ألقى فضيلة الشيخ الدكتور / علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله
خطبتي الجمعة من المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة بعنوان :
مكفرات الذنوب
والتي تحدَّث فيها عن الأعمال التي يُكفِّر الله بها ذنوبَ العبد، وما يرفع به من درجاته .
الحمد لله رب الأرض والسماوات، يقبل التوبة عن عباده ويعفُو عن السيئات،
من تقرَّب إليه - سبحانه - أفاضَ عليه الخيرات، ووقاه المُوبِقات،
أحمدُ ربي وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وليُّ الكلمات، ومُجيب الدعوات،
وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه المُؤيَّد بالمُعجِزات،
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ،
وعلى آلِهِ وصحبِهِ السابقين إلى الحسنات، الناهِين عن المُحرَّمات .
أما بعد ......
فاتقوا الله تعالى وأطيعُوه؛ فهي خيرُ أعمالكم،
وأفضلُ زادِكم الذي يُحِلُّ به ربُّكم عليكم مرضاته، ويقِيكم عقوباته .
عباد الله:
أقِيموا وجوهَكم لمُكفِّرات الذنوب، وسَتر العيوب؛ فمن تقرَّب إلى الله تقرَّب الله إليه،
ومن أعرضَ عن الله أعرضَ الله عنه، ولن يضُرَّ إلا نفسَه، ولن يضُرَّ الله شيئًا،
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
( كل بني آدم خطَّاء، وخيرُ الخطَّائين التوابُون )
رواه الترمذي من حديث أنسٍ - رضي الله عنه .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه :
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
( والذي نفسِي بيده؛ لو لم تُذنِبوا لذهبَ الله تعالى بكم،
ولجاء بقومٍ يُذنِبون فيستغفِرون الله فيغفِرُ لهم )
رواه مسلم.
خلق الله ابنَ آدم بهذه الصفات، فيُطيع وقد يعصِي، ويستقيمُ وقد يكبُو،
ويتذكَّرُ وينسَى، ويعدِلُ وقد يظلِم،
وليس بمعصومٍ إلا الأنبياء - صلى الله وسلم عليهم أجمعين .
وقد منَّ الله تعالى على كل مولودٍ بخلقِه على الفِطرة - وهي الإسلام ،
فمن بقِيَ عليها وقبِلَ ما جاءَت به الرُّسُل والأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - اهتدَى،
وتقبَّل الله منه الحسنات، وتجاوزَ له عن السيئات،
ومن غيَّرت فِطرتَه الشياطين من الإنس والجن، والهوى والشهوات،
والبِدع والشرك ضلَّ وخابَ وخسِر، ولم تُقبل منه الحسنات، ولم تُمحَ عنه السيئات.
عن عِياضِ بن حمار - رضي الله عنه - قال:
خطبَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:
( إني ربي عز وجل أمرَني أن أُعلِّمكم ما جهِلتم مما علَّمني في يومي هذا:
كلُّ ما نحلتُه عبادي حلال، وإني خلقتُ عبادي حُنفاء كلَّهم،
وإنهم أتَتهم الشياطين فأضلَّتهم عن دينِهم، وحرَّمَت عليهم ما أحللتُ لهم،
وأمرَتهم أن يُشرِكوا بي ما لم أُنزِل به سُلطانًا )
رواه مسلم.
فمن غيَّر فِطرتَه التي فطَرَه الله عليها بالكُفر لا يقبلُ الله منه حسنة،
ولا يغفِرُ له سيئة إن مات على كُفره بلا توبة
قال الله تعالى:
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ
أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ }
[ البقرة: 161، 162 ]
وقال تعالى:
{ إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ
فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ
أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ }
[ آل عمران: 91 ].
لكن من حفِظَ فِطرتَه التي فطَرَه الله عليها، فاتَّبَع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
وآخرُهم سيِّدُ البشر محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -،
فذلك هو الذي يقبل الله منه الحسنات، ويُكفِّرُ عنه السيئات
قال الله تعالى:
{ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ
وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }
[ التغابن: 9 ].
المُسلمُ هو الذي يتغمَّدُه الله برحمتِه، فيقبَلُ طاعاته،
ويمحُو بالتوبةِ والمُكفِّرات سيِّئاتِه، ويُدخِلُه في الآخرة جنَّاته.
ومُكفِّراتُ الذنوب كثيرة، وأبوابُ الخيرات مُفتَّحة، وطُرُق البرِّ مُيسَّرة؛
فطُوبَى لمن سلَكَها وعمِلَ صالحًا، وأولُ مُكفِّرات الذنوب:
توحيد الله تعالى بإخلاصِ العبادات للربِّ - عز وجل -، والابتِعاد عن أنواع الشركِ كلِّه،
فذلك جِماعُ كل خيرٍ في الدارَين، وأمانٌ من كلِّ شرٍّ.
عن عُبادة بن الصامِت - رضي الله عنه - قال:
قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
( من شهِد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأن محمدًا عبُده ورسولُه،
وأن عيسَى عبدُ الله ورسولُه وكلمتُه ألقاها إلى مريم وروحٌ منه،
والجنة حقٌّ، والنار حقٌّ أدخلَه الله الجنةَ على ما كان من العمل )
رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - قال:
قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
( قال لي جبريلُ - عليه السلام -:
بشِّر أمَّتَك من مات لا يُشرِك بالله شيئًا دخلَ الجنةَ )
رواه البخاري ومسلم.
وعن أم هانِئ - رضي الله عنها - قالت:
قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
( قولُ: لا إله إلا الله لا يترُك ذنبًا، ولا يُشبِهها عمل )
رواه الحاكم.
ومن مُكفِّرات الذنوب: التوبة إلى الله تعالى؛ فمن تابَ من أيِّ ذنبٍ تابَ الله عليه،
عن أبي هريرة - رضي الله عنه :
عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
( من تابَ قبل طُلوع الشمسِ من مغربِها تابَ الله عليه )
رواه مسلم.
والله يفرحُ بتوبةِ عبدِه ويُعظِمُ له بها أجرًا
قال الله تعالى:
{ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُون }َ
[ الشورى: 25 ].
والوضوءُ بإخلاصٍ وإحسانٍ، ومُتابعةٍ للنبي صلى الله عليه وسلم من المُكفِّرات،
عن أبي هريرة - رضي الله عنه :
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
( إذا توضَّأ العبدُ المُسلمُ أو المُؤمن فغسلَ وجهه خرجَ من وجهه كلُّ خطيئةٍ
نظرَ إليها بعينِه مع الماء - أو مع آخر قَطر الماء -،
فإذا غسلَ يدَيه خرجَ من يدَيه كلُّ خطيئةٍ بطَشَتْها يدَاه مع الماء
أو مع آخر قَطر الماء -، فإذا غسلَ رِجلَيه خرجَت كلُّ خطيئةٍ مشَتْها رِجلاه
مع الماء - أو مع آخر قَطر الماء -، حتى يخرُج نقيًّا من الذنوبِ )
رواه مسلم والترمذي.
والصلاةُ من أعظمِ مُكفِّرات الذنوب،
عن عُثمان - رضي الله عنه - قال:
سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
( لا يتوضَّأُ رجلٌ فيُحسِنُ وضوءَه، ثم يُصلِّي الصلاة،
إلا غُفِر له ما بينَه وبين الصلاةِ التي تَلِيها )
رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه :
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
( الصلواتُ الخمس، والجُمعة إلى الجُمعة،
ورمضانُ إلى رمضان مُكفِّراتٌ لما بينهنَّ إذا اجتُنِبَت الكبائر )
رواه مسلم والترمذي.