العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام العامة ]:::::+ > ۞ مكتبة الــوٍد الإسلامية ۞
موضوع مغلق
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-02-2006, 03:33 AM   رقم المشاركة : 1
عيونكـ غرامي
( وِد ماسي )
 
الصورة الرمزية عيونكـ غرامي
 







عيونكـ غرامي غير متصل

Icon14 العبسي والمواسم التي تمطر الموت

مدخل:
أبواب جهنم ستُفتحُ غدا!.
أقفال الحبوس تُفكّ، ومرَدَة الجِنّ تُحَلُّ أصفادُهم، فيتنفسون الصعداء..
تُهمَّشُ الحقيقة، ويزاحُ شؤمُها عن بؤرة العين؛ تُراوغُ الذنوب، ويُخدّرُ الخوف، فتتبدِّل العبارة بأخرى ذات إيقاعٍ متفائل: شمسُ الصوم غربت دامعة!. هلال البهجة بزغ باسماً، والأثير تُتخِمهُ التّهاني.. هكذا يروق للكُسالى حجب الخلل، وتسكين القروح، وإحياء الطقوس بالحلوى والزغاريد استعداداً لعرسٍ يتجدد في كل عام.

هامش أول:
الطُفولة تحتدم!.
البراءة تُشعِلُ المدينة، والدَّوي يقهقه..
الفِتيَةُ يتقاطَرون في الأزقة. السيارات تخنق الشوارع. أرتال اللحم تختلط، وصدور المحلات بدَتْ بارزة!. الأمهات نقَشنَ كفوفَ البنات، ونقعنَ شَعرَهنَّ في زيوتٍ مبخّرة. الخادمات غسلنَ السيراميك، ولمَّعنَ الجُدران، وشرشفنَ السُرُر، وخمّرنَ العَجين..

هامش ثاني:
"طُهرةٌ" يُمَنُّ بها على البؤساء، وفطريَّاتٌ تلوّث الحسنات!.
يأتون تباعاً؛ المستحِق وغير المُستحِق. ألسُنٌ تلهثُ بمشقّة، وأخرى تزيد في القول، وتدّعي الفاقة، وتستوفي كيلةً مُضاعفة، وتُدِرّ لها الجيوبُ أكثر.!
دعاءُ "العبسي" يختلف، وبؤسه كان يتحدّث بفصاحة.

ولوج مبدأي:
عبسيٌّ هوَ، ولكن لا علاقة له بالذُباب الأزرق، ولا وشيجة بينه وبين عنترة!.
قاسمٌ كهذا كافٍ لتحفيز ذاكرة العروبة، كي تجترّ شيئاً من الأرشيف، وتلوك حكَايا الإرث، وتستحلبَ حلاوة الأمجاد لتسكِين مرارة الذلّ العُضال!! ولربما أفاقت أماكنُ، وأحداثٌ، وقبائل: عبس. ذُبيَان. طيئ، وأربعون سنة، ودماءٌ بريئة وغير بريئة، عاقلة ومجنونة حدّ السُعار، تُنزف من أجل خيانةٍ وهَبَت البطولة لفارسٍ غير جدير!!.. والقاسمُ ذاته قد يُغري برحلةٍ في عوالم العشق ومدائن الشِعر، وتجوالٍ بعكاظ، والمربد، ولقاءٍ بعبلة التي ستهذّب النزق، وتضخّ الإكسير المعتّق، وليلى التي ستمنحُ وصاياها في عذرية الحب لبناتِ العصر، ولن يتأخرَ قدوم عزة، ولُبنى، والأخيلية، وولاّدة؛ إذا ما هُوتِفنَ من أجل ذلك، أو وصلَهُنَّ "مسج"!.

ولوج جُزئي:
هو الفقير، بـ العيون الغائرة والأضلاع البارزة، مجعَّد الشَعر قلِيله بالذِقنِ والشاربين، عديمه باللحيين، الأدرم إلاَّ مِن أضراسٍ خمسةٍ مبعثرة، أبقَتْ على علاقةٍ هشَّة مع فكِّه العلوي، وأخرى قليلة تُخاتلُ اللثة الرخوة، وتهدِّد بنزع جذورها الهاتمة من فكِّه الآخر.. هو بسِنِيه الخمسين يطرُد كل نوايا الثرثرة عن بطولةٍ مدّعاة أو فروسية لم يكُن يجيدها، وبالتأكيد فإنّ الحديث بشأنه - وهو المُغترب عن وطنه، المفارق أهلَه وصَحْبه، البعيد عن قرينته التي لا يتشدّقُ لها إن سنَحت له الفرصة بمهاتفتها بكلماتٍ معسولة كالتي يتشدّق بها أحد المُترفين لزوجته مِن هاتفه المحمول وهو مستلقٍ في حضن عشيقته - لن يكون عن نزقٍ من جنون العشّاق، أو هيامٍ ممسوس في أودية الشعر.
لم يكُن العبسيّ مؤرجحاً بين سماء السيَادة وحضيض العبودية، وملامحُه لم تأتِ مُهجّنة بأنفٍ دقيقٍ وبشرة قاتمة كعنترة، وصنيعُ العابثين بسلالات البشَر، كاد أن يأتمر مع قناعة ترفضه، للتحريض على قذفِ المداد في رحم السخرية وإنجاب نظريّة متعنصرة - كما ترى العولَمة - سُرعان ما يُتبرأ من خِزيها والعار!.
هو أسودٌ أصيل، وأمُهُ أمَة، وأبوه أسودٌ أيضاً وَ رقيق. هذا ما صدّ عن متهورٍ المغبّة، ونأى بالفكرة عن التورط.

ولوج جُزئي مكرر:
في كلِّ المرّات كان يأتي حافياً، وكذلك أتى في هذه المرّة!.
زيّه لم يتغير؛ بقي بإزارٍ رّثٍ قصير لا يجاوز ركبتيه، وفانيلة نصف كُمٍ غبراء هاتمة، وعمامة مِن بقايا "شماغ" جادَ به محسنٌ بعدما بَلي!.

بظُرفِه تأخذ الضحكة دورتها كاملة، ويدوّي ضجيجها بصخب. كوشاية؛ غافَله أحدهم وهو على سُفرة الطعام ومرّر راحة كفّه على إليته: - سمنتْ فِدرتك يا عبسي...
يرمي اللقمة التي بيده. يغُصّ. يكح. يتلعثم، ويثِبُ عالياً كالملدوغ، ويصيح موبِّخاً ومنتخيَاً:
- أبنَ الـ أبووووس*.
بغضبٍ غير مُفتعل ينفضُ الزاد عن يده ووجهه وفنيلته. يحتجّ، ويولِّي مدبراً.!
بكلمة واحدة، وابتسامة طفيفة يُسترضى، فيسامِح ويدحر الغضب، وينسى، ويعود لإكمال العشَاء.
يُبشَّر بكسوةٍ - خديعة – تنتظره. يفرح، وتتجمّع الدموع في محاجره، ويدعو كثيراً كثيرا..
يُخبَر بأنّ فيها بنطالاً وَ (كلُت)، فينطلق هارِباً وهو يتمتم:
- كلَسون؟! أخ أخ أخ!!.
- بنطلون!؟ والله ما ألبسه..

هامش أخير:
ليلتان مضتا لم يُرَ فيهما العبسي على غير العادة.!
ثمَّتَ تخمينٍ يقول: إنّه ركِبَ الليل وتمرّد على الحدود التي فُرضتْ على كلّ الإرادات والحريّات، وقَسّمتْ الوطن الواحد إلى عشرات الأوطان، وناورَ الحرّاس الناعسين الذين لا يتورعون عن لعنِ الرُّتَب التي تتدنى بهم، وتشرّدهم طوال الليل بعيداً عن أطفالهم وزوجاتهم وأمهاتهم، وترمي بهم في أجواف الفلوَات والقفار المتشنِّجة، وتقدّمهم طُعمَاً لسُموم الأفاعي وأنياب الوحوش والهوام، وترتفع كثيراً بالذين يديرونهم مِن على طاولات السهر الأحمر، وأرائك المُتَع المخضّبة، وحلبات الورق.. فنفَذَ مِن أمام أعينهم بسلام ليقضي عيدَه في أحضانِ السوداءِ وصِبيَتها.
بصُدفة محضة اكتُشفَ أنّه عيّد في المزرعة!. وربما بصدفة مماثلة أيضاً اكتُشفَ غيابُ المزرعة عن دوائر الاهتمام، وأنّ الحنين لم يعُد يشدّ أحداً إليها كما كان سابقا في أيام عِزِّها!.
يُباغَت بزيارةٍ من دون موعد، فيُشدَه الزائرُ باستقبالٍ لا يجيده أهل اللياقة!.
بحفاوةٍ يسبقها البِشْر ينصبُ على ظهر رابية سريراً مرتفِعاً كصهوة فرس، ويجلب الفُرش والوسائد البسيطة التي يفوحُ منها عَرفُه المُزهر. يوقد في حطبِ السلَم. يطفئ مصابيح الكهرباء، ويسرج فانوساً تقليدياً قديماً، فتضيء دهاليز الحنين الغافية، وتمتدّ الأنوار التي تشرقُ منها شُرفة الماضي النّدية. ينفخ على النار. يعبأ الإبريق، ويضيف له السكر والشاهي والنعناع، ويضعه على الجمر الملتهب، ويوالي سردَ الطرائف والنكات.

ولوج كُلي:
"كمَرَان"؛ اسمٌ له معاني كثيرة بالنسبة له، كالـ السيجارة المُفضلة. وكـ الرمز الذي يدل على الانتماء، وأربعة ريالات كحدٍ أدنى كافية لجلب علبة منها في كل يوم، وقد تكون كافية لنفثِ بعض الهموم، وحرق رئة بأكملها، وإجهاد ميزانية هي في الأصل من دون إيراد، ومقبولةٌ إلى حدٍّ ما لتشجيع صناعة وطنية فتّاكة.!
غاب قليلاً ليعود بعلبته التي تروقه. أزال غلافها البلاستيكي الشفاف. نزع غطاء القصدير الذي بالداخل. وضعَ واحدة بين شفتيه وأشعل فيها من عود الثقاب. جرّ النفَسَ الأول بنهمٍ واحتراقٍ هادئٍ عميق. نفثَ أكواماً تنطق بالوجع. جرّ آخر، ونفَث، وجرّ ثالثاً ثم تنهّد وظلّ يحترق، ويحترق بصمتٍ تام. أسقطَ العقب المشتعلة فوقعَتْ قريباً من قدمه الحافية. رفع رجله قليلا. أزاحها نحوها. داسها بحنقٍ وتنهّد من جديد..
تنبَّهَ لشروده. رفع رأسه. نصَبَ ظهره المقوّس. اعتدل في جلسته. أخفى معالمه الكئيبة، وفضّ صمته بحديثٍ ضاحكٍ عن جدّه الآبق من نيّر مولاه، والتجائه لذوي الرجل النبيل الذي قُتل غدراً ببندقيّة سيّده. وما قدّمه لهم من أسرارٍ نال مقابِلها جوارهم، وأهدَوه زوجة من إمائهم - هي جدته - نكاية في عدوهم ريثما يأخذوا بثأرهم، ثمّ عرّج على حكاية والده الذي نال حريّته بعدما أنجبه، ونِكاته الساخرة لم تنقطع.
من دونِ إرادةٍ انحرفت به عجلة السمر نحو منعطف البوح المحتقن بغصص الترحال الطويل الذي رماه في كلّ الأصقاع القاحلة، وتغرّبات الشظف المتوالية التي لا زالت تشرِّده منذُ ثلاثين عاماًّ. لكنه يصرّ على أن يهزأ من الألم، ويستخفّ بالبؤس، ويرمي بالهمّ بعيداً، ويظلّ يضحك وهو يجمع حبّات الرزق الأقل من الكفاف من بين لهوات الزمن وأنيابه الحادة.

مخرج أول:
قبل أربعة أشهر كان قد بدأ غربته الجديدة في المزرعة، ومنذها وهو ينبش في الأطيان بحثاً عن سنبلة يلقم بها الأفواه التي لا تكفّ عن التضور والصياح.. حرث الأرض. بذرها، وتعهدها بالسُقيا والرعاية، وفي منتصف رمضانه الفائت بدأ الجني، وفي منتصف الشهر اللاحق سيجمع غلّته ويعود.
"الفرج قريب".. يحدّث نفسه ويتفاءل بالبشائر، ويُسلّيها في عيدها الذي ستقضيه في هذا الموسم.
الحصادُ فيه العزاء؛ ومنه سيحمل لزوجته وأبنائه وبناته الهدايا التي ستعوضهم عن الفرحة المفقودة، ومنه سيؤمّن قوْتَهم لغُربة قادمة، ومنه سيبتاعُ عروسةً تضخك وتبكي وترفّ عيونُها لآخر العنقود "غرسة" التي جاوزت منتصف سنتها الثانية.

مخرج أخير:
في تلك الأجواء الحميمة لم يسلَم النديم من التورط في محاولة لعقد مقارنة بين قدرته على الصبر على البُعد وبين القدرة المماثلة لدى العبسي، وحين فشِل تساءل عن السبب الذي جعل العبسي يعيّد وحيدا؟
غطاء الإبريق يتراقص، وأبخرة الشاهي تتصاعد، والعبسي يبتسم. يملأ للزائر كأساً ويضعها على التخت. يملأ أخرى. يرشف، وصدى الرشف يجول من فمه. يزُم شفاهه على سيجارته قبل إشعالها، ويشير إلى زرعته التي انتظر نضوج ثمرتها موسماً كاملا، ويقلّب كفّيه متعجباً: والحصاد كيف أتركه، ولِمَن!!
لقد جفّ الدم في عروق الـ"غرسة" في أول يومٍ من أيام الحصاد، ولم أذهب لودَاعِها ودَفْنِها بسبب الحصاد، وأتى العيد وانتهى وأنا في الغُربة بسبب الحصاد أيضا، وبأقوالٍ كثيرة اختزُلت بهكذا معنى كان يتحدّث العبسي.. وظلّ باسماً بطمأنينة، وراضياً بما سيرسمه القدر، وبقي يواصل الحصاد من أجل غرساتٍ أخرى ما زال فيهنَّ حياة..




•*أبنَ الأَبُوس أصلها: ابن العَبوس، غيرَ أنّ حرف العين قد مُسخ في لسان العبسي ليصبح ألِفَا، وهي من صيَغ الجمع لمفرد العبسي، والضبط بالشكل أتى وفق نُطقِه بالكلمات..


قوية عين







التوقيع :

قديم 11-02-2006, 11:52 AM   رقم المشاركة : 2
دامبيش
Band
 
الصورة الرمزية دامبيش
 







دامبيش غير متصل

مشكور على هذا الموضوع







قديم 11-02-2006, 08:49 PM   رقم المشاركة : 3
عيونكـ غرامي
( وِد ماسي )
 
الصورة الرمزية عيونكـ غرامي
 







عيونكـ غرامي غير متصل

مشكوووور على المرووووووووور







التوقيع :

قديم 12-02-2006, 08:45 AM   رقم المشاركة : 4
ولد الشمال..؟
( وِد ماسي )
 
الصورة الرمزية ولد الشمال..؟
 






ولد الشمال..؟ غير متصل

قويه عين

يسلمو على النقله وعلى المووضع

دمتي بود







التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

قديم 12-02-2006, 11:59 AM   رقم المشاركة : 5
لميا
( ود فعّال )
 
الصورة الرمزية لميا
 





لميا غير متصل

مشكوره
دايما متميزه بمواضيعك
جزاكي الله خير







التوقيع :
أروح عنــــــك .. وغصــب عنّـــــي أجيــــــلك
مثل الهدب يبعد ويرجع على العين مشتاق

قديم 12-02-2006, 12:08 PM   رقم المشاركة : 6
عيونكـ غرامي
( وِد ماسي )
 
الصورة الرمزية عيونكـ غرامي
 







عيونكـ غرامي غير متصل

مشكووورين على المررور







التوقيع :

قديم 17-02-2006, 05:56 AM   رقم المشاركة : 7
عيونكـ غرامي
( وِد ماسي )
 
الصورة الرمزية عيونكـ غرامي
 







عيونكـ غرامي غير متصل

مشكووووررررين على المرووووور الرائع







التوقيع :

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:50 PM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية