العوامل المؤثرة في مناخ الجزيرة
وهنا الموضوع يطول والعوامل كثيرة والشرح فيها يمتد ولكن سنحاول التلخيص مع التركيز على المواضيع التي لها تأثير على هطول الأمطار
ونحن نعرف الآن أن الموقع الجغرافي هو الذي يحدد نظام الضغط الجوي والرياح بعد ان درسنا دورات الهواء في الغلاف الجوي
شبه الجزيرة العربية تقع بين خطي عرض 15 و 30
وقلنا أن الخلية التي تقع فيها الجزيرة العربية هي خلية هادلي الخلية شبه المدارية وتتسم بالرياح الشمالية الجافة تقريباً في غالب أيام السنة
وهذا هو النمط العام، ولكن لدينا في كل فصل من فصول السنة عوامل معينة تحكم مناخ الجزيرة العربية
بل هناك مناطق خاصة في جنوب الجزيرة قد تتغلب فيها رياح أخرى غير الرياح الشمالية
ولنبدأ حديثنا بفصل الصيف حيث يزحف الخط الوهمي المداري الفاصل إلى الشمال أكثر
وهذا الخط يعبر عن منطقة الضغط المنخفض الإستوائية
ويمكن شرحها كذلك بأنها الحزام الذي يمثل منطقة تعامد الشمس ويزحف شمالاً وجنوباً تبعاً لحركة الشمس الظاهرية
في الشتاء يكون إلى الجنوب من نصف الكرة الأرضية وفي الصيف يمتد شمالاً
وهذه المنطقة ذات الضغط المنخفض تتعرض إلى تسخين وحمل حراري مميز يجعلها منطقة تكونات رعدية شبه يومية
بالإضافة إلى أنها تمثل منطقة إلتقاء الرياح التجارية القادمة من جنوب الكرة الأرضية والرياح التجارية القادمة من شمالها
والعامل الآخر المؤثر على مناخ الجزيرة هو تمدد منخفض الهند الموسمي غرباً وفائدته تكمن في تأثيره على حركة الرياح
حيث يتشكل في داخل الجزيرة بسبب إحترار اليابسة صيفاُ مركز إنخفاض سطحي مرتبط بمنخفض الهند الموسمي
ونحن الآن نعلم مما درسناه في الفصول السابقة أن مياه البحر تكون أبرد صيفاً وبالتالي أكثر ضغطاً
وهذا يجعل الرياح تنحدر من البحر إلى اليابسة نحو الضغط المنخفض
والفائدة هنا من نصيب التضاريس القريبة من البحار مثل جبال الحجاز واليمن وعمان
وأفضل الأوقات لمثل هذه التكونات بالنسبة لجبال عسير ومنطقة مكة والمدينة هو مع تقدم الصيف ومع قوة وتوسع منخفض الهند الموسمي حتى غرب البحر الأحمر
لأن ذلك يساهم في دفع الرياح الجنوبية الغربية الرطبة وتحميلها ببخار الماء بسبب مرورها على المسطح المائي البحر الأحمر
ثم يحدث الرفع التضاريسي من خلال سلسلة الجبال التي يمر عليها الهواء
بعد ذلك تأتي فترة الخريف وفيها إنسحاب منخفض الهند الموسمي وفترة تقلبات ونشاط رياح سطحية
وتعتمد هطولات فصل الخريف على توغلات منخفض البحر الأحمر بسبب النشاطات العلوية في العروض الوسطى
حيث يقوم بجلب تيارات رطبة تستفيد غالباً منها مرتفعات الحجاز بتكونات مميزة
وهذه الفترة لا تتعمق فيها المنخفضات في الغالب إلى داخل الجزيرة
وينحصر تأثيرها على الحدود الشمالية والمناطق الشمالية الغربية لأنها تستفيد من تلاقح التيارات الباردة العلوية مع التيارات المدارية الرطبة والدافئة
هذا النمط يتطور مع تقدم الخريف وبداية من شهر نوفمبر ومع إبتعاد الشمس جنوباً يتقوى هذا النظام ويتمدد التيار النفاث نحو العروض الوسطى
مما يسمح للتيارات الباردة الناتجة عن المنخفضات العلوية والموجات القصيرة من التوغل أكثر إلى الجزيرة العربية وكذلك يبدأ نشاط الجبهات السطحية الباردة
وهذا النظام تستفيد منه كثير من المناطق في المملكة بسبب جودة الفوارق الحرارية الرأسية
