[B][FONT="Arial"][SIZE="5"][COLOR="Black"]العزف على أوتار الذاكرة . . المشاركة بعنوان :
عناقيد العنب
( 1 )
العنقود الأول
تناولت الزوجة عنقود العنب , وبدأت تقضم حباته , الواحدة تلو الأخرى في ليلة محببة للنفس . . ليلة يحلو فيها السهـر والسمر ـ وكما يدرك الجميع ـ فإن لليلة الخميس خصوصية استثنائية وطعم آخر . .تتميزُ به عن بقية الليالي , فخالج الزوجة شعور الاشتياق والوله لزوجها . . مُمنية نفسها بحضوره باكرا من سهرته , فالسمر برفقة حبيبها له لون وطعم خاص . . فكلها نشوة وسعادة , ودون أن تشعر صارت تتغنى بحب زوجها وتشدو بعاطفة مليئة بالوله والشجن وهي تـردد :
أنا يا وردة العشاق
ونار الحب والأشواق
أنا أول من عرف قلبك
وأول من سمع نبضك
وأول شخص لك يشتاق
ثم تناولت جوالها لتكتب له رسالة . . تتغزل في حبه وتغريه بالمجيء إليها , فكتبت :
كم أنا مشتاقة في هذه اللحظة لحضنك الدافئ , ولسماع صوتك العذب , وكلماتك الساحرة , شغوفة بحبك لحد الجنون حبيبي . . أنت وحدك كنت َوما زلتَ الرجل الذي تمنيت الأقدار أن ترميه في أحضاني وتنفث ُحبي في قلبه , وكم كنتُ محظوظة ! فقدرة الخالق استجابت لدعوتي وحققت أمنيتي , وفي لحظة غرقها بالتعبير عن عاطفتها الجياشة .. ورومانسيتها المفعمة بالحب تجاه زوجها , وقبل أن تكمل.. إذ بجوالها يستقبل اتصال قطع به إكمال رسالتها . . اتصالٌ علت نغمته وهي تشدو بصوت أبي نورة :
الأماكن كلها مشــتاقة لك
والعيون اللي انرسم فيها خيالك
والحنين اللي سرى بروحي وجالك
ما هو بس انا حبيبي
الأماكن كلها مشتاقة لك
*
كل شي حولي يذكرني بشيء
حتى صوتي وضحكتي لك فيها شيء
لو تغيب الدنيا عمرك ما تغيب
شوف حالي.. آه .. من تطري علي
الأماكن كلها مشتاقة لك
يظهر اسم أم خالد , فهي مَن تتصل . . ترد: هلا أم خالد , ها . . وش قاعدة تسوين ؟ ترد : والله اتغزل بزوجي في رسالة .. تخبرين بعد يومين نحتفل بمرور تسع سنوات على زواجنا . . تضحك أم خالد وهي تقول : عاد صايرين قيس وليلى , الله يهنيكم . . المهم حبيت اسألك . . أم صالح خاطبة بنت جاركم ؟ والله ما عندي خبر .. ودار حوار النسوة الممل كالعادة وكثرته دون فائدة ..وهات طق حنك وهذرة ..إلا تطلقت إلا انخطبت . . فلانة ضاربها رجالها والحين هي طموح عند أهلها . .ابشرك بنتي جتلها شغالة ..وهلم هذرة وجراااااا
المهم خلصت مكالمة ام خالد بعد نص ساعة , ورجعت لإكمال ما بدأت به من رسالتها الغزلية
وسطرت أول كلمة بعد إنهاء المكالمة بقولها :
حبيبي خالد . . أنت وحدك . . من يزرع ابتسامتي ويحصدها , أنت وحدك . . من ينثر الفرح ويشكله كما يريد ومتى يشاء !!
حبيبي خالد . . أنت وحدك . . .
. إن تبسَّم ابتسمت , وإن توَجَّـع تألمتُ من وجعه , وإن حَزِن حزنتُ لأجله كل ذلك حباً فيك وإليك . .
أنت وحدك . . مَنْ كنتُ له وفيـَّة إلى حـدَّ الإخلاص وما زلت . .
محبتك للأبد
وأخيراً أنهت رسالتها الغزلية ثم أرسلتها إلى زوجها والفرحة تغمرها وكلها شوق لانتظار رده . . وما هي إلا دقائق
حتى وصل رده ..فتحت الرسالة وليتها لم تفتحها !! لأن رسالته لم تتجاوز ثلاث كلمات : أنت .. طالق .. طالق .. طالق
فنزل عليها رده كالصاعقة . . ذُهِلت من وقع الخبر ! فأي ذنبٍ اقترفته ؟!! .. وأيُّ جُـرمٍ عوقبت ُ بجريرته؟!!
