يوميات رمضانية (7)
درس اليوم
كيف يصوم القلب ؟
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد ..
يقول الله تبارك وتعالى:
{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ }
التغابن: من الآية11.
وهداية القلب أساس كل هداية ومبدأ كل توفيق وأصل كل عمر ورأس كل فعل.
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:
( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ،
وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب )
رواه البخاري ومسلم.
فصلاح قلبك سعادتك في الدنيا والآخرة ،
وفساده هلاك محقق لا يعلم مداه إلا الله عز وجل.
يقول الله عز وجل:
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }
قّ:37.
ولكل مخلوق قلب. ولكنهما قلبان ، قلب حي نابض بالنور مشرق بالإيمان
ممتلئ باليقين عامر بالتقوى ، وقلب ميت مندثر سقيم فيه كل خراب ودمار.
يقول سبحانه وتعالى عن قلوب المعرضين اللاهين:
{ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً }
البقرة: من الآية10.
وقال تعالى:
{وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ}
البقرة:88.
وقال سبحانه:
{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}
محمد:24.
وقال عنهم:
{ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ}
فصلت: من الآية5.
فالقلوب تمرض ويطبع عليها ، وتقفل وتموت.
إن قلوب أعداء الله عز وجل معهم في صدورهم ، ولكن لهم قلوب
لا يفقهون بها ، لذلك كان يقول عليه الصلاة والسلام كما صح عنه:
( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك )
رواه الترمذي.
قلب المؤمن يصوم في رمضان وغيره وصيام القلب يكون تفريغه من
المادة الفاسدة من شركيات مهلكة ، من اعتقاد باطل ،
ومن وساوس سيئة،
ومن نوايا خبيثة ، ومن خطرات موحشة.
قلب المؤمن عامر بحب الله ، يعرف ربه بأسمائه وصفاته ،
كما وصف الله سبحانه وتعالى لنفسه ، فهذا القلب يطالع بعين البصيرة
سطور الأسماء والصفات ، وصفحات صنع الله في الكائنات ،
ودفاتر إبداع الله في المخلوقات.
وكـتـاب الـفضاء اقـرأ فـيه صورا ما قرأتها في كتابي
قلب المؤمن فيه نور وهاج لا تبقي معه ظلمة ، نور الرسالة الخالدة ،
والتعاليم السماوية ، والتشريع الرباني ، يضاف هذا إلى نور الفطرة التي
فطر الله عليها العبد ، فيجتمع نوران عظيمان
{ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ
وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
النور: من الآية35.
قلب المؤمن يزهر كالمصباح ، ويضئ كالشمس ، ويلمع كالفجر ،
يزداد قلب المؤمن من سماع الآيات إيمانا ، ومن التفكر يقينا ،
ومن الاعتبار هداية.
قلب المؤمن يصوم عن الكبر لأنه يفطر القلب ، فلا يسكن الكبر قلب
المؤمن لأنه الحرام ، والكبر خيمته ورواقه ، ومنزله في القلب ،
فإذا سكن الكبر في القلب أصبح صاحب هذا القلب مريضا سفيها ،
وسقيما أحمق ، ومعتوها لعابا.
يقول سبحانه كما في صحيح الحديث القدسي:
( الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، من نازعني فيهما عذبته )
رواه أحمد وغيره وهو عند مسلم بلفظ آخر.
وقلب المؤمن يصوم عن العجب ، والعجب تصور الإنسان كمال نفسه ،
وأنه أفضل من غيره ، وأن عنده من المحاسن ما ليس عند الآخرين ،
وهذا هو الهلاك بعينه.
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:
( ثلاث مهلكات ، وثلاث منجيات ، وثلاث كفارات ، وثلاث درجات .
فأما المهلكات: فشح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه .. )
صحيح الجامع.
ودواء هذا العجب النظر إلى عيب النفس ، وكثرة التقصير ،
وآلاف السيئات والخطايا التي فعلها العبد ، واقترفها ثم نسيها ،
وعلمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى.
وقلب المؤمن يصوم عن الحسد ، لان الحسد يحبط الأعمال الصالحة ،
ويطفئ نور القلب ، ويعطل سيره إلى الله تعالى.
يقول سبحانه:
{ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ }
النساء: من الآية54.