فلسطيني يخترع نظام توقيت جديدا للإنترنت يستبدل نبضة بالثانية التقليدية
شركات الكومبيوتر وأنظمة التشغيل والساعات العالمية تبدي اهتماما عاليا في الموضوع * إقامة ميادين لتوقيت الإنترنت الجديد قريبا
لندن: وليد الأصفر
لم يكن إهداء الخليفة هارون الرشيد ساعة لملك الفرنجة قبل قرون بعيدة حادثا عاديا، فالذهب والمجوهرات وإن كانت تدل على التفوق المالي والاقتصادي، إلا أنها لم تكن قط دليلا كافيا على التفوق العقلي أو المعرفي، أما اهداء ساعة، تحدد الزمن وتوقت الأحداث، وفي تلك الفترة من تاريخ الانسانية، لم يكن ليعتبر أمرا عاديا على الاطلاق. تذكرت هذه الرمزية المؤثرة عندما بلغ إلى مسامعي أن عالما عربيا فلسطينيا قد سجل براءة لاختراع يضع القواعد لأمر بالغ الأهمية لم يعالج بشكل جذري قبل ذلك على الاطلاق، وهو وضع توقيت للانترنت، وهذا على الرغم من كون هذه الشبكة العالمية قد أصبحت محورا أساسيا لأبحاث شركات تقنية المعلومات والجامعات العالمية المتخصصة على حد سواء. ليس ذلك فحسب، بل أن يصدر عن شخص في الوقت الذي يعاني فيه هو وزملاؤه وأهلوهم فيه من حصار خانق وإرهاب مستمر غير مبرر، لهو أمر يستحق التأمل كما تأملنا لقرون اثر هدية الرشيد.
صاحب الاختراع الجديد هو الدكتور يحيى السلقان، رئيس ومدير عام شركة يافا لشبكات وانظمة الكومبيوتر (Jaffa.Net)، أو «جافا دوت نت»، كما هي العادة في تسمية شركات التقنية الحديثة. أما دافعه فهو بالغ البساطة في منطقيته: «انتـرنت واحـدة بتوقيـت واحـد». فلا نقاش في وحدة الانترنت، فنحن ببساطة لا نسأل، بل وقد لا يخطر على بالنا في الغالب أن نسأل، عن الموقع الجغرافي لجهاز الكومبيوتر الخادم (سيرفر) الذي يستضيف أي موقع إنترنت نزوره، أو ربما نشتري منه ما نريد. ولهذا فالإنترنت واحدة. ولكن ما نحن ننساه كثيرا كمستخدمين بشكل عام أو مؤسسات بشكل خاص، أن ملفات وبرمجيات هذه المواقع، والساعات التي تضمها أجهزة الكومبيوتر التي تشغلها، وبالتالي المعاملات المرتبطة بالتجارة الالكترونية، كلها تأخذ توقيتها من البلد الذي يوجد فيها الجهاز الخادم. مما يعني أنه وعلى الرغم من وحدة الإنترنت الظاهرة إلا أنها تعاني من اختلاف بالغ الأهمية في الزمن أو في التوقيتات الذي تحكمها. وما المشكلة في ذلك؟
هناك عدة مشكلات تتعلق بهذا الأمر، سرد لنا الدكتور السلقان في حديثه الخاص لـ«الشرق الأوسط» بعضا منها، إذ يقول «لو أرسلت رسالة بريد الكتروني في التاسعة من صباح الخميس بتوقيت السعودية، إلى شخص ما في سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة، فسيقرأها في العاشرة مساء من يوم الأربعاء، وكأن ذلك تم قبل إحدى عشرة ساعة من ارسالها، مع أنها عمليا وصلت إلى جهازه بعد دقائق قليلة فقط من إرسالها». وإذا كان ذلك غير كاف لاصابتك بالارتباك، هاك المثال التالي على لسان الدكتور يحيى «في تطبيقات التجارة الإلكترونية أصبح من الضروري الحصول على شهادات أمنية للتأكد من شخصية من يريد الشراء من خلال الإنترنت، حيث تتميز هذه الشهادات بأن لها تاريخ انتهاء صلاحية، لا تستطيع أن تشتري بعد تجاوزه حتى ولو كان لديك بطاقة ائتمان سارية المفعول. ولو فرضنا أن شخصا يقيم في فرنسا ويريد أن يشتري كتابا من موقع شركة ما في الولايات المتحدة، ولكن كانت شهادته التي حصل عليها في بلده تنتهي فرضا في تمام الساعة الثانية عشرة بعد منتصف ليل ذلك اليوم، إلا أنه ومع كونه لن يستطيع شراء أي شيء بواسطتها في فرنسا لكونها صدرت هناك، فسيكون أمامه سبع ساعات كاملة (هي فرق التوقيت بين البلدين) يشتري فيها ما يشاء من مواقع الإنترنت التي تستضيفها أجهزة كومبيوتر خادمة في الولايات المتحدة، مما يفتح مجالات كبيرة للاحتيال». وهناك سبب هام آخر يعاني منه الناس على مستوى الكرة الأرضية، وإن بدا طريفا، إلا أنه يستدعي الاهتمام، فقد أثبتت الدراسات أن 62 في المائة من المتحاورين باستخدام خدمات الدردشة والحوار (Chatting) في الإنترنت، يفوتهم الالتقاء في ثاني اجتماع لهم، بسبب فشلهم في حساب الفروق الزمنية بين المناطق الجغرافية التي يسكنون فيها، ولكن لو كان هناك توقيت موحد وثابت للانترنت من دون أن يرتبط بمكان ما فلا يمكن أن تتكرر هذه المشكلة على الاطلاق».
ويمكن تصور الأثر السلبي للاختلاف وضرورة وجود نظام توقيت موحد، عندما نتذكر اجهزة التطبيقات العديدة التي تعتمد على الزمن والتي قد تتأثر بسبب أخطاء حساب فروق التوقيت. ومن ذلك أجهزة ربط الشبكات مثل المحولات والموزعات ومفاتيح ATM وغيرها، والأقمار الصناعية، ومقاسم الهواتف الثابتة والنقالة، وإدارة خدمات التجوال (Roaming) في الهواتف النقالة، وعمليات التزامن (synchronization) بين أجهزة الخادم في الإنترنت، وإدارة رحلات الطيران وبخاصة عند المرور عبر أقاليم زمنية مختلفة، وحتى توقيت نشاطات مكوك وصواريخ الفضاء، وغير ذلك من التطبيقات الحيوية، التي يصعب حصرها، وبرزت مع انتشار الإنترنت.
وبشكل عام يجب على مجتمع الإنترنت المتنامي أن يتذكر أن المبدأ الأساسي فيها هو أنه لا مكان للبعد الجغرافي في الإنترنت. وقد حاولت صناعة تقنية المعلومات التخلص من مشكلة اختلاف التوقيت هذه، وبخاصة مع تأثيرها الخطير على الأعمال التي أصبحت تتحول إلى التطبيقات الاكترونية الجديدة، إلا أنها لم تستطع أن تصل إلى حل ناجع، فعلى سبيل المثال أضافت مايكروسوفت إلى نظام تشغيلها الجديد «ويندوز إكس بي»، وفي الجزء الخاص باختيار توقيت البلد الذي تقيم فيه، وظيفة Internet Time server في محاولة لتوحيد الزمن، لا أنها لم تحل المشكلة بالكامل لأنها ما زالت ترتبط بالموقع الجغرافي لأنها تعتمد على جهاز الكومبيوتر الخادم الموجود في نفس البلد. ولهذا كان لا بد من التوصل لحل، وهو ما استطاع الدكتور السلقان تحقيقه. فلا حاجة بعد الآن لتوقيت شرقي أو غربي أو حتى غرينيتش.
* ردود فعل قطاعات تقنية المعلومات
* وبعد أن أدرجت شركة يافا لشبكات وانظمة الكومبيوتر هذا الاختراع المتميز في سجلات براءات الاختراع في أوروبا والولايات المتحدة واليابان، بدأت بالاتصال بشركات تقنية المعلومات باختلاف تخصصاتها لشرح أهمية اعتماد التوقيت الجديد، ومناقشة سبل استخدامه في منتجاتها، حيث وجدت كما يقول السلقان تجاوبا مشجعا واهتماما كبيرا به، وبخاصة من الشركات الكبرى المتخصصة بانتاج الكومبيوتر وأجهزة الاتصالات مثل «آي بي ام» و«صن مايكروسيستمز» و«كومباك» وغيرها. ونظرا لأن تطبيقات وبرمجيات الإنترنت قد بدأت فعلا باعتماد برامج تصفح الإنترنت كمنصة لتشغيلها، أجرت الشركة اتصالات بشركتي مايكروسوفت ونيتسكيب من أجل تطوير برامج تصفح الانترنت التي تنتجها لتدعم التوقيت الجديد، وقد طلبت مايكروسوفت من شركة يافا بناء على ذلك القيام ببعض الأبحاث على برنامج «إنترنت إكسبلورر» لتمكينه من دعم التوقيت الجديد. كما تمت اتصالات أخرى بالشركات المنتجة للساعات مثل «سيكو» و«سيتزن» و«كاسيو» لعرض الاختراع الجديد، حيث أبدت جميعها اهتماما كبيرا بالموضوع، وبخاصة لأنه سيعطيها ميزة تنافسية جديدة.
كما يتوقع أن ترحب الجهات المهتمة بالتجارة الإلكترونية بهذا الاختراع الجديد، نظرا لأنه يزيل تأثير الموقع الجغرافي على الزمن، مما يجعلها قادرة بشكل أكثر فعالية على القيام بنشاطات تسويقية عالمية بمعنى الكلمة، دون الحاجة إلى الارتباك بتحديد الموعد المناسب لذلك حسب الموقع الجغرافي الزمني للبلدان المختلفة.
* التوقيت الجديد متوفر مجانا منذ الآن
* وحتى تعطي الشركة للجمهور فكرة عملية عن التوقيت الجديد وتشجيعهم على استخدامه منذ الآن من أجل توقيت نشاطاتهم بغض النظر عن مواقعهم الجغرافية، تتيح لمن يرغب منهم الحصول على برنامج iTime الذي سيعرض عند تشغيله التوقيت الجديد والذي سيكون ثابتا على الدوام بغض النظر عن ساعة الكومبيوتر. فلو فرضنا أنك تعيش في الرياض، وتريد أن تحدد وقتا لمحادثة صديقك الذي يعيش في لندن بواسطة برنامج Netmeeting أو Net2phone أو غيرهما، من دون أن يجهد أي منكما نفسه بحساب كم ستكون الساعة عندك وعنده، ما عليك إلا أن ترسل له رسالة بالبريد الإلكتروني تطلب منه فيها أن ينزل برنامج iTime من موقع www.i-jaffa.net، وقل له انك ستفتح جهاز كومبيوترك في الساعة الفلانية حسب توقيت الإنترنت. وستلاحظ منذ ذلك اليوم كيف سيتغير مفهومك نحو الإنترنت.
* إبداع رغم الحصار
* على الرغم من أن الدكتور يحيى السلقان الحاصل على الدكتوراه في علوم الكومبيوتر والهندسة الإلكترونية، كان يعمل في شركة صن مايكروسيستمز في مقرها في وادي السيليكون في الولايات المتحدة، إلا أنه فضل أن يعود إلى وطنه ليؤسس شركته هناك في مدينة رام الله، ويطلق عليها اسم يافا تيمنا بمدينته الأصلية التي يحتلها الإسرائيليون حاليا. وعلى الرغم من الحصار الشديد الذي يلقيه الإسرائيليون على الأعمال الفلسطينية بشكل عام، استمرت شركة يافا بالانتاج والتميز، وخاصة أن العديد من موظفيها ومن بينهم الدكتور السلقان نفسه حاصلين على مجموعة من براءات الاختراع في مجالات تقنية المعلومات. ويجدر بالذكر أن السلقان قد اختير للمرة للمرة السادسة على التوالي ليترأس مؤتمرا حول أمن الكومبيوتر والاتصالات سيعقد في الولايات المتحدة قريبا. ويقول لنا منهيا حوارنا معه «نريد أن نرسل رسالة حضارية للعالم نقول له فيها، انه ومع شدة الحصار إلا أن العقل الفلسطيني ما زال يعمل، وان العقل العربي جبار وقادر على العطاء، وقد أثبت ذلك عبر التاريخ من خلال العديد من الاختراعات والانجازات العلمية. وما هذا الاختراع الأخير الذي نقدمه سوى محاولة بسيطة للتأكيد على هذه الحقيقة، وأن يكون فاتحة خير لاعادة وضعنا كعرب كمساهمين في مسيرة الحضارة العالمية».
اخوكم : ! { فـــهــــد الــــعــــمـــري } !
*7 *7 *7
*7 *7
*7 *7
*7 *7 *7
العرض العادي
