آداب الصائم
ونهى الصائم عن الرفث، والصخب، والسباب، وجواب السباب، فأمره أن يقول لمن سابه «إني صائم» (متفق عليه).
فقيل: يقول بلسانه، وهو أظهر.
وقيل: بقلبه ، تذكيراً لنفسه بالصوم.
وقيل: يقوله في الفرض بلسانه، وفي التطوع في نفسه؛ لأنه أبعد عن الرياء.
السفر في رمضان
وسافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فصام وأفطر، وخيَّر الصحابة بين الأمرين.
وكان يأمرهم بالفطر إذا دنوا من عدوهم؛ ليتقووا على قتاله.
الفطر بسبب الجهاد
فلو اتفق مثل هذا في الحضر، وكان في الفطر قوة لهم على لقاء عدوهم فهل لهم الفطر؟
أصحهما دليلاً أن لهم ذلك، وهو اختيار ابن تيمية، وبه أفتى العساكر الإسلامية لما لقوا العدو بظاهر دمشق.
ولا ريب أن الفطر لذلك أولى من الفطر لمجرد السفر، بل إباحة الفطر للمسافر تنبيه على إباحته في هذه الحالة، وأنها أحق بجوازه.
لأن القوة هناك تختص بالمسافر، والقوة هنا له وللمسلمين.
ولأن مشقة الجهاد أعظم من مشقة السفر.
ولأن المصلحة الحاصلة بالفطر للمجاهد أعظم من المصلحة بفطر المسافر.
ولأن الله تعالى قال: }وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ{ [الأنفال:60]، والفطر عند اللقاء من أعظم أسباب القوة.
والنبي صلى الله عليه وسلم قد فسر القوة بالرمي، وهو لا يتم، ولا يحصل به مقصوده إلا بما يقوي ويعين عليه من الفطر والغذاء.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابة لما دنوا من عدوهم: «إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم» وكانت رخصة، ثم نزلوا منزلا آخر فقال: «إنكم مصبحو عدوكم، والفطر أقوى لكم فأفطروا» (رواه مسلم).
فكانت عزمة فأفطروا.
فعلل بدنوهم من عدوهم واحتياجهم إلى القوة التي يلقون بها العدو، وهذا سبب آخر غير السفر , السفر مستقل بنفسه، ولم يذكره في تعليله، ولا أشار إليه.
وأما إذا تجرد السفر عن الجهاد، فكان رسول الله r يقول في الفطر: «هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن ، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه».
وسافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان في أعظم الغزوات وأجلها: في غزاة بدر، وفي غزاة الفتح.
هديه r في مسافة السفر
ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تقدير المسافة التي يفطر فيها الصائم بحد، ولا صح عنه في ذلك شيء.
وقد أفطر دحية الكلبي في سفر ثلاثة أميال، وقال لمن صام: قد رغبوا عن هدي محمد r.
وكان الصحابة حين ينشؤون السفر يفطرون من غير اعتبار مجاوزة البيوت، ويخبرون أن ذلك سنته وهديه r كما قال عبيد بن جبر: «ركبت مع أبي بصرة الغفاري، صاحب رسول الله r في سفينة من الفسطاط في رمضان، فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة. قال: اقترب. قلت: ألست ترى البيوت ؟ قال أبو بصرة: أترغب عن سنة رسول الله r؟ » (رواه أبو داود وأحمد).
وقال محمد بن كعب: «أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفراً، وقد رحلت له راحلته، وقد لبس ثياب السفر، فدعا بطعام فأكل، فقلت له: سنة؟ قال: سنة، ثم ركب».
قال الترمذي: حديث حسن، وقال الدار قطني فيه: فأكل وقد تقارب غروب الشمس.
وهذه الآثار صريحة في أن من أنشا السفر في أثناء يوم من رمضان، فله الفطر فيه.
هديه r في غسل الجنابة
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم: أن يدركه الفجر وهو جنب من أهله، فيغتسل بعد الفجر ([1]) ويصوم.
وكان يقبل بعض أزواجه وهو صائم في رمضان ([2])، وشبه قبلة الصائم بالمضمضة بالماء.
هديه r فيمن أكل أو شرب ناسياً
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم: إسقاط القضاء عمن أكل وشرب ناسياً، وأن الله سبحانه هو الذي أطعمه وسقاه، فليس هذا الأكل والشرب يضاف إليه، فيفطر به، فإنما يفطر بما فعله، وهذا بمنزلة أكله وشربه في نومه، إذ لا تكليف بفعل النائم، ولا بفعل الناسي.
مفطرات الصائم
والذي صح عنه صلى الله عليه وسلم: أن الذي يفطر به الصائم: الأكل، والشرب، والحجامة، والقيء.
والقرآن دال على أن الجماع مفطر، كالأكل والشرب، ولا يعرف فيه خلاف، ولا يصح عنه في الكحل شيء.
وصح عنه أن كان يستاك وهو صائم.
وذكر الإمام أحمد عنه أنه كان يصب الماء على رأسه وهو صائم.
وكان يتمضمض ويستنشق وهو صائم، ومنع الصائم من المبالغة في الاستنشاق.
ولا يصح عنه أن احتجم وهو صائم، قاله الإمام أحمد.
ولا صح عنه أنه نهى الصائم عن السواك أول النهار ولا آخره.
([1]) أي بعد أذان الفجر.
([2]) ولكنه r كان يملك نفسه ، أما غيره فقد لا يملك نفسه ، ولذلك فقد كره أهل العلم القبلة للصائم إذا خشي ألا يملك نفسه.