وسهولة تمدد التيارات الجنوبية الرطبة قبل بناء المرتفعات السطحية الجافة مع تعمق الشتاء
كثير من المناطق تسجل أعلى كمياتها السنوية من المطر في هذا الشهر وهو مركز فترة الوسم
على سبيل المثال تسجل جدة ومكة والمدينة وحائل أعلى كمياتها السنوية في نوفمبر حسب إحصائيات منظمة الأرصاد العالمية
وتسجل القصيم في نوفمبر كميات تقارب أشهر المراويح، وهو شهر جيد على المنطقة الشرقية كذلك
بينما منطقة الرياض لا تحظى في هذا الشهر بنسب كبيرة وإن كان يشهد هطولاً مطرياً في الغالب
ووضع الرياض ينطبق تقريباً على جنوب وجنوب غرب المملكة الباحة وأبها ونجران وغيرها
وهذه المناطق عادة لا تحصل على نسبها السنوية من المطر في أواخر الخريف والشتاء
أما فترة أشهر الشتاء فتتميز بتمركز ضغط جوي مرتفع وسط الجزيرة العربية وهو تابع لإمتداد المرتفع السيبيري مع دخولات متكررة للمرتفع الآزوري كذلك
وأحيانا يحدث إلتحام بين السيبيري والآزوري .. ليس هناك نظام ثابت كل موسم
في فترة أشهر الشتاء تتميز المنطقة الغربية بسهولة تفاعلها مع المنخفضات العلوية خاصة مع الإمتدادات السيبيرية القوية
حيث يكون تمدد منخفض البحر الأحمر محصوراً فوق مياه البحر الأحمر الدافئة وذات الضغط الأقل
وبحسب قوة المنخفض وتعمقه يمتد التأثير ليشمل أجزاء من المناطق الوسطى والشمالية والشمالية الشرقية
وبعد ذلك تأتي فترة موسم الربيع إبتداءاً من مارس وفيه ينحصر المرتفع السيبيري ويقل الضغط وسط الجزيرة العربية
وتسيطر الرياح الشمالية الغربية على السواحل الغربية والمناطق الشمالية الغربية
وهذه الفترة هي فترة ذهبية للأمطار على مناطق كثيرة من المملكة إبتداءاً من مرتفعات الحجاز وتشمل المناطق الوسطى والشرقية
مع تميز للمناطق من نجران وأبها وحتى الطائف وشمالها وما وقع شرقاً من هذه المناطق تشمل وادي الدواسر وبيشة والمهد ومنطقة الرياض والقصيم وحائل
تعتمد الهطولات في هذه الفترة التي نسميها بالمراويح على شدة الفوارق الحرارية الناتج من تسخين فترة النهار
وتكتمل العملية بمؤثر علوي بارد يعمل على توفير البرودة العلوية
فيحدث تصعيد حملي قوى بسبب سخونة السطح وتكثف قوي وإمتدادت رأسية للسحب بسبب برودة الطبقات العلوية
المرتفعات تتطور سحبها بعامل الرفع التضاريسي والمناطق شرق المرتفعات تزحف نحوها السحب وتستمر في البناء تبعاً لتوفر الرطوبة
كذلك المناطق شرق المرتفعات تشهد تكونات قوية عند بؤر الضغط المنخفض التي تشهد تجمع الرياح
أواخر مارس وشهر إبريل وبدايات مايو هو الفترة المميزة لهطولات الربيع ثم تبدأ التساقطات تنحصر على المرتفعات بقية مايو
ومع نهاية مايو تخف التكونات وتبدأ مرحلة دخول فصل الصيف وهكذا تستمر الدورة إلى ما شاء الله لها أن تدور
::::: خرائط النماذج العددية :::::
تتنوع خرائط النماذج العددية ما بين الخرائط السطحية والخرائط العلوية
وهي في الحقيقة تعطي قراءة لكافة الطبقات
لكن الطبقات المشهورة في المتابعة هي طبقة السطح ويعبر عنها بطبقة 1000 هكتوباسكال
وطبقة 850 فوق السطحية وطبقة 700 المتوسطة وطبقة 500 العالية
تُعدّ طبقة 500 ميللي بار هي الطبقة الرائدة لفهم الأحول الجوية وهي طبقة أساسية بالنسبة للمتنبئ الجوي
والسبب أنها تعطي تصور عام لمساحة واسعة تبلغ آلاف الكيلومترات
