية :

" هل أنا سبب المشاكل ؟ "

قال :

" لا ... لكن أروى لا تتعمّد مضايقتك يا رغد ... إنها طيبة و مسالمة جدا "

و ثار غضبي أكثر... رميت بالكتاب أرضا و صرخت :

" طبعا ستدافع عنها... أليست خطيبتك العزيزة الغالية ... الثرية الحسناء ... السيدة المدبّرة لشؤون هذا المنزل ؟؟ "

" ليس الأمر هكذا ... "

قلت بانفعال :

" بل هو كذلك... و أنت بالتأكيد ستقف في صفـّها و تنحاز إليها "

تنهّد وليد بانزعاج... و ضرب كفه الأيسر بقبضته اليمنى و قال بضيق :

" لقد حرت ما أفعل معكما؟ أنتما تثيران الصداع المستمر في رأسي... أنا لا أعرف لماذا لا تطيق أحداكما الأخرى بهذا الشكل !؟ "

صمت برهة ثم قال :

" على الأقل... أروى يا رغد... لا تتربص لإزعاجك ... لكنك يا رغد... "

و توقف لانتقاء كلماته ثم قال :

" أنت يا رغد تتصيدين الفرص لمضايقتها...لا أعرف لماذا ؟؟ لماذا أنت متحاملة عليها لهذا الحد يا رغد ؟؟ "

و أخذ يترقّب جوابي...

" لماذا يا رغد ؟؟ "

أما زلت تسأل ؟؟
ألا تعرف ؟
ألا يمكن لعقلك المحشور داخل جمجمتك الكبيرة هذه أن يستنتج السبب؟؟
لأنني أحبك يا وليد!
أحبك و أكره أي امرأة تقترب منك...
ألا تفهم ذلك؟؟
ألا تكفي كمية الذكاء المحشوة في دماغك لاستنباط هذا ؟؟

و لا يبدو أن هذه الفكرة كانت لتخطر على بال وليد... البتة !
و لأنه كان لا يزال ينظر إلي منتظرا جوابا قررت أن أجيب !

" أتريد أن تعرف لماذا ؟ "

قال بلهفة :

" يا ليت... فلربما استطعت تغيير شيء و حل المشكلة "

ابتسمت بسخرية من مناه... ثم ضيّقت فتحتي عيني ّ و ضغطت على أسناني و قلت:

" لأنها... أجمل منّي "

ذهل وليد... و بدوره اتسعت فتحتا عينيه و فمه أيضا...

قلت :

" هل عرفت الآن ؟ "

ارتبك وليد و قال :

" هل هذا هو السبب حقا ؟ "

قلت بمكر :

" نعم... فهل تستطيع تغيير شيء ؟ "

وقع وليد في الشرك... و حار ماذا يقول... ثم قال بتردد و ارتباك:

" و ... لكن ... يا رغد... أيعقل أن تجعلي من هذا سببا كي... أعني لأن تـُثار كل تلك المشاكل ؟ "

قلت :

" هذا أمر لن تفهمه أنت...! إنها أجمل منّي بكثير... أليست كذلك ؟ "

و ترقبت بلهفة ما سيقول وليد...!

إن قال ( بلى ) فسأمزقه بأظافري...

و إن قال ( كلا ) فسأفقع عينيه !

انتظرت و انتظرت... و لكن وليد لم يجب ! بل تنحنح قليلا ثم أراد الانصراف...
وليد ! أجبني فورا ... إياك أن تهرب...

" بعد إذنك "

و استدار منصرفا...

لن تهرب يا وليد !

قلت باندفاع و عصبية :

" أجبني "

وليد استدار إلي في ضيق... و كان وجهه شديد الاحمرار... و الحنق...

قلت :

" لماذا لا ترد ؟؟ قل أنها كذلك... فحتى الأعمى يستطيع أن يرى هذا "

" رغد بربّك... ما الذي تهذين به؟ أي جنون !؟ "

و أولاني ظهره و ولى منصرفا بسرعة... تبعه صوتي و أنا أقول بغضب :

" لا تحلم بأن أنسجم معها ذات يوم ... لا تحلم أبدا ! "




~~~~~~~~

و كالعادة كانت العشاء لذيذا جدا قد أرضى الضيوف و نال إعجابهم...
" سلمت يداها... أكلتُ كثيرا هذه الليلة "

قال سيف و هو يحتسي الشاي عقب انتهائنا من وجبة العشاء...

قلت بسرور :

" سلّمك الله... بالهناء و العافية يا عزيزي "

قال مازحا :

" و أنا من كان يتساءل ما سر هذه العضلات التي نبتت و تضخمت بشكل سريع و على ذراعيك ! تبدو أكثر ضخامة كلّما التقينا يا رجل ! "

ضحكت لتعليق سيف المرح... حقيقة هي أنني خلال العام المنصرم ربحت عدة كيلوجرامات !

قلت :

" لكني كنت أكثر قوة و أنا أعمل في المزرعة... و أبذل مجهودا عضليا كل يوم "

و لاحت في مخيلتي صورة المزرعة و أشجارها و ثمارها... و العم إلياس... و شعرت بالحنين إليهم...

قال سيف :

" ماذا بشأن المزرعة ؟ ماذا ستفعلون بها ؟ "

قلت :

" كما هي يا سيف... فالعائلة متعلقة بها جدا و لا يمكنهم التفريط فيها... و ها أنا أتنقل بينها و بين المصنع في عناء "

قال :

" و لكن... يجب أن تستقر يا وليد ! ماذا ستفعل بعد زواجك ؟ "

أخذت أحك شعري في حيرة...

" خطيبتي تريد العودة إلى المزرعة و الاستقرار فيها... و ابنة عمّي ترفض العيش فيها تماما... و أنا في حيرة من أمري... مشلول الفكر ! "

تابعت :

" و ليت الخلاف اقتصر على السكن فقط! بل في كل شيء يا سيف... كل شيء و أي شيء! إنني أعود من العمل مشحونا بالصداع فتستلماني و تشقان رأسي نصفين !"

و وضعت طرف يدي على هامتي كما السيف...

سيف ابتسم... و قال :

" إنهن النساء ! "

قلت :

" الجمع بينهما في بيت واحد هو ضرب من الجنون... و الصغيرة صعبة الإرضاء و متقلبة المزاج... و أخشى أن أتحدّث معها فتظن أنني ضقت ذرعا برعايتها... و يُجرح شعورها..."

لم يعلق سيف ... تابعت :

" أنا حائر يا سيف... لا أريد لأي شيء عظيما كان أم تافها أن يعكّر صفو حياتها.. و وجود أروى يثير توترها... و لا يمكنني إرسال أروى و أمها إلى المزرعة و العيش مع رغد هنا وحدنا ! "

قال سيف مباشرة :

" صعب ! "

" بل مستحيل ! "

قال مقترحا :

" و لماذا لا تدعها مع خالتها كما فعلت سابقا يا وليد ؟ "

قلت و أنا أهز رأسي :

" أبدا يا سيف... لا يمكنها الاستغناء عن وجودي و قربي ... "

سيف نظر متشككا ثم قال :

" أو... ربما العكس ! "

حملقنا في بعضنا البعض قليلا... و شعرت بابتسامة حمراء تشق طريقها بين شفتي !

سيف قال مازحا :

" وليد الضخم... بطوله و عرضه و عضلاته المفتولة...تشل تفكيره فتاة صغيرة ؟!"

ابتسمت و أنا أقول :

" و ليست أي فتاة ! "

و بدا الجد على وجه سيف و قال :

" فكّر في الأمر مليا يا وليد... الشرارة و البنزين لا يجتمعان في مكان واحد ! "

كان سيف محقا فيما يرمي إليه...

قلت مغيرا الموضوع مباشرة :

" هل قابلت السيد أسامة ؟ ماذا قرر ؟ "

ابتسم سيف و قال :

" هنيئا لك ! لقد كسبت حب و تقدير هذا الرجل و لذلك وافق على العمل معك ! "

أطلقت صيحة فرح و هتفت :

" آه ... وافق أخيرا ! الحمد لله ! شكرا لك يا سيف "

و كنت قد طلبت من سيف مساعدتي في محاولة إقناعه بالعودة للعمل معي... فقد كنت بحاجة ماسة للمعونة من رجل بمثل خبرته و أمانته... و هذا الخبر أبهجني كثيرا تلك الليلة...
و لم أدرك أنني سأدفع ثمن بهجتي هذه ... عاجلا جدا !



~~~~~~~







احتراما لضيفتنا، تظاهرت بالسرور و أخفيت كل الغضب في داخلي... و شاركت الجميع طعام العشاء الذي أعدته الشقراء و أمها... و كانتا المسؤولتين عن الطهي و شؤون المطبخ... تساعدهما خادمة وظفها وليد منذ فترة...
كانت الشقراء ترتدي بلوزة جميلة عارية الكمين و الكتفين ... و تتزين بعقد ثمين من اللؤلؤ اشترته مؤخرا... و تلون وجهها الأبيض ببعض المساحيق... و تبدو في غاية الجمال و الأناقة... و لا بد أنها أثارت إعجاب ضيفتنا و أبهرتها في كل شيء...

و بعد خروج الضيوف ذهبت هي و بكامل زينتها و مباشرة إلى حيث كان وليد...
أما أنا فصعدت إلى غرفتي لاستبدل ملابسي...

نظرت إلى نفسي عبر المرآة و تخيلت صورتها إلى جواري فشعرت بالحنق و الغيظ... و رغبت في تمزيقها...

لم استطع تجاهل صورتها و هي تعيّرني بأنني أعيش عالة على ثروتها... ولم أتحمّل تخيلها و هي تجلس هكذا قرب وليد...
تملّكتني رغبة ملحة في الذهاب إلى وليد و إخباره عما قالت في الحال... و وضع حد نهائي لحالتي البائسة معها...

فتحت خزانتي و استخرجت جميع المجوهرات التي أنقذتها من حطام بيتنا المحروق... مجوهراتنا أنا و دانة و أمي رحمها الله... و أخذت أتأملها و أشعر بالألم... فهي كل ما تبقى لي...و لم أتصور أنني سأفرط فيها ذات يوم...

جمعتها كلها في علبتين كبيرتين و وضعتهما في كيس بالإضافة إلى البطاقة المصرفية التي منحني إياها وليد و كذلك الهاتف المحمول...

حملت الكيس و خرجت من غرفتي سعيا إلى وليد فوصلني صوت ضحكاته هو و الشقراء... ترن في أنحاء المنزل !!

كدت أصفع الكيس بأحد الجدران و أحطم محتوياته غيظا...

ذهبت إلى غرفة الجلوس ... مصدر الضحكات... و كان الباب مفتوحا و من خلاله رأيت ما زلزني ...

كان وليد شبه مستلق ٍ على المقعد و أروى الحسناء تجلس ملتصقة به... تمد إحدى يديها فوق كتفه و تطعمه المكسرات بيدها الأخرى....
كانا يشاهدان التلفاز ويبدو على وليد المرح و البهجة الشديدين... و هو يمضغ المكسرات... حينما رأياني ابتسم وليد و جلس معتدلا بينما أشاحت هي بوجهها عنّي...

" تعالي رغد "

قال مرحبا ً ... و الدماء الحمراء تتدفق إلى وجهه...

" هذه المسرحية مضحكة جدا ! "

وقفت كالتمثال غير مستوعبة بعد للقطة الحميمة التي رأيتها تجمعهما سوية... أما النار فكانت تتأجج في صدري حتى أحرقته و فحّمته...
لم أتحرّك و لم أتكلّم... و ربما حتى لم أتنفس... فأنا لا أشعر بأي هواء يدخل صدري...
تبادل وليد و أروى النظرات و من ثم نظرا إلى الكيس...

قال وليد :

" أهناك شيء ؟ "

أردت أن أخنق صوته... أقتل ضحكاته... أكسر فكّه الذي يمضغ المكسرات... أن أصفعه... أن أضربه... أن أمزقه بأظافري...

تبا لك يا وليد !

قلت باقتضاب :

" أريد التحدث معك "

قال مباشرة و قد زال المرح و حلت أمارات الجد على وجهه العريض :

" خير؟ تفضلي ؟ "

و الدخيلة لم تتحرك! لا تزال جالسة ملتصقة بوليد تقضم المكسرات...
إنني أوشك على ركلها بقدمي غيظا...