قالت في نفسها : أنا لم أقُـل , ولم أكتب ما أثار حفيظته , فلم طلقني ؟ ! .. كل هذه الأسئلة تدور في رأسها . . لم تجد لها جوابا شافياً مُـقنِـعاً لـرد زوجها وتصرفه الأرعن والمهين في نفس الوقت !!
ما لم تنتبه له الزوجة " خطأ "وقعت فيه دون قصد ودراية , فبعد إنهاء مكالمتها لأم خالد , كتبت : " حبيبي خالد " فكان ثمنُ هذا الخطأ " طلاقها ", فمن يكون خالد هذا ؟!! هذا ما توقف عنده زوجها !! وهذا ما كتبته الزوجة سهوا , فالسبب مكالمة أم خالد . . فهذه الحادثة جعلت الزوجة سابقاً المطلقة حاليا ً. . تكره حلاوة عناقيد العنب , بل أنها ترى المرارةَ طعـماً للعنب
( 2 )
العنقود الثاني
تناولت عنقود العنب , وبدأت تقضم حباته الواحدة تلو الأخرى , ثم جلست على الأريكة وبيدها عنقود العنب . . سارحة بخيالها . . غارقة في التفكير , شعرت بالفراغ ! ! فأرادت أن تقتل الملل إلى أن يعود زوجها , فنهضت ناحية الطاولة الصغيرة المقابلة لها , فتناولت المجلة وما إن جذبتها حتى سقطت ورقة عَـلِمت بأن زوجها هو من كتبها ـ فهو مصاب بمرض القراءة ـ والكتابة تأخذُ من وقته الكثير . . فكانت تلك الورقة صدمة لها . . رسالة حب ٍوغرام ! غير مصدقة . . جُنَّ جنونها , وهي تسألُ نفسها :
من تكون تلك الأنثى التي تشاركها حُبـَّهُ ليخصـَّها برسالته , هذه ؟ ! ففي بداية ما كتب لمحبوبته : أقسم بحبه لها وعاهدها على الصدق والوفاء بأنها ستبقى حبه وعشقه الأبدي . . ينثر أفراحه منها وإليها . . يجد فيها ملجأ ًيلجأ إليه إن شعر بالوحدة والضيق . . أحب مخارج حروفها إن عبَّـرت , وصمتها إن نطقت . . كيف ذلك ؟ ! هذا ما تفردت به حبيبته عن غيرها , فهي المتنفس الوحيد له كلما شعر بالضجر . . تصرخُ إن صرخ , وتبتسمُ إن ابتسـم !! فهي بالنسبة له بحر مكنون مليء بالجواهر . . تجمع الأضداد , وفي ذلك يكمُنُ حسنها !! وكلنا يعرف عبارة : "الضد يظهر حسنه الضد "وبعضنا يعرف أنها مأخوذة من بيت شهير يصف اجتماع بياض وجه حسناء سورية مع سواد شعرها فيقول شاعرها :
لهفي على دعـد ٍ وما خُلِقت إلا لـطـول بـليـتي دعــدُ
الـوجهُ مثل الصـبح منـبلج ٌ والشعر مثل الليل مسود ُ
ضدانِ لما استجمعا حَسُنا والضد يظهر حسنه الـضد
كل ذلك الكلام المعسول قرأته الزوجة , والدموع تسبح في عينيها . . ذُهـِلت من وقع الصدمة , لم تصدق خيانة زوجها وحرارة مشاعره التي نثرها في رسالته لمحبوبته . . مشاعرٌ تنم ُعن صدق عاطفته الجياشة بكل هذا الحب . . انهارت . . فتمنـَّت لحظتها لو أنها لم تكسر حالة الملل بتلك القراءة , فما هو مكتوب كفيل بإنهاء حياتها الزوجية . . لم تستطع إكمال القراءة ! اشتطات غضبا ً. . تملَّكها البكاء . .لا يطفئ نار غضبها إلا مجيء زوجها الخائن ومصارحته وجهاً لوجه , فانتظرته على أحرِّ من الجمر ؛ لم يسبق لها أن انتظرته على تلك الحالة . . وما إن حضر زوجها والابتسامة تلوح على محياه بادرته وهي تبكي بنبرة ٍكلها غضب ٍوكره :
أيها الخائن كيف سولت لك نفسك خيانتي وأنا صنت عرضك وشرفك . .ذُهل هو الآخر مِن وقاحة كلامها ونعته بالخائن فقال لها:
أيتها المجنونة . . ما بالك تتحدثين بحديث المجانين ؟! وعم تتحدثين ؟! فأشارت إليه بالورقة مُتشبثة في يدها , فقال : وما يعني هذا ؟! فقالت تتغزل بمحبوبتك , وتود أن أقابلك بابتسامة !! فتبسم وقال: وهل اكملتي قراءة ما بدأتِ ؟ !
. . فصمتت لبرهة من الوقت , ثم استطردت في قراءتها مرةً أخرى , فتبين لها أن ذلك الغزل والعشق والحب ما كان إلا لمحبوبته التي تَعلـَمُ مُسبقاً هي بعشقه وحبه لها . . ألا وهي " الكتابة " . . فأصبحت حلاوة حبات العنب مُـرة ً, لم يسبق لها أن تذوقت طعمه مُـرا ً إلا في هذا العنقود .
عندها قال الزوج لزوجته مُعاتباً: قال روبرت إنجر سول: (( الغضبُ ريحٌ تهبُّ , فتطفئ سراج العقل ))
وقالوا: (( في التأني السلامة , وفي العجلة الندامة ))
وأما حبي للقراءة يا جاهلة , فقد قال ترولوب :
(( عادة المطالعة هي المتعة الوحيدة التي لا زيف فيها , إنها تدوم عندما تتلاشى كل المُـتـَع الأخرى ))
***************************************
( 2 )
العنقود الثالث
تناول عنقود العنب وبدأ يقضم حباته واحدة تلو الأخرى , والزوجة بجانبه تشاركه حلاوة العنب ,فلما رأى البشاشة والأريحية بادية على زوجته ,أراد أن يغتنم هذه الفرصة وأن يُصارحها لأول مرة بموضوع ٍأخفاهُ عنها لوقت طويل وقد حان وقت البوح فيه , فانتابها القلق وساورتها الشكوك حيال ما يودُّ قوله ؟ ! فأخبرها أن تكون زوجة مُتفهمة عاقلة لأن الغضب والانفعال لا يُقدم ولا يؤخر في الموضوع شيئاً , ومجرد النقاش فيه مرة أخرى لا يسمِن ولا يغني من جوع !! كل هذا والزوجة المغلوب على أمرها ترتجف . . متوترة أعصابها لا تدري ما ينتظرها , أهو خبر سعيد أم طامة ؟!! فبدأ حديثهً إلى زوجته بكل برود قائلاً لها :
هي أحلى طعما ً من شفاهك وأجمل مبسماً من مبسمك وأجمل شكلاً . . فهي عنقاء ذات خصر نحيل , وعجز متناغم . . متناسق مع جسدها السـاحر . . تنفث رائحة الفواكه من فيها ( فمـها ) دفعه واحدة ؛ إنْ أردتُّ أنا ذلك !! وحينا ًبرائحة التفاح , ومرةً الفراولة وأخرى بطعم التوت , وإنْ كنتُ أفضلُها برائحة العنب . . فدوت صرختها في أرجاء الغرفة وقالت : لا تكمل يكفي ما سمعته , وبادرته على الفور بقولها : " طلقني" فضحك من ردها حتى أدمعت عيناه وخاطبها قائلا ً : أواا تضنينها امرأة . . ؟ ! فعلا ً شر البلية ما يضحك , فحبيبتي التي نعتها بالأوصاف السابقة هي الشيشة "الأركيلة" فقالت الزوجة وهي تبتسم والدموع في عينيها : لأول مرة أجدُ حبات العنب مُـرة الطعم لكن في هذا العنقود فقط . !!!!
فقال الزوج : يا حبيبتي , يقول دنفر بوست : " مضت سنواتٌ وحياتي الزوجية سعيدة , ولكني وجدت زوجتي ذات صباح ٍ مقطبة ً سريعة الانفعال , فقلت : ما بالك ؟ فأبت أولاً أن تخبرني ولكنها التفتت إليَّ بعد حين والدموع تنهمر من عينيها وقالت : إذا رأيتك ثانية في الحلم تقبل امرأة أخرى فلن أكلمك مدى الحياة " .
ثم قال : لكن ما يغفر سوء ظنكِ فيَّ هو ما قاله مارك توين :
(( عندما تكره المرأة رجلاً لدرجة الموت فأن ذلك يعني أنها كانت تحبه لدرجة الموت ))
*******************************************
نواف عرعر
وإني وإن كنت الأخير زمانه * * * لآتٍ بما لم تستطعهُ الأوائلُ
العرض العادي