بينما خرائط الطبقات الأعلى من 500 وإن كانت لا تخلو من الأهمية إلا أنها خرائط عمومية
لا تنعكس فيها المتغيرات بالشكل الواضح ولا تظهر فيها التفاصيل المطلوبة للمتنبئ الجوي
وعلى الجهة الأخرى فإن خرائط الطبقات أسفل من الطبقة 500 تصبح أكثر إقليمية كلما إقتربنا من السطح وتسلط الضوء على منطقة مخصصة صغيرة
وهذا التخصيص لا يتناسب مع طول فترة التنبؤ الجوي إذ أن المتغيرات كثيرة
لكن يمكن الإعتداد بها لفترات التنبؤ التي تبلغ يوم أو يومين خصوصاً الطبقة 700
كيف تتنبأ بهطول المطر؟
كما قلنا في فصول سابقة أن هطول المطر هو مرهون بقدرة الله تعالي ومشيئته أولاً ثم بوجود حالة عدم الإستقرار
وحالة عدم الإستقرار فسرناها سابقاً وفي الفصل الخامس تحديداً بأنها وجود الفرصة لصعود الهواء حتى طبقات عالية باردة لكي يحدث التكثف
وأهم العوامل التي تساعد في خلق حالات عدم الإستقرار هي المنخفضات الجوية العلوية الناتجة من تموجات التيار النفاث
والسبب في ذلك أن لها تأثير قوي في إستثارة الرياح الجنوبية الدافئة بسبب المنخفض السطحي الذي يتكون على الجانب الشرقي من المنخفض العلوي
ومع ان هناك عوامل أخرى لهطول المطر إلا أننا نبدأ هنا بالمنخفضات العلوية لأن مجال تأثيرها يكون واسع النطاق
وهي المحفز الرئيسي لهطول الأمطار على أغلب منطقة الجزيرة العربية
وهنا يبرز دور خرائط الطبقة 500 التي تحدثنا عنها في متابعة وجود المنخفضات الجوية
ولدينا نموذجان رئيسيان في متابعة هذه الطبقة وهما نموذج GFS الأمريكي ونموذج المركز الاوروبي ECMWF
وخريطة الطبقة 500 توضح المنخفضات أو الموجات القصيرة من خلال تقوس خطوط الآيزوبار، وهذه الخطوط تعبر عن إرتفاعات خطوط الضغط
ولنأخذ شرح على هذه الصورة المجتزأة من خريطة الطبقة 500
المنطقة في الدائرة البيضاء يتعمق فيها خط الضغط 582 إلى الجنوب فوق رأس الخليج العربي
والمنطقة التي تقع داخل هذه الدائرة ضغطها الجوي في الطبقة 500 من 582 وأقل
بينما المناطق شرق وغرب الدائرة البيضاء الضغوط الجوية العلوية فوقها تزيد عن 582 مما يعني ضغط علوي مرتفع بالمقارنة مع المنطقة داخل الدائرة البيضاء
وهنا يمكننا القول بأن المنطقة في الدائرة البيضاء تتعرض لإنخفاض جوي وتبريد علوي
وبالتالي الفرصة موجودة لحالة عدم إستقرار إذا توفرت العناصر الأخري التي سنتحدث عنها
طبعاً لو كان خط الضغط المتعمق هو خط 576 يكون التبريد أقوى .. وهكذا كلما قلت قيمة الضغط كان الإنخفاض الجوي أقوى
وهذا المثال الذي سقناه هو لتفسير الإنخفاض الجوي في الطبقة 500
أما الصورة التالية والتي أوردناها في الفصل السابق ففيها شرح أكثر تفصيلاً للظروف المحيطه بالمنخفض الجوي العلوي
ولذلك دائما عندما ترى أي منخفض جوي توقع من أول وهلة وجود المطر في جانب المنخفض الشرقي
هكذا ..
لكن الأمر لم يكتمل بهذه الطريقة
نحن فقط رسمنا الإطار العام ولكن في الواقع مناطق كثيرة قد تخرج من دائرة الهطول المتوقعة .. كيف ؟
خريطة 500 ميللي بار لا تكفي لوضع توقعات المطر
الآن يجب علينا مراقبة العناصر الأخرى
هل يوجد تفاعل سطحي أم لا
هل التفاعل السطحي رطب أم جاف
وهنا تبرز أهمية خرائط السطح للحكم على إيجابية حالة عدم الإستقرار
وهنا خريطتان سطحية تبين تفاعل جيد وتفاعل ضعيف للمنخفض الحراري المداري أو مايطلق عليه منخفض البحر الأحمر وأحياناً منخفض السودان