قال وليد :

" ما الأمر ؟ "

تقدّمت نحوه... و الغضب يغلي في داخلي و رميت إليه بالكيس بعنف... و لو لم أتمالك نفسي لربما رميت به على أنفه و هشّمته من جديد...

الكيس استقر تحت قدميه... فنظر إليه بتعجب و سأل :

" ما هذا ؟ "

قلت بانفعال :

" مجوهراتي "

ازداد تعجّب وليد فقلت موضحة :

" أعرف أنها لن تغطّي كل ما أنفقتـَه علي ّ منذ رحيل والدينا... لكن... هذا كل ما أملك "

قبل ثوان كان وليد مسترخ على المقعد و الآن أصبح على أهبة النهوض!

" ماذا تعنين يا رغد ؟ "

قلت بعصبية :

" خذها... حتى لا يعيّرني الآخرون بأنني عالة على ثرواتهم "

و رميت أروى بقنبلة شرر من عيني...و وليت هاربة...

ربما ارتطمت بجدار... أو تعثرت بعتبة... أو انزلقت أرضا... لم أكن أرى الطريق أمامي... لم أكن أرى غير اللقطة الحميمة تجمع بين الحبيبين ...

وليد لحق بي و استوقفني و أنا عند أصعد عتبات الدرج و هو يقول بحدة :

" انتظري يا رغد... افهميني ما الذي تعنينه ؟ "

استدرت إليه فرأيت أروى مقبلة خلفه نظرت إليهما بحدة ثم حملقت في أروى و قلت بعصبية :

" اسألها "

وليد استدار إلى أروى ثم إلي ثم إليها و سأل بحيرة :

" ما الذي حدث؟ افهماني ؟ "

قلت :

" بقي فقط ثمن التذكرة... و سأطلب من خالتي دفعها إليك حالما توصلني إليها... و الآن هل لا أعدتني إلى خالتي ؟ "

زمجر وليد بانزعاج :

" ما الذي تقصدينه يا رغد ؟؟ أنا لم أفهم شيئا... هل لا شرح لي أحد ماذا يحدث ؟ "

و التفت نحو أروى...

أروى قالت :

" أنا لم أعن ِ شيئا مما فهمت ْ "

تقصدني بذلك، فأفلتت أعصابي و صرخت :

" بل تعنين يا أروى... إنك تعيريني لعيشي عالة متطفلة على ابن عمي... لكن اعلمي أنه من أجبرني على الحضور معه... و لو كان لدي أبوان أو أهل أو حتى بيت يؤويني ما اضطرني القدر للمكوث معك ِ أنت ِ تحت سقف واحد "

بدا الذهول طاغيا على الأعين الأربع التي كانت تحدّق بي... ذهول ألجم لسانيهما عن النطق مباشرة...

" لكنهما ماتا... وبيتي احترق... و لم يتبقّ َ لي شيء غير هذه الحلي... خذاها و دعاني أرحل بكرامتي... "

وليد قال منفعلا :

" ماذا أصابك يا رغد ؟ هل جننت ِ ؟ "

قلت بعصبية أكبر :

" أرجوك... أعدني إلى خالتي... إن كانت كرامتي تهمك في شيء "

" أي كرامة و أي جنون...؟؟ "

و التفت إلى أروى بغضب :

" ماذا قلت ِ لها ؟ "

أروى قالت مدافعة مهاجمة في آن معا :

" لاشيء... طلبت منها أن تحترمني... عوضا عن رسمي بتلك الصورة المهينة..."

وليد كرر بغضب و عصبية :

" ماذا قلت لها يا أروى ؟؟ تكلّمي ؟ "

قالت أروى :

" الحقيقة يا وليد... فهي تعيش على ثروتي و عنائك... و لا تقدر و لا تحترم أيا منا "

دار وليد دورة حول نفسه من شدة الغضب و لم يعرف ما يقول... رأيت وجهه يتقد احمرارا و أوداجه تنتفخ و صدره يزفر الهواء بعنف...

ضرب سياج الدرج بقبضته بقوة و صرخ بغضب :

" كيف تفعلين هذا يا أروى ؟ "

قالت أروى بانفلات أعصاب :

" إن كان يرضيك ذلك فأنا لا يرضيني... و إن كنت تتحمّلها لكونها ابنة عمّك فما ذنبي أنا لأتحمّل الإحسان إلى و الإهانة من فتاة ناكرة الجميل ؟ "

هيجتني جملتها أكثر و أكثر و أثارت جنون جنوني... و صرخت بتهوّر :

" أنا لا انتظر الإحسان من أحد... وليد ينفق علي لأنه الوصي علي ّ و المسؤول عن مصروفاتي... و هو من اختار كفالتي بعد عمّي... ألا ترين أنني يتيمة و بلا معيل؟ أنا أهلي لم يتركوا لي إرثا عندما ماتوا جميعا... مثل عمّك... و هذه الثروة التي تعيرينني بها... وليد هو الأحق بها منك ِ أنت ِ و من أي إنسان آخر في هذا الكون "

و توقفت لألتقط بعض أنفاسي ... ثم قلت موجهة خطابي لوليد :

" أخبرها بأنها من حقك أنت "

وليد هتف بانفعال :

" رغد ! "

قلت بإصرار :

" أخبرها "

صرخ وليد :

" يكفي يا رغد "

التفت أنا إلى أروى المذهولة بكلامي و أعلنت دون تردد :

" إنها لن تعوّض ثمن السنوات الثماني التي قضاها في السجن حبيسا مع الأوغاد... بسبب ابن عمّك الحقير الجبان "

" رغد "

انطلقت صرخة من وليد... ربما كان هي المعول الذي كسر السد...
انجرف كلامي كالسيل العارم يأبى الوقوف عند أي شيء...

" و بعد كل الذي سببه الحقير لي... و لابن عمّي... تأتين أنت ِ لتعكري صفو ما تبقى من حياتي... ألا يكفي ما ضاع منها حتى الآن ؟؟ ألا يكفي ما عنيته و أعانيه حتى اليوم؟؟ أنا أكرهك يا أروى ... أكرهك و أتمنى أن تختفي من حياتي... أكرهك ... أكرهك ... ألا تفهمين ؟؟ "

رميت الاثنين بنظرة أخيرة ملؤها الغضب... أروى مستندة إلى الحائط في ذهول رهيب... أشبه بلوحة مذعورة... و وليد عند أسفل عتبات الدرج تتملكه الدهشة و المفاجأة...

" لماذا تجبرني على العيش معها يا وليد ؟؟ لماذا ؟؟... إن كنت تحبّها فأنا أكرهها... و أكرهك أنت أيضا... و لا أريد العيش معكما... أنتما تتعسان حياتي... أكرهكما سوية... أعدني لخالتي... أعدني لخالتي... يا بليـــــــــــــــــد "

