تعيش الفنانة الكويتية زهرة الخرجي هذه الأيام محنة صحية أبعدتها عن الوسط الفني وأخذتها بعيداً إلى العاصمة البريطانية لندن، سعياً للعلاج من مرض السرطان الذي باغتها دون مقدمات وعكّر صفو حياتها هي وزوجها الفنان المسرحي أحمد الحليل، وهما لم يحتفلا بعيد زواجهما الأول بعد. وكانت محاولتنا للحوار المباشر مع زهرة صعبة بعض الشيء لأنها كانت قد أخذت للتو جرعة من العلاج الكيميائي الذي يسبب عادة ضعفاً وخمولاً مؤقتين، وكان علينا أن نحترم وضعها الصحي داعين لها بإسم قراء «سيدتي» بالشفاء العاجل، واجتياز الأزمة والعودة السريعة إلى الجمهور الذي يسأل عن أخبارها. وقد كان زوجها خير عون لنا في إلقاء الضوء على كثير من جوانب هذه الأزمة الصعبة التي يعيشها هو أيضاً بحكم مرافقته لها وإشرافه على كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالعلاج، وخصّنا بالحديث حول حالة زوجته.
لندن ـ سميرة التميمي
> هل ترى أن هذه المحنة امتحان لعلاقتكما الزوجية؟
ـ المرض هو ابتلاء من الله سبحانه وتعالى، وقدر علينا أن نقبله، وامتحان للايمان وغسل للذنوب بالتقرب من الله والصلاة، وزهرة إنسانة مؤمنة وملتزمة لم تؤذ انساناً ولم تغتب أحداً وليست لها عداوة مع أي شخص، ونحن نردّد دائماً: الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه. وهذه المحنة قد زادت من متانة علاقتنا وقربتنا من بعض أكثر وأكثر.
> وهل تؤمنان بالحسد؟
ـ أنا وهي نؤمن بالعين والحسد فهما مذكوران بالقرآن الكريم، لكننا نفترض أن عيون الآخرين لا تتمنى لنا غير المحبة والخير والسعادة، والعلم عند الله. وعموماً، لا أظن أن عندنا ما نحسد عليه، اللهم الا زهرة التي أحسد على زواجي منها ولا أدري إن كانت تحسد على زواجها مني أم لا؟
> من سمع منكما بتشخيص المرض أولاً، وكيف نقله للآخر؟
ـ زهرة هي أول من سمعت هذا الخبر عندما ذهبت إلى المستشفى لمعرفة نتيجة التحليل، وأكدوا لها وجود هذا المرض الخبيث في منطقة الصدر، وتلقيت منها اتصالاً هاتفياً تبلغني فيه هذا النبأ وهي مصدومة، ولكن صوتها كان هادئاً وواضحاً ومتماسكاً. ثم تركت المستشفى وجاءت إلى مكان عملي وكنت أجري «بروفات» لعمل جديد، وواصلت انا العمل وهي جالسة بقربي، أنجزته بسرعة وتركت الباقي للمساعدين وعدنا سوية للبيت، وجلسنا نتباحث في ما علينا أن نفعله.
خطأ في التشخيص!
> هل كان التشخيص مبكراً , أم ان دوامة العمل قد شغلتها عن مراجعة الطبيب؟
ـ لقد شعرت زهرة بآلام في منطقة الصدر وأجرت الفحوص المختبرية التي أظهرت وجود تليّف غير سرطاني ( حميد)، ولكن الآلام استمرت ولم تتوقف أبداً. وبعد شهر ونصف، عادت لاجراء فحوص جديدة، وكانت النتيجة تؤكد إصابتها بالسرطان بدرجة متأخرة والسبب الخطأ في التشخيص في المرة الأولى، أي انها كانت مصابة بالسرطان لكنهم قالوا إنها مجرد تليّفات.
