من أقدم السارات في العالم
لا بد للزائر والمقيم في دبي من تلمّس التاريخ العريق الذي يعكسه مبنى السركال الذي يقع في قلب المدينة وينفرد بهندسة معمارية مميزة، ويجهل الكثيرون، أن جوف مبنى «السركال» المربع، يحوي مجموعة من عشرات السيارات الكلاسيكية، التي تحاكي بعراقتها، زخارف البناء الخارجي.
في الداخل متحف للسيارات القديمة، التي تم تجميعها على مدار السنوات الطويلة، وهو أيضاً أكبر معرض للسيارات الكلاسيكية في الإمارات. نظرة سريعة في المكان، لا بد أن تلاحظ الأشعار التي ترصع جدران المعرض، وهي إبداعات أمير الشعراء أحمد شوقي، التي تزيد من عراقة المكان، في الداخل كما في الخارج. إلى جانب العديد من التحف والمنحوتات الفنية، التي يتمثل بعضها بصناديق قديمة، منحوتة بشكل فني أنيق.
حينها تتخلى هذه الآلة ذات العجلات الأربع عن مهمتها الأولية، لتصبح ممثلة لتاريخ الشعوب والأمم. فهنا تقف سيارات تعود لتاريخ الحربين العالميتين الماضيتين، بجوار عرض لسيارات عسكرية، تم الحفاظ على إطاراتها من دون أي تعديل، في حين أنجزت التجارة ما بين الإمارات والدول المجاورة.
وللحضارة الفلبينية تمثيل هنا أيضاً، من خلال الباص الصغير، الذي كان يستعمل في النقل المشترك، والذي يعكس طريقة المواصلات التي كانت معتمدة في تلك البلاد حينها. ومن البرازيل، ممثلة أخرى لبلاد السامبا، هي سيارة «فولكس واغن» البرازيلية، المصنوعة من مادة الفيبر غلاس.
وتتعايش هنا سيارتان كانتا يوماً تتقاسمان العالم. فمن الولايات المتحدة الأميركية، تقف سيارة الفورد، التي يعود تاريخ تصنيعها لعام 1940، وهي من النوع الفخم، تتشابه فيه طريقة فتح الأبواب مع طراز الرولز رايس القديم. تعكس السيارة قوة صناعة السيارات الأميركية، خاصة وأنها مصنعة من الحديد المضاد للرصاص.
في المقابل، كما كانت الحال أبداً، نجد سيارة من عهد الحكم الشيوعي في أوروبا الشرقية. تتعايش السيارتان هنا في سلام قلّ نظيره في العالم الخارجي. وتبدو على وجوه الزائرين، ملامح الدهشة والانبهار، من هذا المكان الذي يعيدنا سنوات كثيرة خلت، في مدينة يتسم كل ما فيها بالعصرية والحداثة. حتى أن الكثيرين منها، يحملون معهم ذكرى من المكان، على شكل صورة تختزنها الكاميرات الصغيرة.
في الداخل، نجد مدير المعرض عيسى بن ناصر بن عبد اللطيف السركال، الذي يهوى، جمع السيارات الكلاسيكية النادرة. وقد زار العديد من دول العالم، في محاولة لجمع أكبر عدد ممكن منها. يشير السركال إلى أن تاريخ المعرض يعود لعام 1947، حين أسسه والده، ناصر عبد اللطيف السركال. وهو منذ ذلك الوقت يسعى للتجديد، من خلال التطلع لإضافة سيارات قديمة مختلفة. ويؤكد على أن السيارات الموجودة «هي للعرض فقط، ولكننا نقدم إصلاح أي من السيارات الكلاسيكية الموجودة في دبي، والتي يمكن أن تردنا من خارج المعرض».
وعن سبب اختيار هذا المبنى تحديداً لاحتضان معرض للسيارات الكلاسيكية، يوضح السركال أن قربه من مطار دبي الدولي، يضفي مثالية على مناسبة المكان جغرافياً، ويجعله في منزلة الواجهة للمدينة «كما يعتبر البناء مجموعة ثقافات مندمجة، بروحية تتناسب مع المعروضات الموجودة». مشيراً إلى أن المعرض «باع أول آلة لتوليد الكهرباء في دبي».
ويتحدث عن وجود الكثير من العروضات التي يتلقاها المعرض من قبل الكثير من الشركات، لشراء السيارات المعروضة. لكنها ترفض جميعها، «لأننا لا نهتم بالمردود المادي الذي يمكن أن نحصل عليه، فهذه السيارات للعرض، وليست للبيع». أما الزائرون الذين يقصدون المكان، فهم من مختلف الجنسيات، ويرى السركال في اختلافهم «مرآة لزائري دبي»، الذين يأتون من كل حدب وصوب. وهو لذلك أصبح متقناً لأكثر من لغة أجنبية، ما يسهّل عليه التواصل مع اللغات المختلفة التي تزور المكان.
ويرى في هذه المهارات، ضرورة تساعده على ترجمة عراقة دولة الإمارات، في كل مكان ومجال. وعن أقدم سيارة موجودة في المعرض، يتوجه إلى تحفة فورد القديمة، التي صنعت من الخشب، عام 1928، بمحرك بدائي، بسيط جداً، بقوة أربعة سلندرات. وكانت تستعمل لتوزيع الألبان.
إلى جانبها، تقف سيارة ستروين، موديل عام 1948، ذات الأبواب الأربعة المتحركة، ومحرك بقوة أربعة سلندرات، أيضاً. ومن ستروين، أيضاً، سيارة أخرى تعود لعام 1950، التي ما زالت محافظة على جمالها وأناقتها، التي تميز بها التصميم الفرنسي القديم. وهي سيارة مكشوفة، بأربعة أبواب ذات قبضات غريبة الشكل. أما بيك أب فورد الأحمر القريب، فيعود تاريخ تصنيعه لعام 1955، وإن كان ما زال محافظاً على جماليته الأولى. ويتفرغ أشخاص محددون، لمهمة المحافظة على رونق السيارات القديم المميز.
العرض العادي
