في موضوع للاخ الكريم بقايا جروح .. (( مرحلة المراهقة .. منعطف خطر ))
رأينا كيف عاش شباب الامة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم .. ولعل ذلك يوضح الفرق الكبير
بين شبابنا وشباب ذاك الزمن .. وبالطبع فإن للتربية والاسرة والثقافة .. اثر كبير على شخصية هذا الجيل
واعتقد ان ابتعادنا عن الدين في طريقة تربيتنا لابنائنا .. واهمال الاسرة لنهج الاسلام في تشكيل الشخصية .
قد يكون من اكبر اسباب الانحرافات التي بدات تمتد في مجتمعنا .. ولعل مرحلة المراهقة هي المرحلة
التي فيها يتميز الإنسان بالعقل والإدراك والوعي .. ويكون في اتم الاستعداد لتلقي وجهته وتوضيح اهدافه
ففي هذه المرحلة .. تتجمع لدى الإنسان حصيلة من المعلومات التي اكتسبها اثناء طفولته ..
لكنه لم يعي منها شيئا في ذلك الوقت .. وهو الان يتهيأ للاستفادة من تلك المعلومات في تحديد سلوكه ..
لذلك لابد ان نعي ان تربية المراهق تبدا منذ طفولته .. ولا تنتهي ابدا .. فالانسان يحيا حياته في مدرسة
يتعلم منها كل يوم شيئا جديدا .. لكن التغيير الحقيقي في حياته يبدا من اولى ايامه مع المراهقة ..
يصور واقعنا المراهقة بصورة مخيفة .. مقلقة للابوين .. ونجد الدراسات تكثر حول هذا الموضوع ..
والبحوث تتزايد يوما بعد يوم .. تقام الندوات ,, وتحضر الدروس لتعليم الأسرة كيفية التعامل مع المراهق والمراهقة ..
ولكني اجد اننا هولنا الموضوع .. وأعطيناه حجما اكبر من حجمه .. في بعض الاحيان .. حيث الخوف والقلق ..
وفي احيان اخرى ,,، لا نعطيه اهميته ولا نفي بحقه ,,, حيث تظهر اللامبالاه والاهمال ..
وعلينا ان نكون وسطا بين هذا وذاك .. فمرحلة المراهقة تستمد صعوبتها فقط من ان الشاب والفتاة
يتميزان فيها بالعناد وعدم الرغبة في تلقي الاوامر .. لذلك علينا ان نراعي ان غرس القيم في نفس الطفل
منذ صغره .. تساعد كثيرا الابوين على تجاوز مرحلة المراهقة بسلام .. المهم ان تعرف الاسرة كيف تتعامل
مع هذه المرحلة .. بحذر ووعي ,, دون ضغط .. ودون تسيب ايضا ..
كثيرا ما اتسائل ... أين هي المراهقة في العصور السابقة ؟؟
لماذا لم تروي لنا كتب السيرة وكتب تاريخ الصحابة والتابعين .. أي شيء عن مدى صعوبة هذه المرحلة ؟؟
لماذا لم تقع عيني يوما في سطور التاريخ على نماذج توضح هذه المرحلة ...
ببساطة وجدت ان الإجابة هي .. انهم لم يكونوا يعانوا مع ابنائهم وفتياتهم تلك المشكلة ..
فالإسلام وضح تماما كيف نربي الانسان .. منذ ولادته حتى مماته .. والمراهقة جزء من حياة الانسان
إذن الاسلام لم يهمل هذه المرحلة ابدا .. لكنها اختلفت كثيرا عما كانت عليه في السابق ..
لو تحدثت بشكل خاص عن الفتيات .. وحاولنا ان نستكشف مرحلة المراهقة بالنسبة للواحدة منهم ..
ربما لم يعرفوها كما نعرفها الان .... لكني اجزم انها كانت تختلف كثيرا عنا .. ولو جئنا للفظ (( فتيات ))
للاحظنا ان معظم كتب السير والتاريخ .. لم تات بهذا اللفظ .. الا نادرا .. فالفتاة كانت هي الابنة الصغيرة
وفجاة رايناها تلك الامراة العظيمة التي اثرت في مجتمعها بالغ الاثر ..
اعتقد ان الفتيات في ذاك العصر.. عشن في نطاق ضيق ..ومجتمع محدود .. ((وهذا ما نردده على أنفسنا ))
لكنه والله كان واسع الأفق .. رحيب المدى .. بينما نحن من امتدت بنا المسافات .. ضاق أفقنا .. وانحصر تفكيرنا
عاشت الفتيات في تلك الحقبة .. حياة بسيطة .. لم تعرف التلفاز والقنوات ولا حتى الإذاعة ,, بل إن بعضهن لم
تعرف القراءة والكتابة .. لم تتواجد المجلات والصحف .. ولا الموضة ولا صيحات الازياء ..
عاشت الفتاة في الجاهلية .. اسوا حياة .. هذا ان عاشت اصلا .. حيث كانت غالبا ما تدفن الفتاة حية ..
وجاء الاسلام فكرم المراة ورفع من شانها .. وهناك تنفست الفتيات عبير الحياة مختلطا بالدين ..
دخل الإسلام إلى قلوبهن فامتزج بها منذ نعومة اظافرهن .. خالط دمائهن .. وعشش باعماقهن ..
لعلني لا أعرف الكثير عن فتيات ذاك الزمان كيف عشن .. حيث لم اقرا يوما ما يروي الظما من هذه الناحية ..
لكننا نعرف ان الفتاة كانت تتزوج في سن صغير .. فهي تخرج من مرحلة الطفولة إلى الحياة الزوجية ..