> وهل اتخذتم إجراءات قانونية ضد المسؤولين عن هذا الخطأ في التشخيص؟
ـ زهرة لا تريد أن تؤذي أحداً أو تسبب ضرراً لأي إنسان،
وأتمنى لو أنها تملك بعض الأنانية وتفكر بنفسها قبل الآخرين.
> وماذا كانت الخطوة التالية؟
ـ لدينا تقريران أحدهما خطأ والآخر صحيح. وراسلنا المستشفيات المتخصّصة في لندن وطلبوا أن نسافر من أجل الفحص، ولكن حدثت بعض الظروف التي أخرت سفرنا منها وفاة أمير البلاد والحداد لمدة أربعين يوماً، وأيضاً إجراءات السفر والتأشيرات وغيرها من التفاصيل، وبقيت حوالي سبعة أشهر بدون علاج، ودون أن نخبر أحداً بمرضها، بل انها كانت تقدم عرضين مسرحيين في يوم واحد وتتحمل ضغوط العمل وآلام المرض بصمت ودون تذمر، وقد أعطاها الله سبحانه القوة على الرغم من ضعف جسمها. وبصراحة أقول، إني لا اتحمل ربع ما تحملته هذه الإنسانة.
> ماذا تركت وراءك من أعمال فنية ناقصة، وماذا تركت زهرة الخرجي؟
ـ كنت بصدد إخراج استعراضات لثلاثين حلقة من مسلسل «وسع صدرك» وقد منعني السفر من انجازعملي، ولكن زميلي وصديقي طارق العلي قد وعدني بحصر ساعات تصوير المشاهد الاستعراضية إلى وقت آخر، وقال لي: «مكانك محفوظ حتى تعود». أما عن زهرة، فقد رفضت كثيراً من الأعمال الكويتية والخليجية والعربية بسبب عزمنا على السفر، وإن كانت لم تخبرهم بالمرض الذي ظل سراً، وكذلك رفضت أنا اعمالاً كثيرة منها عمل مهم مع الفنانة الكبيرة حياة الفهد. ولكن العوض في الآتي إن شاء الله.
تركت شهر العسل وذهبت إلى «الوادي»
> ما زلتما عريسين لم يمض على زواجكما سنة، كيف تعارفتما، وما الذي جذب أحدكما للآخر؟
ـ شعوري تجاه زهرة فيه شيء من الغرابة، فأنا أعرفها وأفهمها وكأني تزوجتها منذ ثلاثين سنة، وأحياناً أشعر وكأننا متزوجان منذ ثلاثين ثانية فقط، لأن الأوقات الجميلة تمر دائماً مثل الحلم. وكان أول لقاء لنا في حفل حصلت فيه أنا على جائزة أفضل ممثل وكانت هي عريفة الحفل، وجرى بيننا حوار قصير. وتوالت الأيام وكان علي أن اقدم في مهرجان الخرافي عملاً من إعدادي وإخراجي، وفي ساعة صفاء ذهني، جاءت صورة زهرة في بالي وقررت أن تكون بطلة عملي، ووافقت على تمثيل الدور وتنازلت عن بعض من أجرها وإن كانت لا تقدم عادة مثل هذه التنازلات, وزادتنا أجواء العمل قرباً من بعض، وأحببنا بعضنا، ثم قررنا الزواج.
> إلى أي مدى ستواصل تمسكك بزهرة؟
ـ إلى أن توصلني بيدها إلى القبر، أعني إلى أن أقابل وجه الرب الكريم.
> وهل قرّبكما المرض من بعضكما البعض؟
ـ نحن قريبان من بعض من قبل أن تمرض زهرة، لا نأكل إلا سوية، لا نتباعد حتى في أوقات الخلاف و« الزعل»، وقبل أن أعرفها كنت أضحك من الأفلام التي تظهرالعشاق وهم يتقاسمون اللقمة الواحدة، ولكني الآن أعيشها.
