بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
((لا شك أن هذا التمادي فضيحة في حق الشعب الذي يتعامل مع هذا التمادي بعجز مطلق ويعطي كتفه لكبار القوم يتحكمون به كيف شاؤوا. نتمنى أننا لم نقترب بعد من مرحلة قوم فرعون الذين قال عنهم القرآن {فاستخف قومه فأطاعوه} حتى لا ينطبق علينا بقية وصف الآية {إنهم كانوا قوما فاسقين}، كما لا نريد أن يصل حال الحكام معنا مثل حال فرعون {ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد}، لأن نتيجة هذا المآل معروفة وهي العقاب الإلهي للجميع الحاكم والمحكوم {إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين}.
لكن السؤال الأهم هو كيف تم تطويع هذا الشعب الذي يفترض أن يكون شعبا مسلما ملتزما بالعقيدة الصحيحة، ومكونا من ناس هم سلالة الصحابة والتابعين والعرب الأقحاح الذين يعتدّون بشخصيتهم والذين قال عنهم بن خلدون أنهم لا يخضعون لحاكم إلا بحكم الله الحقيقي؟ وإذا أجيب على السؤال أمكن البحث عن علاج لهذا الوضع الخطير الذي تعيشه الأمة))
((الاسباب))
النتيجة التي توصلنا إليها إذن بهذا التكييف أن الشعب يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية، فكيف آل الحال بالشعب إلى أن يصبح هو السبب في تمادي الكبار هذا ما سنجتهد في معرفته في الأسباب التالية :
أولا: الخوف الوسواسي الذي يتحول إلى مرض نفسي يشل المرء عن أي عمل. وعبارة "الخوف الوسواسي" مقصودة حتى تبين الفرق عن الخوف الطبيعي المبرر أو الحذر المشروع. لقد تربى الناس على أن آل كبار لديهم قدرات خارقة في المخابرات والتنصت والقمع حتى بلغت عند بعض الناس مستوى يتعارض مع صحة العقيدة والتوكل. نعم من المعقول والمقبول منطقا وعرفا أن يتفادى الإنسان المواجهة مع الحاكم على طريقة التهور لكن ليس من المعقول ولا من المقبول أن يجمد الإنسان أي نشاط بحجة أنه مهما اجتهد فلن يستطيع أن يخفي السر عن الحاكم. ويذهب آخرون لمدى أبعد فيبادرون بالثناء على الحاكم لا حبا به ولا إيمانا بما يقولون ولكن حماية لأنفسهم بسبب هذا الخوف الوسواسي، ظنا منهم إنهم إن لم يمدحوه فسيبطش بهم. مع هذا الخوف الهالع لا غرابة أن يعتقد الحاكم أن الشعب قطيع غنم يقاد بالإشارة .
ثانيا: الشك بالآخرين، وهي طبيعة منتشرة عند الناس حتى أصبح الأصل في الآخر هو الشك وليس الثقة، بل لا تكاد ترى أحدا جريئا إلا وبادر الناس باتهامه إنه مخابرات، لماذا؟ لانه لا يمكن أن يكون الإنسان جريئا إلا ظاهريا من أجل أن يستدرج الناس لمعرفة توجاتهم ويوصلها للحاكم. طبيعي جدا للحاكم مع هذا الشك الهائل أن يستخف بالناس ويسلط بعضهم على بعض ويستثمرهم لتأمين تماديه .
ثالثا: الاتكالية وانتظار الآخر، حيث يغلب على الناس الاعتقاد بأن المسؤولية ليست عليه وأن غيره يجب أن يتحرك. ومع الأسف الشديد رغم أن الناس تتحدث عن فروض الأعيان ووجوب البلاغ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ على يد الظالم وتؤمن بخطورة العذاب الرباني إن قصر المسلم فيه ألا أن الايجابية والمبادرة عملة نادرة جدا في مجتمعنا. والمزعج في هذه السلبية والاتكالية أنها لا تظهر إلا فيما يخص الموقف من الحاكم أو القضايا العامة أما إن كانت المسالة طلبا لمصلحة شخصية أو سباق في ظهور أو منافسة بين قرائن تجد الإيجابية منقطعة النظير .
رابعا: التردد وضعف العزيمة والتفكير بالعواقب، حيث تجد الانسان الجريء الذي تخلص من عقدة الخوف ورهبة الحاكم ولديه بعض الايجابية ضعيف العزيمة مترددا زاعما أنه يخشى من عواقب غير حميدة لتصرفه. ومع الأسف الشديد لا توجد في بلادنا ثقافة الإقدام والمجازفة إلا من قبل قطاع الطرق ومروجي المخدرات والمجرمين والمفسدين. أما أهل الحق والدعاة والصالحين والمشفقين على الأمة والبلد فتجده يضع كل احتمالات الدمار قبل أن يبدأ بأي تصرف ويعتبر هذه الاحتمالات سببا لتردده وتمنّعه عن المبادرة .
خامسا: احتقار الذات واعتبار أن القدرات الشخصية أو قدرات تيار معين أو جماعة معينة مهما كانت فلا توازي بحال قدرات النظام الحاكم. وبناء على هذه التربية يصبح من الحُمق أن تتم مواجهة النظام الحاكم بقدرات حقيرة أمام قدراته الجبارة. ولا شك أن هذه ليست حقيقة لكنها مشكلة في التربية فمن جهة يستطيع الفرد أو الجماعة التغيير من خلال استثمار عقله وذكائه والأدوات الصحيحة في وقتها وطريقتها، ومن جهة أخرى فإن النظام نفسه صورة كاذبة لرعب غير حقيقي .
**************************************************
اللهم ارينا الحق حقا وارزقنا اتباعه وارينا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
وتقبلوا تحياتي
بكاء التاريخ