إلى من يهمه الأمر " سري وعاجل "
ذات ليلةٍ كانت هناك أمورٌ تجول في خاطري
وتدور في خلدي
بل هي أحلامٌ طالما دغدغت قلبي
وداعبت نبضي
ولم أجد أحداً أبثه نغمة الشكوى
التي كنت أعيشها
وتكون نفثاتها صدى لأوجاعي وآلامي
فأرسلت طرفي إلى السماء فرأيت قمراً يتلألأ
وحوله عددٌ من النجوم المتناثرة
يشتكون إليه مما قد أصابهم من الحزن والكرب
فقلت : لما لا أفعل مثلهن
فلا يوجد سوى القمر يسامرني
وأفضي إليه بما في نفسي من أحاسيس ومشاعر
أيها القمر السامي أيها النجم الكريم :
إني قد مللت من محادثة أهل الأرض
فأردت أن أستجير بأهل السماء
فمجرد ظهوركم لنا كل ليلة شيء جميل
يشرح الصدر ويتراقص له القلب
لولا ما يكدره حديثي الذي سأرفعه إليكم
الذي لو اصطدم بالواقع في الأرض
لتناثر إلى أحرف جوفاء لا معنى لها
أيها القمر المضيء في هدوء :
أنا لا أريد قصراً شامخاً يناطح السحاب
تعيش في بحبوحته حديقة غناء
وأتمتع بأستارها وظلالها الوارف
وفي كل جانب من جوانبه الآرائك والمناضد
بل كل ما أتمناه هو بيتٌ صغيرٌ
يجمعني فيه مع رفيقة دربي
وشريكة رحلتي في سفينة الحياة
تحيطنا جدرانه الدافئة
ونتحولق حول مائدة تخيم عليها الرومانسية بكل وجوهها
وتمدَ إلينا وروداً و شموعاً تحرك فينا أشواق الإنسانية
ومشاعر الفطرة الآدمية
وأظل سارحاً في هذا الحلم حتى يوقظني ذلك الواقع المزعج
الذي أعيش في كنفه
فلا أملك إلا أن أذرف دميعاتي الحيارى
في مقلتي على وجنتي :
أبت الدموع بأن تكون حبيسةً في مقلةٍ أعياها طول السهاد
أيها القمر العزيز :
انظر حولك تأمل في حياة ساكني الأرض
حياة تستغرقها الآلام والبشرية
تتقاذفها متاعب لا عِدادَ لها ولا حصر
وإعلام يعرض مآسي المسلمين في كل بقعة من كوكبنا
فإذا كانت الجراح السطحية لم تندمل بعد
فكيف بالجراح الغائرة في أعماق النفس
فالجرح الناغر من الجباه المسلمة لازال ينزف منذ أن عرف الإنسان نفسه والنكبات تتلاحق بالأمة الإسلامية
منذ أن كنت طفلاً صغيراً أضحك وأبكي لأتفه الأسباب
منذ أن كنت أصعد إلى سطح البيوتات
لأعد النجوم مع من هم في براءة الطفولة مثلي
منذ أن كنت أتراقص معهم عند هطول الأمطار
منذ أن كانت الحياة لهواً ومسرة
ومنذ أن كانت الحياة هنيئة خالية من قسوة العقل
آآآآآآه ما أجمل أيام الصبا
فأنا لا أريد أن أكون مسؤولاً عن نفسي
ولا أريد أن أكون مسؤولاً عن غيري في المستقبل البعيد
وقلت : " بعيد " لأن الواقع العصيب يفرضه عليَ
أيها القمر الوحيد السعيد :
كلَُ شاب من أهل الأرض لديه أحلامٌ وردية
وآمالٌ خضرٌ يخرج إلى الحياة وحيداً شريداً
يبحث عن الاستقرار النفسي والمجال الاجتماعي
والمكان الوظيفي والكسب المادي
ويخوض غمار حياة واسعة بكامل وعيه وحسه
لأنه يحاول أن ينتقل من المراهقة والتبعية إلى الاستقلال
ولكن سرعان ما تتسع مساحة الحزن داخل قلبه
ويتملكه اليأس بأن يكون لديه مستقبلٌ ورديٌّ
كما رسمه على لوحة شفافة قرمزية المنى
مائية الحلم إثر اصطدامه بصخرة الواقع
فيجد نفسه مرغماً بأن يركن تلك الآمال
وهاتيك الرغبات في إحدى زوايا قلبه المسكين
فتظل حبيسة داخل قضبان صدره إلى أجل غير مسمى
أيها القمر الساري أيتها النجوم الساهرة :
في حقبة من الزمن ليست بالبعيدة أتذكر بأنه كانت لديّ موهبة
إني تذكرت والذكرى مؤرقةٌ دمعاً غزيراً على الخدَ منسابا
تلك الموهبة هي قرض الشعر
ولكنها لم تلبث أن ماتت في مهدها
ولا أتذكر مما كتبت في تلك الآونة سوى بيتين عندما كانت والدتي في المستشفى لإجراء عملية في الرحم :
سلام الله يا أمي عليك من الوجدان يصطحب الوئاما
أرى أمي كتاباً ذا بيانٍ وبدراً ناصعاً يجلو الظلاما
آآآآآآه حتى إذا أردنا أن نصف أحداً بمنتهى الجمال
شبهناه بك أيها القمر ما أروعك وما أعظم من خلقك !!
تلك الموهبة ماتت لأنني لم أتعهدها بالرعاية والسقاية
وقلت : " كل من عليها فانٍ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام "
فهذا العصر كما قال العقاد " طبيعته القلق والتردد بين ماضٍ عتيق ومستقبلٍ قريب ، وقد بعدت المسافة فيه بين اعتقاد الناس فيما يجب أن يكون وبين ما هو كائن فغشيتهم الغاشية " أ-هـ
أيها القمر :
إن الشاب من أهل الأرض يخرج إلى الحياة
تكون المشكلات أمام عينيه على امتداد بصره
فقد يطمح إلى عمل ما أو ببيئة متجاوية مع إحساسه
لكن تصاريف الحياة تضعه في غير محله
فعلى سبيل المثال لا الحصر غلاء إيجار السكنى
قضية شغلت بال كثير من الشباب
ولاسيما أولي الدخل المحدود الذين " لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً " .
أيها القمر البعيد القريب :
إنني أتمنى – أحياناً – أن أفقد رقابة العقل
فأستريح من أعباء الحياة
وأحقق كل أحلامي في غيبة الرقيب
أو أن يكون لديَ أحلام يقظة تأتيني ببساط الريح
إما عن طريق التوهم وهذا التوهم
لازلت أنتظره وأرتقبه بين فينة وأخرى
وفي حال الصحو ألجأ إلى الله – تعالى –
فقد قررت أن أكون أعزباً إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً
أيها القمر :
آمل أن لا أكون قد أثقلت كاهلكم بحديثي هذا
ولكنها مشاعرٌ امتزجت بعقلي فتحملها قلبي ثم صرخ قائلاً :
شكوت وما الشكوى لمثلي عادةٌ ولكن تفيض الكأس بعد امتلائها
العرض العادي