كيف أعلنا الخبر؟
> لم تعاملتما مع المرض بسرية، ولم تعلنا الخبر للناس إلا متأخراً؟
ـ المرض ليس أمراً مخجلاً وكلنا معرضون له، لكن زهرة بطبيعتها لا تحب أن تزعج أحداً أو تدخل الحزن إلى قلوب أهلها وأهلي. لذا تحملت الألم ولم يشاركها محنتها غيري مع عدد محدود جداً من الأصدقاء المقربين، ولكن سفرنا المفاجئ وتركنا لأعمالنا في الكويت سبب لغطاً ورسم علامة استفهام كبيرة، لذا أعلنا المرض بطريقة اقترحتها زهرة على صديقنا طارق العلي، وهي دعوة الاعلاميين والفنانين إلى مؤتمر في الكويت، وإعلان الخبر بالتفاصيل، والاتصال بنا عبر الهاتف للحديث مع الناس. وقد تحدثت زهرة من فراش المرض مشيرة إلى الرعاية الأبوية من أمير الكويت بتكفله بكل نفقات العلاج، وسؤاله المستمر ومتابعته لحالتها الصحية.وطلبت أخيراً من الفنانين أن يقفوا مع بعضهم البعض في الأفراح والأحزان، وعندما سمعت صوت أمل عبد الله وهي تبكي قالت لها: «لا تبكي يا أمل أنا بصحة جيدة فقط ادعوا لي».
> كيف يتواصل الفنانون مع زهرة؟
ـ معظم الفنانين الكويتيين صغاراً وكباراً يتصلون بها ويتابعون أخبارها، وهي ترد عليهم كلما كان وضعها الصحي يسمح بذلك أو تترك لي مهمة الرد، كما اتصل ايضاً بعض الفنانين العرب ومنهم هيفاء وهبي التي شاركتها في «الوادي».
> والناس الآخرون؟
ـ في اليوم الأول الذي أعلنا فيه الخبر استلمنا أكثر من خمسمائة رسالة هاتفية، ومن كل الجنسيات العربية، ومن كل الأعمار، بعضهم يترك أدعية ويطلب من زهرة ترديدها وبعضهم يقدم نصائح، وعادة ما تتواصل الرسائل من الرابعة فجراً وحتى منتصف الليل، إلى حد أن الهاتف الجوال المخصّص للناس لم يعد يتحمل المزيد. ولعل أطرف اتصال كان من فتاة صغيرة تنصح زهرة بشرب عصير الجزر.
> كيف تقضي وقتها مع المرض؟
ـ تصلي، تقرأ القرآن والأدعية التي تعرفها أو التي يبعث بها المتصلون، تشاهد التلفزيون، وتحاول أن تطبخ لي بعض الطعام، وهي على فكرة لا تعرف كيف تتدلل وتتدلع، وتحاول أن تنهض من الفراش رغم مرضها. إنها عنيدة ومكابرة وقوية والحمد لله.
> ما الذي تشتاق إليه وأنت بعيد عن بلدك؟
ـ أشتاق لـ زهرة عندما كانت في الكويت.
> ما هي خطة العلاج الحالية؟
ـ بقاؤنا في لندن قد يطول إلى ستة أشهر، تعطى فيها زهرة جرعات العلاج الكيميائي كل ثلاثة أسابيع مرة، ثم كل أسبوعين مرة، نعود بعدها لبلدنا إن شاء الله.
> بمن تستنجد زهرة في لحظات الضعف والخوف؟
ـ تصرخ في ساعات الألم: يا رب، يا الله.
> ما الذي تقوله زهرة الخرجي لجمهورها من خلال مجلة «سيدتي»؟
ـ أنا بإذن الله ورعايته راجعة كي أتنوّر بكم، إيماني بالله كبير وإيماني بحب الناس كبير، أشكر أمير البلاد، وكل الذين ساعدونا في محنتنا، أنا قوية مثلما عرفتموني، فقط ادعوا لي.
العرض العادي
