جائتني هذا الصباح بملابسها الرثة, وعطر جسدها الفواح بابتسامتها الكبيرة وعطف عينيها المستديرتان...جلست بجواري وحدثتني..كنت كمن ينتظر نتيجة امتحان نهائي..كنت كالطفل...إلتقطت يدي اليمنى بيديها واحتضنتهما,كما نحتضن عادة العصفور الصغير...وابتدأت تتحدث بكل هدوء..
-اليوم انا مضطرة ان انهي هذا المشوار,,لا تسألني لماذا,ربما وددت ان اتوقف وكفى...اشعر اني اسير معك في طريق طويل,لا نعلم ماهي نهايته ولا ما هي المصاعب فيه..لذا انا جئت لك اليوم كي اودعك!!...
ثم استطردت..
-انظر إلى نفسك الآن,انت شارفت الثلاثين,وانا لست بعيدة عنك,لا بد ان نقوم بعمل شيئ يا طارق!!((قالت جملتها الأخيرة وقد إنعقد حاجباها الجميلان,في شكل لا ينقصه إلا لوحة ورسامٌ محترف)....
كانت نبضاتي عقارب ساعة بين يديها,كنت اشعر بالوقت وسريانه,تمنيت لو يتوقف الزمن ولو للحظة..تمنيت لو نسير بسرعة الضوء كما تقول نظرية النسبية,لأن الزمن يتوقف عند سرعته..تمنيت اشياء كثيرة,وانا لا اسمع إلا شذرات من حديثها والبقية نبض وطنين غريب لا افهم من اين جاء!!
اعرف ان أي علاقة لا بد من ان يكون شخص فيها يحب الثاني اكثر..هكذا إكتسبت منها..وربما هي علمتني..المهم ان شخص ما سيكون الوداع اشد وطأة عليه.
اخذت شهيقاً قوياً,ثم اكملت حديثها.
-انظر يا طارق,انا اعرف انك عاطفي دائماً,واعرف ان هذه نقطة ضعفك,ومع ذلك لم اتجرأ يوماً ان استغلها..انا احببتك مثل ما انت احببتني,لكن الا ترى ان شيئاً ما غير مكتمل في حكايتنا..ثمة حلقة مفقودة في هذه الرواية الجميلة بيني وبينك..طارق((وقد شدت اكثر على يدي))..ارجوك فلننهي ما بدأناه وليمضي كل منا حيث ترميه الأقدار..انا لست لك وانت لست لي..خمس سنين يا حبيبي كافية لتوضح لنا ان علاقتنا محكومة بالنهاية البائسة..أأقول لك شيئ..حينما إلتقيت بك في(عقارية الستين*).للمرة الأولى كنت اشعر انك لست لي..ارجوك ثق بإحساسي,فالمرأة شعورها اقوى منكم معشر الرجال بكثير..لقد كنت كالحلم الجميل,بإبتسامتك في جنونك بإلتفاتتك المتكبرة بمشيك الذي يشبه مشي الاطفال,لقد دُفعت إليك بدون ان احسب حساب هذا اليوم,وهئنذا اقول لك يكفي يا حبيبي...
تحدث لماذا انت ساكت؟؟؟..قالت هذه الجملة وانا انظر إليها كمن اخذ للتو إبرة مخدر إستعداداً لإجراء عملية!!
فجأة شعرت بخدر في اصابعي,شعرت ان اصابعي باردة..شيئ ما..شيئ يشبه الشمس..شيئ يمدني بالطاقة إنسل من بين اصابعي..مضت وفتحت الباب ولم استوعب إلا وهي خارج المنزل..لقد ذهبت مع السائق ومضت...انتهى كل شيئ وانا كالزرافة ساكت ولم اتحدث!!..لمت نفسي ولكني اكتشفت اني لا استطيع الكلام في هذه الأحداث..لا أعلم لماذا لكن أظن بأني خائف؟؟..على كل حال..انا خائف الآن اكثر!!.
((من نسج خيالي في هذا الصباح الباكر..ولا تمت للواقع بصلة..إلا!!)).
*عقارية الستين:سوق تجاري بمدينة الرياضتحياتي.
العرض العادي