فجرت هذه الجملة و انطلقت مسرعة نحو غرفتي





~~~~~~~~





>>> يتبع >>







قديم 31-01-2009, 02:29 AM   رقم المشاركة : 166
!!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
Band
 
الصورة الرمزية !!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
 






!!! الرومـ ^_* ـانسي !!! غير متصل

* * الحلقة الأربعون * *





~ مُفترق الطرق ~







وقفتُ عند أسفل عتبات السلّم... مأخوذا بهول ما سمعتُ... مشلول الإرادة...
اختفتْ رغد بعدما صرختْ في وجهي ( أكرهكَ يا بليد )
إن أذني ّ لم تسمعا... إنما هو قلبي الذي اهتز بعنف بعد الصدمة...

التفتُ إلى الوراء بجهد فرأيتُ أروى تقف ملتصقة بالجدار محملقة بي تكاد بنظراتها تثقبُ عيني ّ فيما تعبيرات الذهول طاغية على وجهها الملوّن...

كانتْ أمسية جميلة و قد استمتعتُ فيها مع سيف و طفله... ثم سهرتُ مع أروى نشاهد مسرحية فكاهية رائعة... كان كل شيء رائعا قبل قليل...
لماذا يا رغد ؟
لماذا ؟؟

" وليد "

الحروف خرجتْ متقطّعة من فم أروى المصعوقة بما سمعتْ... و بالتأكيد تريد الآن أن تسمع من جديد...

" وليد... وليد... ماذا قالتْ رغد ؟؟ "

ركّزتُ نظري في أروى ... و لم أرد...

أروى اقتربتْ منّي خطوة بعد خطوة ببطء ... كأن قدميها قد ثقلتا فجأة و ما عادتْ بقادرة على رفعهما
و لما صارتْ أمامي أبعدتُ نظري عن عينيها... فقد كانتْ نظراتها قوية جدا... و مركزة جدا إلا أنها سرعان ما مدّتْ يدها إلي و سألتْ :

" وليد ... أنت َ ... أنت َ ... من... قتل عمّار ؟؟ "

سماع اسمه أجبر عينيّ على العودة فورا إلى عينيها المذهولتين

" وليد ...؟؟ أنت ...!! "

أجبتُ أخيرا :

" نعم ... أنا من قتل عمار القذر... ابن عمّك "

أروى رفعتْ يدها بعيدا ثم وضعتْها على فمها و شهقتْ بقوة.. و تجمّدتْ اللحظة ساعة أو عاما أو حتى قرنا من الزمان...

لم أحس إلا بقطرات العرق تسيل على جسمي... و بالحرارة تنبعثُ منه...
و لم استطع تحرير بصري من قيد عينيها...
بدأتْ الآن تهزّ رأسها في عدم تصديق و دهشة ما مثلها دهشة...

" لا ... لا أصدّق ! وليد !"

و التقطتْ بعض أنفاسها و تابعتْ :

" كل... هذا الوقت... و أنتَ ... تخفي عنّي ؟؟ لا أصدّق ! "

و مرّة أخرى حرّكتْ يدها نحوي و أمسكتْ بكتفي

" غير صحيح ! وليد أنتَ ... تمزح "

قلتُ بحزم :

" قتلتُه و دخلتُ السجن... و لستُ نادما... هذه هي الحقيقة... هل عرفت ِ الآن ؟ "

ابتعدتْ أروى عنّي و هي تهتفُ :

" لا ... لا ... "

ثم توقفتْ فجأة و استدارتْ إليّ و قالتْ :

" لماذا ؟؟ لماذا قتلته ؟ "

قلتُ مباشرة :

" لأنه يستحق الموت... الحيوان... القذر... الحقير... "

عادتْ تسأل مندهشة مبحوحة الصوت :

" لماذا ؟ "

جوابي كان بضربة سددتُها إلى سياج السلم الخشبي كدتُ معها أن أحطّمُه...

أروى كررتْ :

" لماذا ؟ أخبرني "

و لما لم أجبها أقبلتْ نحوي مجددا و أمسكتْ بذراعي ّ الاثنتين و هتفتْ :

" أخبرني لماذا ؟؟ لماذا ؟؟؟ "

صرخت ُ بانفعال :

" لأنه حيوان... ألا تعرفين معنى حيوان ؟؟ "

أروى تهزُّ رأسها و تقول:

" ماذا تخفي عنّي يا وليد ؟؟ قلْ لي ؟؟ لماذا أخفيتَ هذا عنّي ؟؟ لماذا لم تخبرني لماذا ؟ "

و بدأتْ دموعها بالانهمار...
شعرتُ بأني أختنق... الهواء من حولي لم يكن كافيا لملء رئتيّ... أبعدتُ يديها عني و أوليتُها ظهري و سرتُ متجها نحو مدخل المنزل...

نادتني أروى:

" إلى أين تذهب ؟؟ لا تدعني هكذا يا وليد... قل لي ما الذي تخفيه عنّي ؟؟"

لم أجبها فقد كنتُ من الضيق و الغضب ما يكفي لأن أدمّر مدينة بكاملها...

" وليد إلى أين ؟ "

صرختُ :

" دعيني و شأني يا أروى "

و أسرعتُ نحو الباب و غادرتُ المنزل...

الساعة آنذاك كانتْ منتصف الليل... و لم أكن لأغادر المنزل في مثل هذا الوقت لو أن الضيق لم يصل بي إلى حد الاختناق...
كنتُ أريد أن أهدأ بعيدا...
أعيد عرض الشريط و أركز فيما حصل...
استوعب الحدث و أفكر فيه...

توجهتُ نحو البحر...أرفس رماله و أرجم أمواجه إلى أن أفرغتُ ما في صدري من ثورة في قلبه... و لو كان يتكلم لصرخ صرخة تصدعتْ لها كواكب المجرة من فرط الألم...

و كإنسانٍ مجردٍ من أي اعتبارات... على سجيته و فطرته... أطلقتُ العنان لدموعي... و بكيتُ بألم...
تفقدتُ ساعتي فلم أجدها و تحسستُ جيوبي بحثا عن هاتفي فلم أعثر سوى على سلسلة مفاتيحي... السلسلة التي أهدتني إياها رغد ليلة العيد...
لا أدري كم من الوقت مضى و لكني لمحتُ أول خيوط الفجر يتسلل عبر عباءة السماء...

عندما وصلتُ إلى المنزل... وجدتُه يغط في سكون مخيف...
أردتُ أن أتفقد الفتاتين... وجدتُ أروى نائمة في غرفتها و قد تركتْ الباب مفتوحا و المصابيح مضاءة فاستنتجتُ أنها نامتْ بينما كانت تنتظر عودتي...

توجهتُ نحو غرفتي و توقفتُ عند الجدار الفاصل بين بابها و باب غرفة رغد
و استعدتُ ذكرى الليلة الماضية و اشتعل الألم في معدتي...

أديت صلاتي ثم ارتميتُ على سريري و عبثا حاولتُ النوم... لم أنم و لا لحظة واحدة
و عاصرتُ بزوغ الشمس و مراحل سباحتها في كبد السماء ساعة ً ساعة و حمدتُ الله أنه كان يوم إجازة و إلا لتغيبتُ عن العمل من شدة التعب...
لم أفعلْ شيئا سوى التفكير و التفكير...
و عند نحو العاشرة و النصف سمعتُ طرقا على الباب...

" تفضّل "

لقد كانتْ أروى...
و على غير العادة لم نبدأ حديثنا بالتحية...

" هل استيقظتَ ؟ "

سألتني و وجهها يسبح في الحزن...

" بل قولي : هل نمتَ ؟ "

لم تعلق أروى، ثم قالتْ :

" أيمكننا التحدث الآن ؟ "

" تفضلي "

و بالطبع تعرفون عم سنتحدث...

" أريد أن أعرف... تفاصيل مقتل عمار... و لم أخفيتَ الحقيقة عني... و ما علاقة كل هذا برغد ؟ "

تنهدتُ ثم قلتُ :

" هل... سيغير ذلك شيئا ؟ "

أروى قالتْ بسرعة :

" بالطبع... سيغيّر الكثير... "

و لا أدري ما قصدتْ بذلك... و لم يعد يهمني ما قد يحدث.... في نظري الآن... لا شيء يستحق الاهتمام...

" حسنا يا أروى... لقد سبق و أن أخبرتُك بأنني انتظر الوقت المناسب لأطلعكِ على أمر مهم... و لم يعد هناك معنى للصمت بعد الآن "

" إذن ... اخبرني بكل شيء ... "

تنهّدتُ تنهيدة مريرة... خرجتْ من صدري عجوزا واهنة لم تجد ما تتكئ عليه... و سرعان ما هوتْ في أعماق الذكريات...

" قبل أكثر من تسع سنوات... قتلتُ عمار... و دخلتُ السجن... و هناك تعرّفتُ إلى والدك... بمحض الصدفة... و قبل وفاته أوصاني بكِ و بأمكِ خيرا... و ماتَ و هو لا يعرف أنني... من قتل ابن أخيه أو ربما لا يعرف حتّى... أن ابن أخيه قد قُتِل "

كانتْ أروى تصغي إلي باهتمام...

و عندما توقفتُ نظرتْ إلي بتعجب و قالتْ:

" هذا كل شيء ؟ "

قلتُ بضيق باد ٍ :

" نعم "

هزّتْ رأسها استنكارا و قالتْ:

" لا تخفي عنّي شيئا يا وليد... اخبرني بالحقيقة كاملة "

" ماذا تريدين أن تعرفي ؟ "

" لماذا قتلتَ عمّار "

التزمتُ الصمت

" لماذا يا وليد ؟ "

أجبتُ :

" فيم يهمّك ذلك ؟ "

" بالتأكيد يهمني أن أعرف "

قلتُ :

" لم يكن ذلك يهمّك ... سابقا "

صمِت ّ قليلا ثم قلتُ :

" أتذكرين ؟؟ ارتبطت ِ بي و لم تسأليني لِمَ دخلتُ السجن... و من قتلتُ... و لماذا .."

أروى قالتْ :

" لكن... ذلك كان قبل أن أكتشف أن الضحية كان ابن عمّي "

هيجتني الجملة فهتفتُ منفعلا :

" الضحية ؟؟ تقولين عن ذلك الحقير الضحية ؟؟ "

حملقتْ أروى بي ثم انطلق لسانها مندفعاً :

" هذا ما يثير جنوني... لماذا تنعته بالحقير و القذر؟ ماذا فعل؟ ماذا حصل؟ ما الذي كان بينكما؟ و لماذا قتلته؟ "

لم أجب...

" وليد أجبني ؟ "

أشحتُ بوجهي بعيدا... لكنها حاصرتني من كل الجوانب

" لماذا لا تريد أن تجيب يا وليد ؟؟ بدايةً... أنا لا أصدق أنك يمكن أن تقتل رجلاً مهما حصل... فلماذا قتلتَ ابن عمّي ؟ "

قلتُ منفعلا :

" لا تشيري إليه بـ ( ابن عمّي ) فهذا يثير التقزز يا أروى "

" وليد ! "

قلت ُ بصبر نافذ :

" اسمعي يا أروى... لا استطيع أن أفصح عن السبب... لقد قتلتُه و انتهى الأمر... و لستُ نادما... و لن أندم يوما على ذلك... "

ثم استطردت ُ :

" أرجوك ِ يا أروى... أنا متعب للغاية... هذا يكفي الآن "

الحيرة تملكتْ أروى ممزوجةً بالفضول الشديد... و أصرتْ على معرفة المزيد لكنني امتنعتُ عن البوح بالحقيقة...

فجأة سألتْ :

" هل... تعرف رغدُ ذلك ؟ "

و ربما للانفعال الذي ظهر على وجهي استنبطتْ هي الجواب دون أن أنطق...

ثم بدا عليها بعض التردد و قالتْ أخيرا :

" و ... هل ... لثروتي علاقة بذلك ؟ "

نظرتُ إليها مستغربا و سألتُ:

" ثروتك؟؟ ماذا تعنين؟ "

قالت :

" أعني... هل كنتَ تعرف... عن ثروة عمّي قبل زواجنا ؟ "

صُعقتُ من سؤالها... وقفتُ فجأة مذهولا كمن لدغته أفعى...
قلتُ :

" ما الذي تقولينه؟؟ "

أروى وقفتْ بدورها و أفلتتْ أعصابها منطلقة:

" أنا لا أعرف ما الذي أقوله... لا أعرف كيف أفكّر... قبل ساعات اكتشفتُ أن خطيبي هو قاتل ابن عمّي... و أنتَ تخفي عني الحقيقة... و ترفض البوح بشيء... كيف تريدني أن أفكّر يا وليد أنا أكاد أجن ... "

حقيقة لم أرَ أروى بهذه الحالة من قبل...

قلتُ بعصبية :

" لا علاقة لهذا بزواجنا يا أروى... لا تذهبي بأفكارك إلى الجحيم "

صرختْ :

" إذن قل لي الحقيقة "

" أي حقيقة يا أروى بعد ؟؟ "

" لماذا قتلتَ عمار و لماذا أخفيتَ الأمر عنّي ؟؟ و لماذا لا تريدني أن أعرف السبب ؟ "

وضعتُ يدي على جبيني و ضغطت على صدغي ّ حائلا دون انفجارهما...

" لماذا يا وليد ؟ "

صرختُ :

" أرجوك يا أروى... لا تضغطي علي... لا استطيع إخبارك عن الأسباب... "

احمرّ وجه أروى الأبيض غضبا و قالتْ و هي تهمّ بالمغادرة :

" سأعرفُ الأسباب... من رغد إذن "

و انطلقتْ نحو الباب

أبعدتُ يدي عن رأسي فجأة و تركتُه ينفجر صداعا قاتلا... و هتفتُ بسرعة :

" أروى انتظري "

لكن أروى كانت قد غادرتْ الغرفة و لالتصاق غرفتي بغرفة رغد سرعان ما مدّتْ ذراعها و طرقتْ باب رغد و نادتها

أسرعتُ خلفها محاولا منعها

" توقفي يا أروى إيّاكِ "

قلتُ ذلك و أنا أبعدُ يدها عن الباب...

" دعني يا وليد... أريد أن أعرف ما تخفيانه عني... "

جذبتُ أروى بقوة حتى آلمتُها و صرختُ بوجهها :

" قلتُ توقفي يا أروى ألا يكفي ما فعلتِه بالأمس ؟؟ يكفي "

" أنا ؟ ما الذي فعلتُه ؟ "

" ما قلتِه لرغد عن ثروتكِ و عما ننفقه من ثروتكِ... و أنتِ تعلمين يا أروى أنني احتفظ بسجل لكل المصروفات... و أنّ ما أعطيها إياه هو من راتبي أنا و مجهودي أنا... "

هنا فُتِح الباب و أطلتْ منه رغد...
أول ما اصطدمتْ نظراتنا تولّد شرر أعشى عينيّ...
هل رأيتموه ؟؟

