( باب من احب في النوم)
يحكي ابن حزم الأندلسي انه دخل على ابي السري عمار بن زياد فوجدته مفكراً مهتماً فسألته عما به, فتمنع ساعة ثم قال لي: رأيت في منامي الليلة جارية فاستيقظت وقد ذهب قلبي فيها وهمت بها وإني لفي أصعب حال من حبها!! ولقد بقي أياماًُ كثيرة تزيد على الشر مغموماً ليهنئه شيء , ويقول ابن حزم, إلى أن عذلته وقلت ل : هل تعلم من هي؟ قال لا!! قلت: إنك لفيل الرأي ( أي ضعيف الرأي ) مصاب البصيرة إذ تحب من لم تره قط!!
وهذا عندي من حديث النفس وأضغاثها, وداخل في اب التمني وتخييل الفكر وفي ذلك أقول شعراُ منه
باليت شعري من كانت وكيف سرت أطلعة الشمس كانت أم هي القمر
أظنه العـــــــــــقل أبــــداه تــدبـــــره أو صورة الروح أبدتها لي الفكر
أو صورة مُثٌــلت في النفس أملــــي فقد تـخـيـــٌل في إدراكها البصر
( باب من أحب بالوصف)
من غريب أصول العشق أن تقع المحبة بالوصف دون المعاينة وهذا أمر يُترقٌى منه إلى جميع الحب, فتكون المراسلة والمكاتبة والهم والوجد والسهر على غير الإبصار, فإن للحكايات ونعت المحاسن ورصف الاخبار تأثيراُ في النفس ظاهراُ
وأن تسمع نغمتها من خلف جدار؛ فيكون سبباُ للحب واشتغال البال
ويعتبر ابن حزم هذا النوع من الحب بنيان هارٍ على غير أساس , وذلك أن الذي أفرغ ذهنه في هوى من لم ير لا بد له إذ يخلو بفكره أن يُمثل لنفسه صورة يتوهمهخا وعيناً يقيمها نصب ضميره, لايتمثل في هاجسه غيرها, قد مال بوهمه نحوها, فإن وقعت المعاينة يوماً ما فحينئذ يتأكد الامر أو يبطل بالكلية ( يقصد ابن حزم انك عندما تحب شخصاُ ما وان لن تلتقي به أو تحدثه انما احببته فقط من مجدر الوصف ورسمت له صورة من خيالك وتعلق قلبك بحب هذا الشخص الذي تخيلت صورته فإذا كانت الصورة الحقيقة لهذا اذا حدث والتقيت به غير ماصورته انت فالنتيجة ستكون عكسية) وحب النساء في هذا أثبت من حب الرجال لضعفهن وسرعة إجابة طبائعهن إلى هذا الشأن, وتمكنه منهن؛ وفي ذلك أقول شعراُ في مخافة الحقيقة لظن المحبوب عند وقوع الرؤية
وصفوك لي حتى إذا أبصرت ما
وصــفـــوا علمت بأنه هذيــان!!
فالــطــبــل جـلد فـارغ وطـنـينـه
يــرتاع مـنـه ويــفــرق الانــســان!!
أما اذا وافق الحقيقة لظن المحبوب عند وقوع الرؤية..فمنها هذه الابيات
لقد وصفوك لي لي حتى التقينا
فــصــار الــظــن حــقــاً في الــعــيــان
فــأوصـــاف الجنان مُــقـصرات
على التـحــقــيق عن قــدر الــجــنــان
( باب من لايحب إلا مع المطاولة)
ومن الناس من لاتصح محبته الا بعد طول المخافتة وكثير المشاهدة وهذا الذي يوشك أن يدوم ويثبت ولايحيك فيه مر الليالي, وأني لأطيل العجب من كل من يدٌعي الحب من نظرة واحدة, ولاأكاد أصدقه, وما اظن حبه الا نزوة !!
ومن ذلك أقول شعراُ منه:
محبة صدق لم تكن بنت ساعة ولا وريت حين ارتفاد زنادهــا
ولكن على مهل سرت وتولدت بطول امتزاج فاستقر عمادهـــا
فلم يدن منها عزمها وانتقاضها ولم ينأ عنها مكثها وازديادهـــا
يؤكد ذا أنا نرى كل نــــشـــأة تتم سريعاً عن قريب نفادهـــــا
ولكنني أرض عزاز صليـــبة منيع إلى كل الغروس انقيادها
( باب من أحب صفة لم يستحسن بعدها غيرها ممايخالفها)
يقول إن حزم الأندلسي: بأن يوجد اناس قد وصفوا أحباباً لهم في بعض صفاتهم بما ليس بمستحسن عند الناس ولا يُرضى في الجمال, فصارت هجيراهم وعرضة لأهوائهم ومنتهى استحسانهم, ثم مضى أولئك إما بسلو أو بين هجر أو بعض عوارض الحب ومافارقهم استحسان تلك الصفات ولا بان عنهم تفضيلها على ماهو أفضل منها في الخليقة ولا مالوا إلى سواها..
ويقول ابن حزم : أحببت في صباي جارية لي شقراء الشعر فما استحسنت من ذلك الوقت سوداء الشعر, ولو انه على الشمس أو على صورة الحسن...
ومن ذلك أقول شعراً..
يعيبونها عندي بشقرة شعرها
فقلت لهم هذا الذي زانها عندي
يعيبون لون النور والتبر ضلة
لرأي جهول في الغوابة ممتـــدِ
وهل عاب لون النرجس الغض عائب
ولون النجوم الزاهرات على البُعدِ
العرض العادي