لا أدري هل الزواج المبكر .. كان سببا في غض النظر عن تلك المرحلة .. ام ان المراة في ذاك العصر
لم تعش ما نسميه نحن بالمراهقة .. حيث تربت على الحياة الزوجية و الامومة .. وشئون المنزل منذ صغرها ..
لم يشغل بالها سوى رضا الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم .. وطاعة والديها وزوجها ..
لم تهتم إلا براحة شريكها وسعادته .. وبتربية ابنائها وتنشئتهم خير تنشئة ..
فكانت ابنة الثانية عشرة ـــ وغالبا قبل ذلك ــــ. (( ولنلاحظ ان هذه الفتاة بالنسبة لعصرنا مراهقة )) ..
كانت زوجة واعية .. و أما مثالية .. من تحت يدها تخرجت افضل الاجيال .. ومن ثديها رضع اعظم الرجال
ربت المجاهدين والفاتحين والداعين ورواة الاحاديث وملوك الارض ....
تزوجت اغلبهن بعد العاشرة .. وترملت بعضهن بعد العشرين من عمرها .. فأين هي مراهقتها ؟؟
حياتها هادئة بسيطة اتسمت بحب الله ورسوله والسعي للجنان .. والرغبة في رفع كلمة لا إله الا الله ..
رضي الله عن ذلك الجيل .. نساء ورجالا .. فقد عرفوا بحق الاسلام وانتهجوا نهجه ....
وحتى في الماضي القريب .. كانت الفتاة في زهرة العمر .. وبداية الحياة .. أي في المرحلة التي نسميها مراهقة ..
كانت مسئولة عن تصرفاتها .. واعية بمحيطها ... مدركة للامور من حولها ..
اهتماماتها تدل على رجاحة العقل واتزان النفس .. فهي تتعلم الطبخ منذ نعومة اظافرها ..
تقلد والدتها في كل شيء .. حتى في اللعب .. فهي تربي الدمى ,, وتطلق عليها الأسماء ..
فنجد الفتاة .. تستعد نفسيا لدورها في المستقبل منذ طفولتها .. لذلك كانت مراهقتها ..
عبارة عن تمهيد لطريق حياتها فيما بعد .. فهي تتزود من العلم ما يفيدها ويساعدها على أداء واجباتها ..
لا تعرف من محيطها .. اكثر من عائلتها .. وجاراتها والقليل من الصديقات .. تميزت تلك الفترة من حياة الفتاة
بالحياء الواضح .. والرغبة في التزود من العلوم النافعة خاصة الدينية .. كان اكثر ما يشغل بالها ويهمها ..
هو ان تكون عارفة بجميع شئون المنزل وكيفية ادارة سكن الزوجية .. تقضي جل نهارها تساعد والدتها
حيث لم يكن للخادمات وجود .. فهي تنظف المنزل وتطبخ الطعام وتعين والدتها في تربية الصغار ..
أما ليلها فتعمره بقراءة الكتب ان كانت متعلمة .. أو تكتفي بقراءة القران .. وقتها تقضيه بين عائلتها ..
في اجتماعات اسرية جميلة هادئة .. لم تحظ بكثير من وقت الفراغ ... وحتى إن حظيت به ..
فهي تحيك ثوبا .. او ترقع اخر .. او تدير أناملها بخفة بين ابرتي الصوف ..
وبذلك لم تكن فترة المراهقة طويلة إلى ذاك الحد الذي يخيف .. ويجعل منها مرحلة مستقلة بذاتها ..
فقد ساعد في ذلك زواج الفتيات المبكر ..
أما الان .. وفي واقعنا الذي نعيشه .. في هذه الحقبة من الزمن التي تغير فيها كل شيء عن سابق عهده ..
فالأسرة تعاني كثيرا مع المراهقة .. خاصة انها تمتد لوقت طويل من عمر الفتاة ..
أصبحت المراهقة .. تتاثر كثيرا بمحيطها الخارجي .. ولعل محيطها يختلف عن سابقيها في اغلب الوجوه ..
فالفتاة الان .. تختلط بمعلماتها .. وصديقاتها .. وزميلات المدرسة .. الجارات .. القريبات ..
والأخطر من هذا كله .. انها الان محاطة بمجموعة اخرى .. لم تعرفها المراهقة من قبل الا وهي .
الممثلين و الممثلات.. الشعراء والكتاب .. الصحف والمجلات .. القصص والروايات ..
عارضات الازياء والراقصات ... المغنين والمغنيات .. التلفاز والقنوات .. وما ادراك مالقنوات ؟؟
كل هذا .. اثر بشكل كبير على المراهقة .. وجعل منها مرحلة حرجة .. يحفها القلق والتوتر ..
لذلك من واجب الاسرة ان تعود لنهج الاسلام في التربية .. وان تشكل حياتها على اساس الدين ..
وان تجعل من سيرة الرسول عليه السلام وصحابته الكرام والتابعين .. حصنا تدافع به عن ابنائها ..
ولتحذر كل الحذر من التيارات الجارفة التي قد تغرق الشاب والفتاة .. ولتحمي افرادها بالدين ثم العلم .
حتى تتجنب ويلات المراهقة ومخاطرها .. ويحظى المجتمع باجيال واعية عاقلة .. تدرك معنى حياتها
اسال الله لنا ولكم التوفيق والسداد .. وتذكروا ان المراهق والمراهقة هم عماد المستقبل فاهتموا بهما ..
وتقبلوا فائق شكري وتقديري على مروركم ..