حملقنا ببعضنا قليلا... و الطيور على رؤوسنا نحن الثلاثة...

أول ما تكلمتْ رغد قالت بحدة:

" نعم ؟ ماذا تريدان ؟ "

و نقلتْ بصرها بيننا... و لم ننطق لا أنا و لا أروى...

قالتْ رغد:

" من طرق بابي ؟ "

هنا أجابتْ أروى:

" أنا "

سألتْ رغد بغضب:

" ماذا تريدين ؟ "

أروى ترددتْ ثوانٍ لكنها قالت:

" سأسألك سؤالا واحدا "

هنا هتفتُ رادعا بغضب :

" أروى... قلتُ كلا "

التفتتْ إليّ أروى محتجةً :

" و لكن يا وليد "

فصرختُ مباشرة و بصرامة :

" قلتُ كلا ... ألا تسمعين







قديم 31-01-2009, 02:31 AM   رقم المشاركة : 167
!!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
Band
 
الصورة الرمزية !!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
 






!!! الرومـ ^_* ـانسي !!! غير متصل

ابتلعتْ أروى سؤالها و غيظها و أشاحتْ بوجهها و انصرفتْ من فورها...
لم يبقَ إلا أنا و رغد... و بضع بوصات تفصل فيما بيننا... و شريط البارحة يُعرض في مخيلتنا... عيوننا متعانقة و أنفاسنا مكتومة...
تراجعتْ رغد للخلف و همّتْ بإغلاق الباب ...

" انتظري "

استوقفتها... لم أكن أريدها أن تبتعد قبل أن أرتاح و لو قليلا...

" ماذا تريد ؟ "

سألتني فقلتُ بلطفٍ و رجاء :

" أن نتحدّث قليلا "

فردتْ بحدة و جفاء :

" لا أريد التحدث معك... دعني و شأني "

و دخلتْ الغرفة و أغلقتْ الباب بهدوء... لكنني شعرتُ به يصفع على وجهي و أكاد أجزم بأن الدماء تغرق أنفي...
جلستُ في الصالة مستسلما لتلاعب الأفكار برأسي تلاعب المضرب بكرة التنس... بعد ذلك رغبتُ في بعض الشاي علّه يخفف شيئا من صداع رأسي...
هبطتُ إلى الطابق السفلي و إلى المطبخ حيث وجدتُ أروى و خالتي تجلسان بوجوم حول المائدة...
حييتُ خالتي و شرعتُ بغلي بعض الماء...

" وليد "

التفتُ إلى أروى... التي نادتني و رأيتُ في وجهها تعبيرات الجد و الغضب...

" أريدُ العود إلى المزرعة "

حملقتُ في أروى غير مستوعبٍ لجملتها الأخيرة هذه... سألتُ :

" ماذا ؟ "

أجابتْ بحزم :

" أريد العودة إلى المزرعة... و فورا "

التفتُ إلى خالتي فهربتْ بعينيها إلى الأرض... عدتُ إلى أروى فوجدتُها تنتظر جوابي

قلتُ :

" ماذا تقولين ؟ "

" ما سمعتَ يا وليد... فهل لا دبّرت أمر عودتنا أنا و أمي الآن ؟؟ و إذا لم تستطع مرافقتنا فلا تقلق. نستطيع تدبير أمورنا في المطار و الطائرة "

عدتُ أنظر إلى خالتي فرأيتُها لا تزال محملقة في الأرض...

" خالتي ... "

التفتتْ إلي فسألتُ :

" هل تسمعين ما أسمع ؟ "

الخالة تنهدتْ قليلا ثم قالتْ :

" نعم يا بني. دعنا نعود لأرضنا فقد طال بعدنا و أضنانا الحنين "

أدركتُ أن الأمر قد تمتْ مناقشتُه و الاتفاق عليه من قِبلهما مسبقا... عدتُ أكلم أروى:

" ما هذا القرار المفاجئ يا أروى... غير ممكن ... تعلمين ذلك "

أروى قالت بحدة :

" أرجوك يا وليد... لستُ أناقش معك تأييدك من عدمه... أنا فقط أعلمك عن قراري و أريد منك شراء التذاكر... "

" أروى !! "

" و هذا قرار نهائي و لا تحاول ثنيي عنه...رجاء ً يا وليد احترم رغبتي ..."

و عبثا حاولتُ ... و باءتْ محاولاتي بالفشل... و أصرتْ أروى و أمها على العودة إلى المزرعة و بأسرع ما يمكن...
تركتُ الماء يغلي و يتبخر و ربما يحرق الإبريق... و خرجتُ من المنزل... لم يكن لدي هدف و لكنني أرت الابتعاد قبل إثارة شجار جديد...
حاولتُ إعادة تنظيم أفكاري و حلولي فأصابني الإعياء من كثرة التفكير...
عندما عدتُ وقت زوال الشمس... كانتْ أروى و خالتي قد حزمتا أغراضهما في الحقائب...

" بالله عليك يا أروى... تعلمين أنه لا يمكنكما السفر... "

قالت :

" لماذا ؟ "

قلتُ :

" تعرفين لماذا... لا يمكن أن... نبقى أنا و رغد بمفردنا "

و كأن كلامي هذا أشعل الجمر في وجهها... إني لم أرَ أروى غاضبة بهذا الشكل من ذي قبل...

" من أجل رغد ؟ لقد انتهينا يا وليد... أنا لم يعد يهمني ما تفعله و ما لا تفعله من أجل رغد... دبر أمورها بعيدا عني... لا علاقة لي بهذه الفتاة من الآن فصاعدا "

و تركتني و غادرتْ المكان...
وقفتُ حائرا غير قادر على التصرف... خاطبتني خالتي آنذاك :

" دعنا نذهب يا بني فهذا خيرٌ لنا "

قلتُ معترضا :

" كيف تقولين ذلك يا خالتي؟؟ تعرفين أن رغد تدرس في الكلية و لا يمكنني العودة بها إلى المزرعة و لا البقاء معها هنا وحيدين... أرجوكِ يا خالتي قدري موقفي... أرجوك ... اقنعي أروى بتغيير قرارها المفاجئ هذا "

لكن خالتي هزتْ رأسها سلبا... و قالتْ:

" ابنتي متعبة يا وليد... لقد لقيَتْ منك و من ابنة عمّك الكثير... رغم كل ما تفعله من أجلك... أنتَ صدمتها بقوة... و صدمتني كذلك... دعنا نعود إلى مزرعتنا نتنفس الصعداء... يرحمك الله "

لم أجرؤ على إطالة النظر في عينيها أكثر من ذلك... و لم أجسر على قول شيء... شعرتُ بالخجل من نفسي و أنا أقف حاملا ذنبي الكبير ...أمام كل ما فعلتْه عائلة نديم لي عبر كل تلك الشهور...
كم أشعر بأنني خذلتهم... و صدمتهم...
لكن...
ألم يكونوا يعرفون بأنني قاتل مجرم خريج سجون؟؟
هل يفرق الأمر فيما لو قتلتُ عمار عما لو قتلتُ غيره ؟؟
هل كان علي أن... أبوح بسري إلى أروى منذ البداية؟؟

كان يوما من أسوأ أيام حياتي... حاولتُ النوم من جديد بلا جدوى... و حاولتُ الذهاب إلى رغد و لم أجرؤ... و حاولتُ التحدث مع أروى فصدتني...

قبل غروب الشمس، ذهبتُ إلى أحد مكاتب شركة الطيران و حجزتُ أربعة تذاكر سفر إلى الشمال...

عدتُ بعد صلاة العشاء حاملا معي طعاما جلبتُه من أحد المطاعم...
كنتُ أشعر بالجوع و التعب و آخر ما أكلته كان بعض المكسرات ليلة أمس... كما و أن أروى لم تعد أي وجبة هذا اليوم...

" أحضرتُ أقراص البيتزا لنا جميعا... دعونا نتناولها فلابد أنكما جائعتان مثلي "

قلتُ ذلك و أنا أضع العلب الأربع على المنضدة في غرفة المعيشة، حيث كانت أروى و الخالة تجلسان و تشاهدان التلفاز...
الخالة ابتسمتْ ابتسامة سطحية أما أروى فلم تتحرك...
فتحتُ علبتِي و اقتطعتُ قطعة من البيتزا الساخنة و قضمتُها بشهية...

" لذيذة... تعالي يا أروى خذي حصّتك "

و مددتُ باتجاهها إحدى العلب... أروى لم تتحرك... فقلتُ مشجعا :

" إنها لذيذة بالفعل "

أتدرون بم ردّتْ ؟

" خذها لابنة عمك... لابد أنها الآن تتضور جوعا و هي حبيسة غرفتها منذ البارحة "

فوجئتُ و اغتظتُ من ردّها... و ما كان منّي إلا أن وضعتُ العلبة على المنضدة مجددا و أعدتُ قطعتي إلى علبتها كذلك...

الجو غدا مشحونا... و حاولتْ خالتي تلطيفه فأقبلتْ نحوي و أخذتْ إحدى العلب... و وضعتها بينها و بين أروى و بدأتْ بالأكل...

أما أروى فلم تلمسها...

حملتُ العلبة الثالثة و قلتُ و أنا أغادر الغرفة:

" نعم... سآخذها إليها "

و لا أدري بم تحدثتا بعد انصرافي...

حالما طرقتُ باب رغد و تحدثتُ إليها :

" أحضرتُ لك ِ قرص بيتزا... تفضلي "

ردتْ علي :

" لا أريد منك شيئا..."

امتصصتُ ردها المر رغما عني، و أجبرتُ لساني على الكلام :

" لماذا يا رغد؟ إلى متى ستصومين؟ هل تريدين الموت جوعا؟ "

و ردّتْ علي :

" أكرم لي من الأكل من ثروة الغرباء "

استفزني ردها فطرقتُ الباب بانفعال و أنا أقول :

" ما الذي تقولينه يا رغد؟ افتحي الباب و دعينا نتحدّث "

لكنها صاحتْ:

" دعني و شأني "

فما كان منّي إلا الانسحاب... مكسور الخاطر...
استلقيتُ على أريكة في الصالة العلوية... وسط الظلام... لا أرى إلا السواد يلون طريقي و عيني و أفكاري...

و مرتْ الساعة بعد الساعة... و الأرق يأكل رأسي... و الإجهاد يمزق بدني و الجوع يعصر معدتي... و يهيج قرحتي... و لم يغمضْ لي جفن أو يهدأ لي بال...

بعد سكون طويل سمعتُ صوت أحد الأبواب ينفتح...
لابد أنها رغد... إذ أن أروى و الخالة تنامان في غرفتين من الناحية الأخرى من المنزل، بعيدتين عن الصالة و عن غرفتينا أنا و رغد...
أصغيتُ السمع جيدا... شعرتُ بحركة ما... فقمتُ و حثثتُ الخطى نحو غرفة رغد...
رأيتُ الباب مفتوحا و يبدو أنها قد غادرتْ قبل ثوان...

وقفتُ عند الباب منتظرا عودتها... و أنا بالكاد أحملُ جسدي على رجلي... و استندُ إلى الجدار الفاصل فيما بين غرفتينا ليمنحني بعض الدعم...
كنتُ بحاجة لأن أراها و أكلمها و لو كلمة واحدة... عل ّ عيناي تأذنان بإسدال جفونهما...

بعد قليل أقبلتْ رغد...
و انتفضتْ حالما رأتني... و كذلك أنا... تشابكتْ نظراتنا بسرعة... و انفكّت بسرعة!

رغد كانتْ تحمل قارورة مياه معدنية... و كانت ترتدي ملابس النوم... و بدون حجاب...

أبعدتُ نظري عنها بتوتر و أنا أتنحنح و أستديرُ نحو باب غرفتي و افتحه و أخطو إلى الداخل... على عجل... و من ثم أغلق الباب... بل و أوصده بالمفتاح !

وقفتُ خلف الباب لبعض الوقت... أتصبّب عرقا و اضطرب نفسا و أتزايد نبضا... و أشدّ و أرخي عضلات فكي في توتر... حتى سمعتُ باب غرفة رغد ينغلق...
و نظرتُ إلى الجدار الفاصل بين غرفتينا... و اعتقد ... إن لم يكن السهر قد أودى بعقلي... أنني رأيتُ رغد من خلاله !

إنني أراها و أشعر بحركاتها... و أحس بالحرارة المنبعثة منها أيضا !

مرتْ دقائق أخرى و أنا لا أزال أشعر بها موجودة حولي... أكادُ أجن... من أجل التحدث معها و الاطمئنان عليها... و لو لدقيقة واحدة...

و لم أستطع تجاهل هذا الشعور...
فتحتُ بابي و خطوتُ نحو بابها و قبل أن يتغلب علي ترددي طرقته بخفة...

" رغد ... "

لم اسمع الجواب... لكني متأكد من أنها لم تنم...

عدتُ و طرقته من جديد :

" رغد... "

و سمعتُ صوتها يجيبني على مقربة... بل إنني كدت ألمسه ! أظنها كانت تهمسُ في الباب مباشرة !

" نعم ؟ "

ارتبكت ُ و تعثرتْ الكلمات على لساني...

" أأأ... إممم ... هل أنت ِ نائمة ؟ أعني مستيقظة ؟ "

" نعم "

" هل... استطيع التحدث معك ؟ "

لم تجب رغد...فحدقتُ النظر إلى الموضع الذي يصدر منه صوتها عبر الباب مفتشا عن كلامها!
أعرف... لن تصدقوني !
لكنني رأيتُه أيضا ...

" ماذا تريد ؟؟ "

أجبت ُ بصوت ٍ أجش :

" أن أتحدّث معكِ... قليلا فقط "

و لم ترد... قلتُ :

" أرجوكِ رغد... قليلا فقط "

و لم تجبْ... فكررتُ بنبرة شديدة الرجاء و اللطف :

" أرجوكِ... "

بعد ثوان انفتح الباب ببطء...
كانتْ صغيرتي تنظرُ إلى الأرض و تتحاشى عيني ّ... أما أنا فكنتُ أفتش عن أشياء كثيرة في عينيها... عن أجوبة لعشرات الأسئلة التي تنخُر دماغي منذ الأمس...
عن شيء ٍ يطمئنني و يسكّن التهيّج في صدري...
و يمحو كلماتها القاسية ( أكرهك يا بليد ) من أذني ّ ....

" أنا آسف صغيرتي و لكن... أود الاطمئنان عليكِ "

ألقتْ رغد عليّ نظرة خاطفة و عادتْ تخبـّئ بصرها تحت الأرض...

" هل أنت ِ بخير ؟ "

أومأت ْ إيجابا... فشعرت ُ ببعض ٍ من راحة ٍ ... ما كان أحوجني إليها...

" هل... يمكننا الجلوس و التحدث قليلا ؟ "

رفعت ْ نظرها إليّ مستغربة، فهو ليس بالوقت المناسب للحديث ... و كنت ُ أدرك ذلك، لكنني كنت ُ غاية في الأرق و انشغال البال و لن يجد النوم لعيني ّ سبيلا قبل أن أتحدث معها...

" أرجوك...فأنا متعب... و أريد أن أرتاح قليلا... أرجوكِ "

ربما خرج رجائي عميقا أقرب إلى التوسل... كما خرج صوتي ضعيفا أقرب إلى الهمس... و تفهّمتْ رغد ذلك و فسحتْ لي المجال للدخول...

توجهت ُ مباشرة إلى الكرسي عند المكتب و جلست ُ عليه... و أشرتُ إليها :

" اجلسي رغد "

فجلستْ هي على طرف السرير...
حاولتُ تنظيم أفكاري و انتقاء الكلمات و الجمل المناسبة و لكن حالتي تلك الساعة لم تكن كأي حالة...
لمحت ُ قارورة الماء نصف فارغة موضوعة على المكتب إلى جواري...

" رغد... ألا تشعرين بالجوع ؟ "

سرعان ما نظرتْ إلي تعلوها الدهشة !
فهو ليس بالموضوع الذي يتوقع المرء أن يدور نقاشٌ طارئ ٌ في منتصف الليل حوله!

قلت ُ بحنان :

" يجب أن تأكلي شيئا قبل أن تنامي... "

عقــّبتْ هي باندهاش :

" أهذا كل شيء ؟؟ "

تأوهت ُ و قلت ُ:

" لا و لكن... أنت ِ لم تأكلي شيئا منذ ليلتين و أخشى أن يصيبك الإعياء يا رغد "

لم تتجاوب معي... فأدرت ُ الحديث إلى جهة أخرى...

" رغد... مهما كان ما قالته أروى... أو مهما كان شعوركِ نحوها... أو حتى نحوي... لا تجعلي ذلك يزعزع من ثقتك... بأن ّ... بأن ّ... "

و تعلقت ْ الكلمات على طرف لساني برهة شعرتُ فيها بالشلل... ثم أتممت ُ جملتي بصوت أجش...

" بأنكِ... كما كنت ِ... و كما ستظلين دائما... صغيرتي التي... التي... "

و تنهدتُ بمرارة...

" التي ... أحبُ أن أرعاها و أهتم بجميع شؤونها مهما كانت... "

نظرت ْ إلي بتمعن و اهتمام... و لكنها لم تعلـّـق...

أضفتُ :

" و كل ما أملك يا رغد... قل ّ أم كثر... هو ملكك ِ أنت ِ أيضا و تحت تصرّفكِ... يا رغد... أنا لا آخذ شيئا من ثروة أروى... إنما استلم راتبا كأي موظف... إنني احتل منصب المدير كما تعلمين... و دخلي كبير... فلا تظني بأنني أحصل على المال دون عناء أو دون عمل... "

رغد قالت فجأة:

" بل أنا من ... يحصل عليه دون عناء و دون عمل... و دون حق و لا مقابل "

ازداد ضيق صدري و لم يعد قادرا حتى على التنهّد...

سألتها بمرارة و أنا أحس بعصارة معدتي تكاد تحرق حبالي الصوتية:

" لماذا يا رغد؟؟ لماذا دائما... تقولين مثل هذا الكلام؟؟ ألا تدركين أنك... تجرحين شعوري؟"

تعبيرات رغد نمّتْ عن الندم و الرغبة في الإيضاح... و لكن لا أعرف لم انعقد لسانها...

قلتُ :

" رغد... أنا ... لطالما اعتنيتُ بكِ... ليس لأن من واجبي ذلك... حتى في وجود والدي ّ رحمهما الله... و حتى و أنت ِ مرتبطة بسامر... و أنت ِ طفلة و أنتِ بالغة و أنت ِ في كل الأحوال و مهما كانت الأحوال... دائما يا رغد... أنتِ صغيرتي التي أريد و لا شيء يبهجني في حياتي أكثر من ... أن اعتني بها... كجزء ٍ لا يتجزأ منّي يا رغد... "

أجهل مصدر الجرأة التي ألهمتني البوح بهذه الكلمات الشجية وسط هذا الظلام الساكن...

تلعثمتْ التعبيرات على وجه رغد... أهي سعيدة أم حزينة؟ أهي مصدقة أم مكذبة؟ لا يمكنني الجزم...

سألتني و كأنها تريد أن تستوثق من حقيقة تدركها... ليطمئن قلبها :

" صحيح... وليد ؟ "

لم أشعر بأن إجابتي من كل هذا البعد ستكون قوية ما يكفي لطمأنتها... وقفتُ... سرتُ نحوها... أراها أيضا بعيدة... أجثو على ركبتيّ... تصبح عيناي أقرب إلى عينيها... تمتد يداي و تمسكان بيديها... ينطق لساني مؤكدا :

" صحيح يا رغد... و رب الكعبة... الذي سيحاسبني عن كل آهة تنفثينها من صدرك بألم... و عن كل لحظة تشعرين فيها باليتم أو الحاجة لشيء و أنا حي على وجه الأرض... لا تزيدي من عذابي يا رغد... أنا لا استطيع أن أنام و في صدرك ضيق و لا أن أهدأ و في بالك شاغل... و لا حتى أن آكل و أنت ِ جائعة يا رغد... أرجوك... أريحيني من هذا العذاب... "

لم أشعر إلا ويدا رغد تتحرران من بين يدي و تمسكان بكتفي ّ

" وليد..."

امتزجتْ نظراتنا ببعضها البعض... و لم يعد بالإمكان الفصل فيما بينها...
عينا رغد بدأتا تبرقان باللآلئ المائية...

قلتُ بسرعة :

" لا تبكي أرجوك "

رغد ربما ابتلعتْ عبراتها في عينيها و سحبتْ يديها و شبكتْ أصابعها ببعضها البعض... ثم طأطأتْ رأسها هاربة من نظراتي...

ناديتُها مرة و مرتين...لكنها لم ترفع عينيها إلي ّ... ولم تجبني...

" رغد... أرجوك... فقط ... قولي لي أنكِ بخير حتى أذهب مرتاحا... أنا بحاجة للنوم... كي أستطيع أن أفكر... لا استطيع التفكير بشيء آخر و أنا... قلق عليك ِ "

أخيرا رغد رفعتْ عينيها و نظرتْ إليّ...

" هل ... أنتِ بخير ؟؟ "

هزّتْ رأسها و أجابت :

" نعم ... بخير "

تنهدتُ ببعض الارتياح... ثم قلتُ :

" جيد... لكن... يجب أن تتناولي بعض الطعام قبل أن تنامي... هل أعيد تسخين البيتزا؟؟"

قالتْ مباشرة :

" لا... لا ..."

قلتُ :

" إذن... تناولي أي شيء آخر قبل أن تنامي... رجاء ً "

نظرتْ إلى الأرض و أومأتْ إيجابا...

تأملتُها برهة عن قرب... ثم وقفتُ و أعدت ُ تأمّلها من زاوية أبعد... و مهما تبعد المسافات... إنها إلى قلبي و كياني أقرب... و أقرب...
أقرب من أن أقوى على تجاهل وجودها و لو لبرهة واحدة...
أقرب من أن أستطيع أن أغفو دون أن أحس بحرارة قربها... في جفوني...
و أقرب من أن أسمح لصدى ( أكرهكَ يا بليد ) بأن... يبعدها عنّي...

قلتُ :

" حسنا صغيرتي... سأترككِ تأكلين و تنامين... "

و خطوتُ نحو الباب... ثم عدتُ مجددا أتأملها... راغبا في مزيد من الاطمئنان عليها... متمسكا بآخر طيف لها... يبرق في عيني ّ...

" أتأمرين بشيء ؟ "

رغد حركتْ عينيها إليّ... ثم قالتْ :

" كلا... شكرا "

فقلتُ :

" بل ... شكرا لك ِ أنتِ صغيرتي... و اعذريني... "

و ختمتُ أخيرا :

" تصبحين على خير "

و غادرتُ غرفتها عائدا إلى غرفتي...

رميتُ أطرافي الأربعة على سريري ناشدا الراحة... لكني لم أحصل حقيقة عليها ... لم تكن جرعة رغد كافية لتخدير وعيي... و لليلة الثانية على التوالي أعاصر بزوغ الفجر و أشهد مسيرة قرص الشمس اليومية تشق طريقها ساعة ً ساعة ... عبر ساحة السماء...




~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~



صحوت ُ من نومي القصير و أنا أشعر بدوار شديد و رجفة في أطرافي... و إجهاد و ضعف عام في عضلاتي... لم استطع التحرك عن موضعي في السرير... لابد أن السبب هو الجوع فأنا لم آكل شيئا منذ ليلة شجاري مع الشقراء... و بالرغم من أن وليد نصحني بالطعام البارحة إلا أنني لم أكن أشعر بأي شهية له

هذا إضافة إلى تأثير السهر و الأرق... اللذين لم يبرحاني مذ حينها...

كلّما حاولتُ الحركة ازداد الدوار... و تسارعتْ خفقات قلبي ... و صعُبَ تنفسي...إنه ذات الشعور الذي داهمني يوم فرارنا حفاة من المدينة الصناعية... و تشردنا جياعا عطشى في البر...
أمن أحد ليساعدني؟ أريد بعض الماء ... أريد قطعة خبز... أكاد أفقد وعيي...!
أغمضتُ عيني و تنفستُ بعمق و حبستُ الهواء بصدري كي أمنع عصارة معدتي من الخروج... و زفرتُ أنّة طويلة تمنيتُ أن تصل إلى مسامع وليد... لكن الجدار الفاصل بيننا بالتأكيد امتص أنيني...

بعد قليل سمعتُ طرقا على الباب... معقول أنه وليد قد سمعني؟ الحمد لله...!

استجمعتُ بقايا قوتي و قلتُ مباشرة:

" ادخل "

لم أكن ارتدي غير ملابس النوم و لكن أي قوة أملك حتى أنهض و أضع حجابي؟؟ لففتُ لحافي حولي عشوائيا و كررتُ:

" ادخل "

انفتح الباب ببطء و حذر...

قلتُ بسرعة مؤكدة :

" تفضل "

بسرعة... أنقذني...
و أنا انظر نحو الباب... بلهفة...
أتدرون من ظهر؟
إنها أروى...
فوجئتُ بها هي تدخل الغرفة...
قالتْ و هي تقفُ قرب الباب :

" أريد أن أتحدّث معك "

أغمضتُ عيني... إشارة إلى أنني لا أريدها... إلى أنني متعبة... إلى أنني لم أكن أنتظرها هي... و لم أكن لأطلب العون منها...

قالتْ :

" هو سؤال واحد أجيبيه و سأخرج من غرفتك "

قلتُ و أنا أزفر بتعب :

" أخرجي "

لكن أروى لم تخرج... فتحتُ عيني ّ فوجدتها تقتربُ منّي أكثر... أردتُ أن أنهض فغلبني الدوار... أشحتُ بوجهي بعيدا عنها... لا أريد أن أراها و لا أريد أن تراني بهذه الحالة...

أروى قالتْ :

" فقط أجيبيني عن هذا السؤال يا رغد... يجب أن تجيبيني عليه الآن... "

لم أتجاوب معها
حلّي عني يا أروى ! ألا يكفي ما أنا فيه الآن ؟؟ إنني إن استدرتُ إليك فسأتقيأ على وجهك الجميل هذا...

" رغد "

نادتني

فأجبتُ بحنق :

" ماذا تريدين منّي ؟ "

قالتْ :

" أخبريني... أتعرفين... لماذا ... قتل وليد عمّار ؟؟ "

انتفض جسمي كلّه فجأة... و الخفقات التي كانت تهرول في قلبي صارتْ تركض بسرعة... بأقصى سرعة...
التفت ُ إلى أروى... أو ربما الغرفة هي التي دارتْ و جعلتْ وجهها مقابل وجهي... لست ُ أكيدة...

حملقتْ أروى بي ثم قالتْ :

" تعرفين السبب... أليس كذلك ؟ أنا واثقة..."

هززتُ رأسي نفيا... أريد محو السؤال و محو صورتها و محو الذكريات التي كسرتْ الباب و اقتحمتْ مخيّلتي فجأة ... هذه اللحظة...

قالت أروى:

" بل تعرفين... تصرفاتك و انفعالك يؤكد ذلك يا رغد... أنا واثقة من هذا... لا أعرف لم أنتما مصران على إخفاء الأمر عنّي... لكن... "

هتفتُ :

" كفى..."

أروى قالتْ بإصرار :

" للأمر... علاقة بك ِ أنت ِ... أليس كذلك ؟؟ "

صرخت ُ و أنا أحاول صم أذني ّ عن سماع المزيد... و إعماء عيني عن رؤية شريط الماضي...

" يكفي "

لكن أروى تابعتْ :

" أخبريني يا رغد... يجب أن تخبريني... لماذا قتل وليد عمّار... و ما علاقتكِ أنتِ بهذا ... لماذا صرخت ِ حين رأيت ِ صورته معلقة على جدار المكتب؟؟ و لماذا تنعتانه أنتما الاثنان بالحقير؟؟ ماذا فعل؟؟ ما الذي ارتكبه و جعل وليد... يقتله انتقاما؟؟ أنت ِ تعرفين الحقيقة... أليس كذلك؟؟ من حقي أن أعرف... أخبريني ... "

" كفى... كفى ... كفى ... "

صرختُ و أنا أضغط بيدي كلتيهما بقوة على صدغي ّ محاولة منع الذكرى المريرة الملغومة من الانفجار في رأسي...

آنذاك... ظهر لي وجه عمار في الصورة... نعم... لقد رأيتُه يقترب منّي... رأيتُ يديه تمتدان نحوي... قفزت ُ عن سريري مفزوعة... صرختُ ... رأيت ُ الجدران تتصدع إثر صراخي... رأيتُ السقف ينهار... و الأرض تهتز ... أحسست ُ بعيني تدور ... و الغرفة تدور... و شعرت ُ بيد ٍ ما تمتد ُ نحوي... تحاول الإمساك بي...
إنها... يد عمّار !


" لا... لا... لاااااااااااااا "



~~~~~~~~~~~~







>>> تتمة







قديم 31-01-2009, 02:33 AM   رقم المشاركة : 168
!!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
Band
 
الصورة الرمزية !!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
 






!!! الرومـ ^_* ـانسي !!! غير متصل


على هذه الصرخات انتفضتُ و رميتُ بفرشاة أسناني جانبا و خرجتُ من الحمام مسرعا مبتلعا بقايا المعجون دفعة واحدة و مطلقا ساقي ّ للريح... نحو غرفة رغد...
كان الباب مفتوحا و الصراخ ينطلق عبره... مفزِعا...
اقتحمتُ الغرفة فورا و رأيتُ رغد واقفة عند سريرها ممسكة برأسها بكلتا يديها و تصرخ مذعورة ... فيما أروى واقفة مذهولة إلى جوارها معلقة يديها في الهواء...

" رغد ؟؟ "

هرولتُ باتجاهها مفزوعا طائر العقل ... و رأيتُ يديها تبتعدان فجأة عن رأسها و تمتدان نحوي... و في ثوانٍ... تخطو إلي ّ... و تهوي على صدري... و تطبق علي ّ...

تعثر قلبي الراكض و انزلق أرضا بعنف... جراء الموقف...
كنتُ مذهولا ... لا أعرف و لا أدرك ما يحصل من حولي...

" رغد ؟؟ "

صرخت ُ فزعا... و أنا ألتقطها بين ذراعي فجأة و أضمها إلي ّ و أشعر بصراخها يخترق أضلاع قفصي الصدري...

" بسم الله الرحمن الرحيم... ماذا حصل رغد ...؟ "

حاولت ُ إبعاد رأسها كي أنظر إلى عينيها لكنها غاصتْ بداخلي بعمق ... بقوة و هي تصرخ:

" أبعده عني... أبعده عنـّـي ... أبعده عنـّـي "

ألقيتُ نظرة خاطفة على أروى فرأيتها مجفلة فزعة محملقة بعينيها...

صرختُ :

" ماذا حصل ؟ "

لم تقو َ على الكلام...

صرختُ ثانية :

" ماذا حصل ؟؟ يا أروى؟؟ "

تأتأتْ أروى :

" لا... أدري... "

أبعدتُ رأس رغد عن صدري فلم تقاوم... نظرتُ إلى عينيها أريد أن أسألها عمّا حصل... فإذا بهما تحملقان في الفراغ... و إذا بذراعيها تهويان فجأة على جانبيها... و إذا بها تنزلق من بين يدي...

بسرعة أمسكتُ بها و أنا أصرخ:

" رغد... رغد "

رفعتُها إلى السرير و جعلتُ أخاطبها و أهزها ... لكن عينيها كانتا تبحلقان في اللاشيء... و فجأة دارتا للأعلى و انسدل جفناها من فوقهما...

" رغد... رغد... ما بك ... رغد أجيبيني "

لكنها لم تجب...

صرختُ بانفعال :

" أجيبيني يا رغد... رغد...أرجوكِ... "

و أنا أهزها بعنف محاولا إيقاظها... لكنها... بدت فجأة كالميتة....
تزلزل قلبي تحت قدمي مرتاعا و صرختُ مذهولا:

" يا إلهي... ماتت ْ صغيرتي ماتت ْ ..."

و أنا مستمر في هزّها بعنف دون جدوى...

التفتُ إلى أروى و صرختُ بقوة:

" طبيب... إسعاف... ماء ... افعلي شيئا... احضري شيئا ... تحركي بسرعة "

و أروى واقفة كالتمثال ... متجمدة في فزع ..

صرختُ :

" هيا بسرعة "

تحركتْ أروى باعتباط ... يمينا يسارا حتى إذا ما لمحتْ قارورة الماء تلك على المكتب... أسرعتْ إليها و جلبتها لي
رششتُ الماء على وجه رغد ... بل إنني أغرقتُه و أنا لا أزال أهزها و أضرب خديها بقوة... حتى ورّمتهما....
رغد فتحتْ عينيها فناديتها مرارا لكنها لم تكن تنظر إليّ أو حتى تسمعني... بدتْ و كأنها تسبح في عالم آخر...

" رغد... أتسمعينني؟؟ ردي عليّ... ردي عليّ يا رغد أرجوك... "

و لم تتجاوب معي...
بسرعة قربتُ من فمها قارورة الماء و طلبتُ منها أن تفتحه و تشرب...
رغد لم تحرك شفتيها... بل عادتْ و أغمضتْ عينيها... لكنها لا تزال تتنفس... و لا يزال الشريان ينبض في عنقها بعنف...
أبعدت ُ القارورة و رحت ُ أحرك رأسها يمينا و شمالا بقوة ... محاولا إيقاظها...
و التفتُ إلى أروى آمرا :

" أحضري بعض السكّر "

وقد تفجرتْ فكرة هبوط السكر في بالي فجأة...

أروى حدّقت بي ببلاهة... غير مستوعبة لشيء فهتفتُ:

" السكر يا أروى... بسرعة "

وانطلقتْ أخيرا خارج الغرفة و عادتْ بعد ثوان تحمل علبة السكّر...
كانتْ رغد لا تزال شبه غائبة عن الوعي على ذراعي...
تناولتُ علبة السكر بسرعة و سكبتُ كمية منه داخل القارورة و رججتها بعنف... ثم قرّبتها من رغد مجددا :

" رغد... أتسمعينني؟؟ افتحي فمك..."

لكنها فتحتْ عينيها و نظرتْ إليّ...
رأس رغد كان على ذراعي اليسرى و القارورة في يدي اليمنى... ألصقتُها بشفتيها و قلتُ:

" هيا يا رغد...افتحي فمك "

لم تع ِ رغد كلامي...
رفعت ُ رأسها و فتحت ُ فمها بنفسي... و دلقت ُ شيئا من الشراب فيه...

" اشربي...."

عينا رغد أوشكتا على الإغماض... فهززتها بقوة :

" أوه لا... لا تنامي الآن... أفيقي... اشربي هيا... "

و رفعت ُ رأسها للأعلى أكثر...
حينها وصل الشراب إلى بلعومها فسعلتْ... و ارتد الشراب إلى الخارج...
فتحتْ رغد عينيها و بدا و كأنها استردتْ شيئا من وعيها إثر ذلك...

قربت ُ القارورة من فمها مجددا و قلتُ:

" أتسمعينني يا رغد ؟؟ اشربي... أرجوك..."

سكبتُ كمية أخرى في فمها فابتلعتها رغد فجأة... ثم فجأة رأيتُ المزيج يخرج من فمها و أنفها... و ينسكب مبللا وجهها و ملابسها...

" أوه يا رغد.... كلا... كلا...."

ضممتُها إلى صدري بهلع ... بفزع... بعشوائية... و بانهيار...
كانت طرية كالورقة المبللة...

غمست ُ يدي في علبة السكّر و أخذتُ حفنة منه... و رفعتُها نحو فمها المفغور و نثرتُها فيه... مبعثرا الذرات على وجهها المبلل و على عنقها و ملابسها و في كل مكان من شدّة اضطرابي...

" ابلعيه... أرجوك... أرجوك يا رغد... "

عدتُ و أخذتُ كمية أخرى و حشوتُ فمها بها... و أغلقتُه بيدي... و هي مستسلمة لا تقاوم... و لا تظهر على قسمات وجهها أية تعبيرات...
كأنها تمثال من الورق الذابل...
كانت... كالميتة على ذراعي...
عدتُ أخاطبها فخرج صوتي مبحوحا ممزقا... و كأن حفنة السكر تلك قد انحشرتْ في حنجرتي أنا... و أعطبتْ حبالي الصوتية...

" ابلعيه يا رغد... أرجوك... يجب أن تبلعيه... يا إلهي ماذا جرى لصغيرتي ؟؟ "

أبعدتُ رأس رغد عنّي قليلا... فرأيتُ عينيها نصف مفتوحتين تحملقان في اللاشيء ... و فمها مفتوح تنساب من زاويتيه قطرات اللعاب ممزوجة بحبيبات السكر....
و شيئا فشيئا بدأتْ تحرّك عينيها و فمها و تستعيد وعيها...

" رغد ... "

صحت ُ بلهفة... و أنا أرى عينيها تدوران في الغرفة و من ثم تنظران إلي ّ

" رغد... رغد... هل تسمعينني ؟؟ "

رغد تنظر إلي... إذن فهي تراني... و تسمعني...
فمها أراه يتحرك و يبتلع السكر...

بسرعة تناولت ُ قارورة المزيج تلك و ألصقتُها بفمها مباشرة و قلتُ :

" اشربي ... أرجوك... أرجوك... "

شربتْ رغد جرعة ... و ابتلعتْها... تلتها جرعة أخرى...
أبعدت ُ القارورة و أعدتُ رجها بقوة... ثم قربتُها من شفتيها و طلبتُ منها أن تشرب المزيد...

" اشربي... قليلا بعد يا رغد... هيا ... "

حتى أرغمتُها على شرب المزيج كاملا... و قد تجاوبتْ منقادة و نصف واعية على ذراعي...
و هي على ذراعي... استردّتْ وعيها تدريجيا...
و هي على ذراعي... كانتْ تتنفس بقوة... و اضطراب... و ترتعش كعصفور يحتضر...
و هي على ذراعي... انحدرتْ من عيني دمعة كبيرة... بحجم السنين التي فرقتْ فيما بيننا...
و هي على ذراعي... و أنا ممسك بها بكل قوتي و كل ضعفي... مخافة أن تنزلق من بين يدي... مخافة من أن يبعدها القدر عني... مخافة من أن أفقدها هذه المرة... للأبد...

لقد كانت شبه ميتة بين يدي...
رغد الحبيبة... طفلتي الغالية... منبع عواطفي و مصبها... شبه ميتة... على ذراعي ؟؟

" هل تسمعينني يا رغد ؟ أتسمعينني ؟ "

سألتُها عندما رأيتُها تحدّق بي... بدتْ و كأنها مشوشة و غير قادرة على التركيز... أخذتْ تدور بعينيها على ما حولها... توقفتْ برهة تحملق في أروى... و أخيرا عادتْ إلي...

" أخبريني... هل أنتِ بخير؟؟ أتسمعينني؟؟ أتستطيعين التحدّث؟ ردي عليّ يا رغد أرجوك... "

" وليد... "

أخيرا نطقتْ...

قلتُ بلهفة :

" نعم رغد... أأنت ِ بخير؟؟ كيف تشعرين؟ "

رغد أغمضتْ عينيها بقوة... كأنها تعتصر ألما... ثم غمرتْ وجهها في صدري... و شعرتُ بأنفاسها الدافئة تتخلخل ملابسي... كما أحسستُ بالبلل يمتصه قميصي... من وجهها...

حركتُ يدي نحو كتفها و ربتُ بخفة:

" رغد...؟؟ "

تجاوبتْ رغد معي... أحسستُ بهمسها يصطدم بصدري... لم أميّز ما قالتْ أولا... لكنها حين كررتْ الجملة استطاعتْ أذناي التقاطها ...

" أبعده عنّي... "

توقفتُ برهةً أفتشُ عن تفسيرٍ لما سمعتُ... سألتُها بحيرة و عدم استيعاب :

" أُبعِدُهُ عنكِ ؟؟ "

كررتْ رغد... و هي تغمرُ وجهها أكثر في ثنايا قميصي :

" أَبعدهُ عنّي ... "

قلتُ مستغربا :

" من ؟؟ "

سرتْ رعشة في جسد رغد انتقلتْ إليّ ... نظرتُ إلى يدها الممدودة جانبا فرأيتُها ترتجفُ... و رأيتُها تتحرك نحوي و تتشبثْ بي... كانتْ باردة كالثلج... و أيضا أحسستُ برأسها ينغمسُ في داخلي أكثر فأكثر... ثم سمعتُها تقول بصوتٍ مرتجف واهن:

" عمّار "

آن ذاك... جفلتُ و تصلبتْ عضلاتي فجأة... و تفجرتْ الدهشة كقنبلة على وجهي...
حركتُ يدي إلى رأسها و أدرتُه إليّ... لأرى عينيها... فتحتْ هي عينيها و نظرتْ إليّ...

قلتُ :

" من ؟؟ "

فردّتْ :

" عمار... أبعده عنّي... أرجوك "

اختنق صوتي في حنجرتي بينما ارتجّتْ الأفكار في رأسي...

قلتُ :

" عمــ....مار ؟؟ لكن... "

و لم أقوَ على التتمة...
ماذا جرى لصغيرتي ؟ ما الذي تهذي به ؟؟

قالتْ :

" أبعده... أرجوك "

ازدردتُ ريقي بفزع و أنا أقول :

" أين... هو ؟ "

رغد حركتْ عينيها و نظرتْ نحو أروى... ثم هزتْ رأسها و أغمضتْ عينيها و عادتْ و غمرتْ وجهها في صدري و هي تصيح :

" أبعده عني... أبعده عنّي... وليد أرجوك..."

آنذاك... شعرتُ بأن خلايا جسمي كلها انفصمتْ عن بعضها البعض و تبعثرتْ على أقطار الأرض... و فشلتُ في جمعها...

البقايا المتبقية لي من قوة استخدمتُها في الطبطبة على رغد و أنا أردد :

" بسم الله عليكِ... اهدئي يا رغد... ماذا حل بكِ؟ ...هل رأيتِ كابوسا ؟؟ "

رغد كررتْ مجددا و هذه المرة و هي تبكي و تشدّ ُ الضغط عليّ متوسلة:

" أبعده يا وليد... أرجوك... لا تتركني وحدي... لا تذهب..."

" أنا هنا يا رغد... بسم الله عليكِ... يا إلهي ماذا حصل لكِ ؟ هل تعين ما تقولين؟ "

أبعدتْ رغد رأسها قليلا و وجهتْ نظرها إلى أروى و صاحتْ مجددا:

" أبعده أرجوك... أرجوك... أنا خائفة... "

جُن ّ جنوني و أنا أرى الصغيرة بهذه الحالة المهولة ترتجف ذعرا بين يدي ...
هتفتُ بوجه أروى :

" ماذا فعلت ِ بالصغيرة يا أروى ؟ "

أروى واقفة مدهَشة متجمدة في مكانها تنظر إلينا بارتباك و هلع...

صرخت ُ :

" ماذا فعلت ِ يا أروى تكلّمي ؟ "

ردتْ أروى باضطراب:

" أنا ؟؟ لا شيء... لم أفعل شيئا "

قلت ُ آمرا بصرامة :

" انصرفي الآن ... "

حملقتْ أروى بي مذهولة فكررت ُ بغضب :

" انصرفي هيا ... "

حينها خرجتْ أروى من الغرفة... و بقينا أنا و رغد منفردين... يمتص كل منا طاقته من الآخر...
كانت الصغيرة لا تزال تئن مراعة في حضني... حاولتُ أن أبعدها عنّي قليلا إلا أنها قاومتني و تشبثتْ بي أكثر...
لم استطع فعل شيء حيال ذلك... و تركتُها كما هي...
هدأتْ نوبة البكاء و الروع أخيرا... بعدها رفعتْ رغد رأسها إلي و تعانقتْ نظراتنا طويلا...

سألتُها :

" أأنت ِ بخير ؟ "

فأومأتْ إيجابا...

" كيف تشعرين ؟ "

" برد ... "

قالتْ ذلك و الرعشة تسري في جسمها النحيل...
جعلتُها تضطجع على الوسادة و غطيتها باللحاف و البطانية... و درتُ ببصري من حولي فوجدتُ أحد أوشحتها معلقا بالجوار فجلبتُه...
و أنا ألفّه حول وجهها انتبهتُ لحبيبات السكر المبعثرة على وجهها و شعرها... و ببساطة رحتُ أنفضها بأصابعي...
كان وجهها متورما محمرا من كثرة ما ضربته! أرى آثار أصابعي مطبوعة عليه !...
آه كم بدا ذلك مؤلما... لقد شقّ في قلبي أخدودا عميقا...
أنا آسف يا صغيرتي...سامحيني...

لففتُ الوشاح على رأسها بإحكام مانعا أي ٍ من خصلات شعرها القصير الحريري من التسلل عبر طرفه...

" ستشعرين بالدفء الآن... "

سحبت ُ الكرسي إلى جوار السرير و جلستُ قرب رغد أراقبها...
إنها بخير... أليس كذلك؟
هاهي تتنفس... و هاهما عيناها تجولان في الغرفة... و هاهو رأسها يتحرك و ينغمر أكثر و أكثر في الوسادة...
لابد أنه هبوط السكّر... فقد مرتْ رغد بحالة مشابهة من قبل... لكنها لم تكن تهذي آنذاك...
هل كان كابوسا أفزعها؟؟
هل قالتْ لها أروى شيئا أثار ذعرها؟؟
ماذا حصل؟؟
لابد أن أعرف...

انتظرتُ حتى استرددتُ أنفاسي المخطوفة... و استرجعتُ شيئا من قواي الخائرة... و ازدردت ُ ريقي الجاف إلا عن طعم المعجون الذي لا يزال عالقا به... و استوعبتُ الموقف، ثم خاطبتُ رغد :

" رغد "

التفتتْ رغد إلي ّ فسألتُها:

" ماذا... حصل ؟ "

كنتُ أريد الاطمئنان على وعيها و إدراكها... و معرفة تفسير ما حدث...
رغد نظرتْ إلي ّ نظرة بائسة... ثم قالتْ و صوتها هامس خفيف:

" شعرت ُ بالدوخة منذ استيقاظي... و عندما وقفت ُ أظلمتْ الصورة في عيني ّ و فقدت ُ توازني... "

ثم أضافتْ :

" لم آكل شيئا... أظن أنه السبب "

ثم تنهّدتْ باسترخاء...
قلتُ :

" أهذا كل شيء؟"

قالت :

" نعم "

" و أنتِ الآن... بخير ؟؟ "

أجابتْ :

" نعم... بخير "

تنهدتُ شبه مطمئنا و قلتُ :

" الحمد لله..."

و أضفتُ :

" لقد أفزعتني..."

نظرتْ هي إليّ ثم غضّت بصرها اعتذارا...

قلتُ :

" الحمد لله... المهم أنكِ بخير الآن "

عقبتْ :

" الحمد لله "

سكتُ قليلا و الطمأنينة تنمو في داخلي، ثم استرسلتُ :

" إذن... لم تأكلي شيئا البارحة.. أليس كذلك ؟ "

و لم أرَ على وجهها علامات الإنكار...

قلت ُ معاتبا و لكن بلطف:

" لماذا يا رغد؟ لم تسمعي كلامي... أتريدين إيذاء نفسك؟؟ انظري إلى النتيجة... لقد جعلت ِ الدماء تجف في عروقي هلعا..."

حملقتْ رغد بي لبرهة أو يزيد... ثم نقلتْ بصرها إلى اللحاف بعيدا عنّي... تأسفا و خجلا...
لم يكن الوقت المناسب للعتاب.. لكن خوفي عليها كاد يقتلني... و أريد أن أعرف ما حصل معها...

قلت ُ :

" أحقا هذا كل ما في الأمر ؟ "

عادتْ رغد تنظر إليّ مؤكدة :

" نعم... لا تقلق... أنا بخير الآن "

سألت ُ :

" و أروى... ماذا كانت تفعل هنا ؟ "

أجهل معنى النظرات التي وجهتها رغد نحوي... لكنني رجّحت ُ أنها لا تود الإجابة...
احترتُ في أمري... أردت ُ أن أسألها عما جعلها تشير إليها كـ عمار... و لم أجرؤ...

قلتُ أخيرا... و أنا أهب ُ واقفا :

" حسنا... دعيني أحضر لك ِ شيئا تأكلينه "

و هممتُ بالانصراف غير أن رغد نادتني:

" وليد... "

التفتُ إليها و رأيتُ الكلام مبعثرا في عينيها... لا أعرف ماذا كانت تود القول... غير أنها غيّرت حديثها و قالتْ:

" أنا آسفة "

ابتسمتُ ابتسامة سطحية و قلتُ مشجعا :

" لا عليك "

ابتسمتْ هي بامتنان و قالتْ :

" شكرا لكَ "

و غادرت ُ الغرفة... مطمئن البال نسبيا و اتجهتُ إلى المطبخ...

هناك حضرت ُ الشاي و فتشتُ عن بعض الطعام فوجدت ُ علب البيتزا التي كنتُ قد اشتريتها بالأمس و لم تُمس...
و عدا عن العلبة التي تناولتـْها خالتي ليندا، فإن البقية كما هي
قمت ُ بتسخين أحد الأقراص على عجل... و انطلقتُ حاملا الطعام إلى رغد...

كانتْ على نفس الوضع الذي تركتُها عليه...
جلست ُ على المقعد إلى جوارها و قدّمتُ لها الوجبة

" تفضلي... اشربي بعض الشاي لتدفئي "

جلستْ رغد و أخذتْ تحتسي الشاي جرعةً جرعة... وهي ممسكة بالكوب بكلتا يديها...

" هل تشعرين بتحسّن ؟ "

حركتْ رأسها إيجابا

قلتُ :

" جيّد... الحمد لله... تناولي بعضا من هذه ... لتمنحك بعض الطاقة "

و قربتُ إليها إحدى قطع البيتزا ... فأخذتْها و قضمتْ شيئا منها...

سألتُها :

" أهي جيّدة ؟ لا أعتقد أن طعمها قد تغيّر ؟ "

أتعرفون كيف ردّت رغد ؟؟
لا لن تحزروا... !

فوجئتُ برغد و قد قربتْ قطعة البيتزا ذاتها إلى فمي... تريدُ منّي أن أتذوقها!

اضطربتُ، و رفعتُ يدي لأمسك بالقطعة فأبعدتْ رغد القطعة عن يدي... و عادتْ و قرّبتْها إلى فمي مباشرة !

الصغيرة تريد أن تطعمني بيدها !

نظرتُ إليها و قد علا التوتر قسمات وجهي كما لوّنته حمرة الحرج... و رغد لا تزال معلّقة البيتزا أمام فمي...

أخيرا قلتُ :

" كـُـ... كليها أنت ِ رغد "







قديم 31-01-2009, 02:34 AM   رقم المشاركة : 169
!!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
Band
 
الصورة الرمزية !!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
 






!!! الرومـ ^_* ـانسي !!! غير متصل

و لو ترون مدى الامتقاع و التعبيرات المتعسة التي ظهرت على وجهها !

و إذا بها تقول:

" لا تريد أن تأكل من يدي ؟ "

فاجأني سؤالها في وقت لم أصح ُ فيه بعد من مفاجأة تصرفها... و لا مفاجآت حالتها هذا الصباح...
إنّ شيئا ألمّ بالصغيرة... يا رب... لطفك ...

رفعتُ حاجباي دهشة... و تلعثمتْ الحروف على لساني...

" أأأ... رغد... إنه... أنا... "

رغد... ماذا جرى لك اليوم ؟؟ ماذا أصابك ...؟
أنت ِ تثيرين جنوني... تثيرين فزعي... تثيرين مخاوفي ... تثيرين شجوني و آلامي و ذكريات الماضي...
ماذا دهاك يا رغد ؟؟
بربّك... أخبريني ؟؟

كنتُ على وشك أن أنطق بأي جملة... تمتّ ُ أو لا تمتُ للموقف بصلة إلاّ أن رغد سبقتني و قالتْ منفعلة:

" لكنك تأكل من يدها... أليس كذلك ؟ "

ذهلتُ لجملتها هذه ... أيما ذهول...
رغد لم تبعد يدها بل قربتها مني أكثر .. لا بل ألصقتْ البيتزا بشفتي و نظراتها تهددني...
حملقتُ بها بدهشة و قلق... شيء ما قد حلّ بصغيرتي... ماذا جرى لها ؟ يا الهي...

" رغد... "

لما رأتْ رغد استنكاري... أبعدتْ البيتزا عني، و وجهها شديد الحزن تنذر عيناه بالمطر... و فمها قد تقوس للأسفل و أخذ يرتعش... و رأسها مال إلى الأسفل بأسى و خيبة ما سبق لي أن رأيتُ على وجه رغد شبيها لهما... و بصوت ٍ نافذ الطاقة هزيل متقطّع أقر ب إلى الأنين قالتْ:

" أنت ...لا تريد... أن... تأكل من يدي أنا... أليس... كذلك ؟ "

و هطلتْ القطرة الأولى... من سحابة الدموع التي سرعان ما تكثـّفتْ بين جفنيها...
إنها ليستْ باللحظة المناسبة لأي شرح أو تفسير... أو علة أو تبرير... أو رفض أو اعتراض !

قلتُ مستسلما مشتتا مأخوذا بأهوال ما يجري من حولي:

" لا... لا ليس كذلك ... "

شيئا فشيئا انعكس اتجاه قوس شفتيها... و ارتسمتْ بينهما ابتسامة مترددة واهية... و تسللتْ من بينهما الدمعة الوحيدة مسافرة عبر فيها إلى مثواها الأخير...

نحو فمي ساقتْ رغد قطعة البيتزا ثانيةً... و بين أسناني قطعتُ جزءا منها مضغتُه دون أن أحسّ له طعما و لا رائحة...

اتسعتْ الابتسامة على وجه الصغيرة و سألتني:

" لذيذة ؟ "

قلتُ بسرعة :

" نعم ... "

ابتسمتْ رغد برضا... و كأنها حققتْ إنجازا عظيما...
ثم واصلتْ التهام البيتزا و طلبتْ مني مشاركتها ففعلتُ مستسلما... و أنا في حيرة ما مثلها حيرة من أمر هذه الصغيرة...

كم بدا القرص كبيرا... لا ينتهي...
كنتُ أراقب كل حركة تصدر عن صغيرتي... متشككا في أنها قد استردتْ إدراكها كاملا... الرعشة في يديها اختفتْ... الارتخاء على وجهها بان... الاحمرار على وجنتيها تفاقم... و الأنفاس من أنفها انتظمتْ...
و أخيرا فرغتْ العلبة... لقد التهمنا البيتزا عن آخرها لكن... لم أشعر بأنني أكلتُ شيئا...

في هذه اللحظة أقبلتْ أروى و وقفت عند الباب مخاطبة إياي:

" إنه هاتف مكتبك يا وليد... رن مرارا..."

نقلت ُ بصري بين أروى و رغد... الفتاتان حدقتا ببعضهما البعض قليلا... ثم مدتْ رغد يديها و أمسكتْ بذراعي كأنها تطلب الأمان...
كان الخوف جليا على وجهها ما أثار فوق جنوني الحالي... ألف جنون و جنون...

" رغد !! "

رغد كانت تنظر إلى أروى مذعورة... لا أعرف ما حصل بينهما...

قلتُ مخاطبا أروى :

" انصرفي الآن يا أروى رجاء ً "

رمقتني أروى بنظرة استهجان قوية... ثم غادرتْ...

التفتُ إلى الصغيرة و سألتُها و القلق يكاد يقتلني :

" ماذا حل بكِ يا رغد ؟ أجيبيني ؟؟ هل فعلتْ بك ِ أروى شيئا ؟؟ "

رغد أطلقتْ كلماتها المبعثرة بانفعال ممزوج بالذعر:

" لا أريد أن أراها... أبعدها عني... أنا أكرهها... ألا تفهم ذلك؟؟... أبعدها عني...أرجوك "

لن يفلح أي وصف لإيصال شعوري آنذاك إليكم... مهما كان دقيقا
أخذتُ أطبطب عليها أحاول تهدئتها و أنا المحتاج لمن يهدّئني....

" حسنا رغد... يكفي...أرجوك اهدئي... لا تضطربي هكذا...بسم الله الرحمن الرحيم..."

بعد أن هدأتْ رغد و استقرتْ حالتها العجيبة تلك... لم أجرؤ على سؤالها عن أي شيء... عرضتُ عليها أن آخذها إلى الطبيب، لكنها رفضتْ تماما... فما كان منّي إلا أن طلبتُ منها أن تسترخي في فراشها لبعض الوقت و سرعان ما اضطجعتْ هي و غطّتْ وجهها بالبطانية... ليس لشيء إلا.. لأنها أرادتْ أن تبكي بعيدا عن مرآي...

كنتُ أسمع صوت البكاء المكتوم... و لو دفنته يا رغد تحت ألف طبقة من الجبال... كنتُ سأسمعه !
لكنني لم أشأ أن أحرجها... و أردتُ التسلل خارجا من الغرفة...
وقفت ُ و أنا أزيح المقعد بعيدا عنها بهدوء... و سرتُ بخفة نحو الباب...
فيما أنا على وشك الخروج إذا بي أسمعها تقول من تحت البطانية:

" وليد...أرجوك...لا تخبرها... عما حصل في الماضي... أرجوك "

تسمرتُ في موضعي فجأة إثر سماعي لها... استدرتُ نحوها فرأيتها لا تزال مختبئة تحت البطانية... هروبا من مرآي...

تابعتْ :

" لن احتمل نظرات السخرية... أو الشفقة من عينيها... أرجوك وليد.."

بقيتُ واقفا كشجرة قديمة فقدتْ كل أوراقها الصفراء الجافة في مهب رياح الخريف...
لكن المياه سرعان ما جرتْ في جذوري ... دماء ً حمراء مشتعلة تدفقتْ مسرعة نحو رأسي و تفجرتْ كبركان شيطاني... من عيني ّ...

تبا لك ِ يا أروى...!!

خرجتُ من غرفة رغد غاضبا متهيجا و بحثتُ عن أروى و وجدتُها في الردهة قرب السلّم... ما أن رأتني حتى وقفتْ و أمارات القلق على وجهها صارخة...

قالتْ مباشرة :

" كيف هي ؟ "

و قبل أن تسترد نفسها من الكلام انفجرتُ في وجهها كالقنبلة:

" ماذا فعلت ِ بها ؟ "

الوجوم و الدهشة عليا تعبيراتها و قالتْ مضطربة:

" أنا !! ؟؟ "

قلتُ بصوت ٍ قوي غليظ :

" نعم أنت ِ ... ما الذي فعلته بها ؟؟ أخبريني ؟ "

أروى لا تزال مأخوذة بالدهشة تنم تعبيرات وجهها عن السذاجة أو التظاهر بالسذاجة... و هو أمر أطلق المدافع في رأسي غضبا... فزمجرت ُ :

" تكلّمي يا أروى ما الذي كنت ِ تفعلينه في غرفتها؟؟ ماذا قلت ِ لها تكلّمي "

أروى توتّرتْ و قالتْ مستهجنةْ:

" و ما الذي سأفعله بها ؟؟ لم أفعل شيئا... ذهبت ُ لأسألها عن شيء... إنها هي من كان غير طبيعيا... بدتْ و كأنها ترى كابوسا أو فلما مرعبا... ثم صرختْ.. .لا علاقة لي بالأمر "

قلتُ بغضب :

" عن أي شيء سألتها ؟ "

بدا التردد على أروى فكررتُ بلكنة مهددة:

" عن أي شيء سألتها يا أروى تكلّمي؟؟ اخبرني بالتفصيل.. ماذا قلت ِ لها و جعلتها تضطرب بهذا الشكل؟؟ عم سألتها أخبريني؟ "

" وليد ! "

هتفتُ بعنف :

" تكلّمي ! "

شيء من الذعر ارتسم على وجه أروى... من جراء صراخي...

أجابتْ متلعثمة :

" فقط ...سـ... سألتها عن... سبب قتلك عمار... و إخفائك الحقيقة عنّي... و عن ... علاقتها هي بالأمر... "

انطلقتْ الشياطين من بركان رأسي ... كنت ُ في حالة غضب شديد... لم استطع كتمانه أو التغلب عليه...
صرخت ُ في وجه أروى بعنف:

" أهذا كل شيء ؟ "

أجابتْ أروى مذعورة:

" نعم... لا تصرخ بوجهي ... "

لكنني خطوتُ نحوها... و مددتُ يدي و أمسكتُ بذراعها بقوة و ضججتُ صوتي:

" و لماذا فعلتِ ذلك ؟ ألم أحذركِ من هذا ؟ ألم أطلب منكِ ألا تتحدثي معها ؟ لماذا فعلت ِ هذا يا أروى لماذا ؟ "

أطلقتْ أروى صيحة ألم... و حاولتْ تحرير ذراعها منّي... لكنني ضغطتُ بشدة أكبر و أكبر... و هتفتُ بوجهها منفعلا :

" كيف تجرأتِ على هذا يا أروى ؟؟ أنظري ماذا فعلت ِ بالصغيرة... إنها مريضة... ألا تفهمين ذلك ؟؟ إن أصابها شيء ... فستدفعين الثمن غاليا "

صاحتْ أروى:

" اتركني يا وليد ... أنت تؤلمني... "

قلتُ :

" لن أكتفي بالألم... إن حلّ بالصغيرة شيء بسببكِ يا أروى... أنا لا أسمح لأحد بإيذائها بأي شكل... كائنا من كان... و لا أسامح من يسبب لها الأذى أبدا يا أروى...أتفهمين ؟؟ إلا صغيرتي يا أروى... إلا رغد... لا أسامح فيها مس شعرة... أبدا يا أروى أبدا... أبدا... هل فهمت ِ ؟؟ "

و أفلتُّ ذراعها بقسوة مبعدا إياها عنّي بسرعة... لئلا تتغلب علي الشياطين و تدفعني لارتكاب ما لن ينفع الندم بعده على الإطلاق...

كان هذا.. مطلعا تعيسا أسود ليوم جديد أضيفه إلى رصيد أيام حياتي الحزينة المؤلمة... و هو مطلع لم يساوي الكثير أمام ما كان يخبئه القدر... في نهايته...





~~~~~~~~~~~~~~~







]]] يـ تـ بـ ع ]]]







قديم 31-01-2009, 06:37 AM   رقم المشاركة : 170
لياالي بيروووت
( وِد ماسي )
 
الصورة الرمزية لياالي بيروووت

الفااااااااااااااارس حرام عليك متى النهااايه طول الليل سهرانه اقرا فيها ماانام الا الفجر هسترت فيني هالروايه ياليت القى احد يحبني مثل حب وليد لرغد حب عجيب بس يجننننننننننننننن


امااانه لا تطول انتظر اليوم البااااقي اسهر عليه
تقبل مروري صرااااااااااااااحه روااااايه اروع اروع من الرائعه يسلموووووووووووووووو







التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة





يسلمووو الايادي القمه على التوقيع الرائع فديتك يالغلا

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:11 AM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية