في الليلة التي حضر فيها حبيبي يبتسم في وجوه احبته..
و يغطي المكان بحبه و حنانه..
تمنيت أن أكون ممن يفرح برؤيتهم و يسعد بكونهم ينتظرونه..
كم حلمت بأن أكون ممن يبتسم في وجوهم و يأخذهم بين أحضانه و يغطيهم رحمة و عفو و بركة..
و تمنيت أن أكون في لائحة من يستحقون أن يبادلهم حباً بحب و يكتب أسمائهم في عتقائه من نار يخافها قلبي و ترتعد لها روحي..
و لذلك.. كنت قد نويت من قبل أن أعد له أستقبالاً خاصاً..
وفكرت كثيراً.. كيف أستقبل حبيباً طالت فترة غيابه؟
كيف أقربه صوبي و اسعده برؤيتي..
بل كيف أجذبه إلى دون غيري؟
قرأت في خطة أستقبال الحبيب:
ملئ المخازن بما لذ و طاب.. للأستعداد لفطور رمضان الشهي.. و موائده الفائضة بالمأكولات الشرقية المعدة بمنتهى الفن..
وحفظ البرامج و المسلسلات و الفوازير الرمضانية المدهشة ذات الجوائز الثمينة القيمة.. و مواعيدها.. و شراء الأجهزة الأكبرو الأحدث.. لتيسير المتابعة المثيرة المستمرة.. بدون منغصات..
و السهر عند الأحباب و الأصحاب.. و التنافس في دعوات الفطور و السحور..
تلك خططاً هم أعدوها إنها ليست من تأليفي..
كنت أريد خطة خاصة بي أنا..
خطة أعدها بنفسي أكتبها بمشاعري و تفكيري..
خطة تجعله معي أكثر أنساً.. أكثر قرباً.. و أشد حباً..
خطة.. تزيد من تدفق حنانه.. و تزيد من عطاءه..
و كان قراري.. أن أستقبله كما أستقبل من احب..
صافية.. جميلة.. نقية.. أن أزين وجهي و أسرح شعري.. و أنظف قلبي.. و أرتب غرفتي...
غرفتي!!!!
و لماذا غرفتي؟
حتى يأنس بقربي و يرتاح عندي..
أعطر جوها بأذكى العطور.. أحلي جدرانها بأحلى الصور و أجمل الألوان.. زينة تضفي عليّ جمال غير عادي..
و لكن.. ليس أي نظافة و لا أي عطر.... و ليست أي زينة التي سأزين بها نفسي.. يجب أن أكون أجمل من أي عروساً تزف ليلة تحقيق حلمها الجميل أريده أن يستشعر حناني و تعاملي الراقي.. و ترتيبي البديع..
نظرت إلى نفسي.. بشعة.. قبيحة.. روحي مغطاة بتراب الفغلة و غبار المعصية.. و قلبي مشحون برين إسائتي..
شعرت بأني متسخة.. متسخة الأذنين و العينين.. الجوارح!
تلفت إلى يداي و قدماي..
و أزددت إصراراً على أن يراني جميلة نقية.. كالعروس..
جلست على سجادتي الخضراء الصغيرة..
و رفعت يداي بخضوع و إنكسار أناجي ربي الغفور الرحيم:
يا ربي الحبيب..
يا من ترزقنا و أنت تعلم بأننا نستخدم نعمك في عصيانك.. و ترحمنا و نحن نزداد إسرافاً و غفلة..
إنك بكرمك رزقتني أذنين حتى أسمع ما ترضى من القول.. و أسمع يا إلهي كلمات كتابك الحكيم.. و أستلذ بكلام الصالحين.. فسمعت ما لا ترضى من القول..
اللهم أغفر لي ذنوب سمعي..
اللهم إنك رزقتني بعينين لأرى بهما آياتك و الآئك فأبصرت بهما ما لا ما ترضى من الصور..
اللهم أغفر لي ذنوب بصري..
اللهم إنك رزقتني لساناً حتى أذكرك كثيراً و أسبحك كثيراً و أتغني بقرآة كتابك.. و أسهم في نشر عدلك و دينك.. فأرسلته يحكي بما لا ترضى من قبيح الحديث!
اللهم أغفر لي ذنوب لساني..
اللهم إنك رزقتني بيدين لأستخدمهما في الخير.. و المعروف.. فلمست بهما ما لا ترضى من الفعل..
اللهم أغفر لي ذنوب يديّ..
اللهم إنك رزقتني بقدمين لأسير بهما إلى الحق.. فسرت بهما إلى الباطل..
اللهم أغفر لي ذنوب قدميّ..
أحسست بشيء من الإرتياح يسري في عروقي.. و سارت دموع الندم من عيني في أسراباً و جماعات..
و جاء دور الذنب الأكبر.. اللمسة الأخيرة التي تزيدني خجلاً.. و تشوه جمالي..
قلبي..
و ما أشد ذنوب قلبي..
غيرك أحببت يارب.. غيرك أحتل جل أهتمامي يارب..
غيرك أحتل غرفات قلبي.. يا رب..
اللهم أغفر لي ذنوب قلبي..
شعرت بأن أذان الفجر الذي ارتفع في ارجاء المكان قد غرد بأحلى معزوفة موسيقية سمعتها أذناي على الإطلاق.. لأول مرة أسمعه بهذا الجمال و الوضوح..
أحسست بنور يملئ داري..
نوراً.. لم أستوعب مصدره.. بالضبط..
ملئ الغرفة.. و أنعكس على جدرانها الصفراء.. ليستوي أخيراً على مكان سجودي.. يبرق في دموعي التي تحادرت على خديي الشاحبين.. ليضفي عليها الصدق و الاخلاص و اليقين..
وقفت أصلي شعرت بأني حرة.... نعم... حرة..
بدون قيود بدون سلاسل..
لقد حبس عني قريني.. إنها المرة الأولى التي أشعر فيها بهذا الشعور العذب الحنون..
أول رمضان يمر علي.. أحس فيه بأن الشياطين مصفدة غير حاضرة في عالمنا المادي المترف..
طالعت المكان حولي.. نظيف مرتب كما أردته..
ألقيت نظرة على صورتي في المرآة.. جميلة.. بديعة..
كما أحببتها أن تكون..
أحسست حبيبي قريباً مني أنيساً بوجودي..
تمنيته راضياً سعيداً.. يطيل فترة بقاءه و لا يمل من شكلي.. و غرفتي..
بل يزداد لي و لها حباً و عطاء.. و رحمة و عفواً.
*****
ذلكـ هو رمضان0000 ورحيله
*****
زغرد في الأفق ضميري
و عذب النفس شوقها إلى بارئها و الحنين..
و لا حقتني خطايا أيامي و ذنوب سنيني..
خطايا و ذنوب نسيتها.. لكنها مازالت تحفني من أمامي و عن شمالي و عن يميني..
و ركضت منها لما خفتها و شكوت حالي لربي بتأوه و أنين..
فإرتميت بين أحضان أرض الله أعانقها..
و يقبل ترابها قلبي و جبيني..
فسمعت صوتاً عذب النغم ..حلو الرنين....
و تلفت حولي فوجدت السماء مفتحة و منها تطل جنان الخلد..... تناديني!
و أوصدت أبواب جهنم و صفدت الشياطين..
و إطمئنت نفسي فقد حبس عني قريني..
و ملئ الكون نوراً و رحمة فعرفت إنه قد حل شهر على الله كريم..
فجلست في الليل البهيم أناجيك ياربي..
و قد مزقت روحي الذنوب و قطعت قلبي..
و أثقلت ظهري أوزاراً حملتها.. و شطر النفس عظيم المصاب و الكرب..
و رفعت إليك يدي في طمع..
و قلت يا غافر الذنب إغفر لي ذنبي..
جئت إليك بجرمي معترفاً فما أنا إلا مخلوق من مهين الماء و الترب..
ضعيفاً غلبني هواي و الشيطان والدنيا.. يلقون سهامهم صوبي..
فران على قلبي لهواً و غفلة و أثقل ظهري أوزراً إنحنى لها صلبي..
و لجأت إليك عندما أضعت الطريق و إحترت في دربي..
أسألك عفواً و رحمة.. يا من بلغت الوريد في القرب..
هل بعد طول الوقوف عند الباب تقلبني؟؟ و تستر على عيبي..؟؟
فأنا ليس عندي سوى دمعات حياء منك أذرفها و محبة أحملها في قلبي..
و هل بعد جهلي و غفلتي ينفعني بكائي في وهناً و يشفع لي حبي؟؟
العرض العادي
