بسم الله الرحمن الرحيم
حاب انقلكم تفاصيل ومكان الجولة الثانيه بعد إنتهاء المرحلة الاولة من الحرب
الحرب هي أداة من أدوات السياسية، هدفها خلق واقع سياسي جديد في منطقة ما، عجزت الدبلوماسية عن خلقه، وهذا ما حدث بالضبط في حرب الوكالة بين إيران ممثلة بحزب الله وأمريكا ممثلة بإسرائيل والتي انتهت بانتصار معنوي على أقل تقدير لإيران وحلفائها، مما خلق واقعا سياسيا جديدا ستتغير فيه الخطوط العريضة للسياسة التي سارت عليها دول المنطقة منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، هذا الواقع هو عكس ما كانت تقصده كونداليزا رايس، عندما وصفت هذه الحرب قائلة بأنها عملية مخاض لشرق أوسط جديد، مما يعني أن الولايات المتحدة ستلجأ للطرق الدبلوماسية والسياسية خلال المرحلة المقبلة، لتحقق بها ما عجزت القوة عن تحقيقه، كذلك ستسعى إيران لاستغلال هذا الواقع من أجل تثبيت هلالها وتقوية نفوذه.
تعتبر الولايات المتحدة أن سوريا هي الحلقة الأضعف في محور إيران وحزب الله ورافضة العراق، كما تعتبر أن جذبها إليها سيضعف دعمها للمنظمات الفلسطينية، كما سيساعد على استقرار لبنان، وتقليص النفوذ الإيراني على حزب الله خاصة، ولبنان عامة، لذا فإنها ستحاول أن تجذب دمشق خلال الفترة المقبلة، وهذه الحقيقية هي ما شجع الرئيس السوري بشار الأسد على إلقاء خطابه الشهير، الذي تبنى فيه ضمنا المقاومة اللبنانية، والذي كان هدفه لفت نظر واشنطن لخطورة الدور السوري في المنطقة، انطلاقا من المعطيات الجديدة التي تحتم على واشنطن التعامل مع دمشق مباشرة.
لم يدم الرد طويلا، وفي نفس اليوم الذي أُلقي فيه الخطاب، أرسلت واشنطن أولى إشارات مغازلة دمشق، فأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، عمير بيرتس إن حكومته تستعد للدخول في محاولات لاستئناف مفاوضات السلام وتسوية الصراع بين إسرائيل والعرب، وقال إن هذا التوجه هو الأمر الطبيعي بعد حرب لبنان، باعتبار أن كل حرب تخلق فرصا لمسارات السلام، ولا بد من استغلال هذه الفرصة بشكل صادق وحكيم، ثم بعد ذلك بعدة أيام أُرسلت إشارة أخرى ولكنها هذه المرة أكثر تحديدا، فقد أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية، أن وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، شكلت مجموعة عمل حول سورية للتحضير لمفاوضات محتملة مع دمشق، وجاء في بيان الخارجية أن ليفني كلفت ياكوف ديان برئاسة هذه المجموعة، التي ستدرس كل المشاكل بين سورية وإسرائيل، بهدف الاستعداد سياسيا.
كان طبيعيا أن يشجع الهجوم العنيف الذي شنه الأسد في ذلك الخطاب على بعض الدول العربية التي انتقدت حزب الله الولايات المتحدة على الإسراع بإرسال تلك الإشارات، كي يبقى معزولا عن محيطه العربي، ليتم التفاوض معه منعزلا وبدون أي دعم أو ضغط خاصة من الدول العربية الرئيسية مثل مصر والسعودية، واللتان كانتا حليفان وداعمان رئيسيان لها، بما كان يعرف بالمحور السعودي ـ المصري ـ السوري، ولكن تغيرت الأوضاع بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري من لبنان، فنجحت إيران في استمالت سوريا إلى كفتها.
ستحدث مفاوضات مباشرة بين سوريا وإسرائيل، ولكنها لن تنتهي برد هضبة الجولان لسوريا، إلا إذا وافقت سوريا على معاهدة سلام تسترد بها الأرض دون سيادة، على غرار معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، حتى وإن وافقت سوريا على اتفاقية كهذه، فستبقى مشكلة المياه عقبة رئيسية تحول دون إحراز أي تقدم يذكر، إلا إذا وافقت سوريا على استلام أرض بدون سيادة ولا ماء، وهذا مالا يرضاه عاقل أبدا، بمعنى آخر، أن هذه المفاوضات ستكون لغرض التفاوض فقط لنقل سوريا من هلال إيران إلى مشروع الشرق الأوسط الجديد، وكذلك ستضغط الولايات المتحدة مستغلة ورقة هذه المفاوضات عليها كي توقف دعمها للفصائل الفلسطينية وحزب الله، كما ستستغلها أيضا كورقة ضغط على إيران بشأن ملفها النووي.
إذا يوجد تقاطع مصالح هنا في نقطة سحب سوريا من هلال إيران بين الولايات المتحدة والدول العربية، وهذا أمر طبيعي في عرف السياسة، لذا فإن على الدول العربية خاصة ذات الثقل منها كمصر والسعودية أن تدعم سوريا في هذه المفاوضات، كي لا تنفرد بها أمريكا وإسرائيل، وبالتالي تضمن عدم انضمامها إلى المشروع الأمريكي من جهة، ولكي تستعيدها من الهلال الإيراني من جهة أخرى، ولن تجد خطوة كهذه معارضة كبيرة لدى الولايات المتحدة إذا ما استغلت مصر والسعودية نفوذهما، لأن هدفها الرئيس هو سلخ سوريا من تحالف إيران، أما ضمها إلى مشروعها فهو هدف ثانوي.
في ظل هذه المناورات السياسية التي ستجري خلال الفترة القادمة، يجب أن نضع في الحسبان أن إيران لن تكتفي بدور المتفرج أو المراقب من بعيد، وهي ترى حليفتها الرئيسية تستقطع من هلالها، سواء لصالح المشروع الأمريكي، أو لصالح العرب، لأن ذلك يعتبر قضاء على نفوذها في المنطقة، وإعادة حلم تصدير الثورة الرافضية لبداياته، مما يعني أفول الهلال الرافضي إلى أجل غير مسمى، لذا فإنها ستضع كل ثقلها السياسي والمادي بل والعسكري أيضا من أجل الحفاظ عليها، وستسعى أيضا لإفشال كل اتفاق سياسي لا تراعى فيه مصالحها، سواء كان بين سوريا والدول العربية أو بين سوريا والولايات المتحدة وإسرائيل.
نستنتج من ذلك كله أن الحروب السياسية والدبلوماسية التي ستجري خلال المرحلة القادمة لا تقل ضراوة عن الحروب العسكرية، فالمصالح متضاربة، وإيجاد حد أدنى من نقاط تفاهم تلتقي عليها جميع الخصوم تبدو فرصه شبه معدومة، لذا فإن هذه الجهود الدبلوماسية والسياسية ستصل إلى طريق مسدود، وهنا ستبرز الحاجة لخلق واقع سياسي جديد لا تخلقه إلا حرب جديدة في المنطقة، وستشن هذه المرة على سوريا مباشرة عوضا عن لبنان بواسطة إسرائيل، وهذه هي الحلقة الثانية من هذه الحرب، التي ستكون لها حلقة ثالثة أيضاً
تحليل سياسي مهم لوضع الشرق الاوسط وتفاصيل الجوله القادمه
العرض العادي
